التطبيع.. إسرائيل تعود لمغازلة السودان بإدارة جديدة

 

تقرير: محجوب عثمان

في الثالث من فبراير من العام الماضي، تم لقاء مفاجئ ما بين رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال زيارة نفذاها إلى أوغندا، وقد تم اللقاء بدعوة من الرئيس اليوغندي يوري موسفيني، وبرعاية كاملة من الرئيس الأمريكي آنئذٍ دونالد ترامب.. وكان لقاءً له ما بعده وأثار كثيراً من التساؤلات، بيد أن حديث بنيامين نتانياهو، عنه أزال بعض الغموض عندما قال إنه ناقش تطبيع العلاقات خلال لقائه سياسيين سودانيين كباراً في أوغندا، واعتبر لقاءه مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان يمثل تغييراً كبيراً في العلاقات بين البلدين اللذين هما نظرياً في حالة حرب.

مصالح

مما لا شك فيه ان للأطراف الأربعة التي ضمها ذلك اللقاء أجندة حملها كل معه لتحقيق مصلحته من خلالها، فالبرهان كان يبحث عن مخرج للسودان يغادر عبره ضيق العزلة إلى فضاءات الانفتاح على العالم وكسر قيود العقوبات المفروضة عليه، وشطب اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بينما كان يبحث بنياميين نتنياهو عن دعاية انتخابية تبقيه على سدة حكم دولة الكيان الصهيوني بعد أن تراجعت شعبيته هناك، فأراد تنفيذ حملة لتطبيع العلاقات مع عدد من الدول ليكسب ود الناخبين.

وربما كانت أجندة نتنياهو تماثل أجندة دونالد ترامب الذي كان يترنح في السباق الانتخابي، فأراد برعايته تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية بما فيها السودان أن يخطب ود اللوبي اليهودي في أمريكا عسى ولعل أن يشفع له ذلك بقضاء فترة رئاسية ثانية على أمريكا، أما يوري موسفيني فإنه يريد أن يكسب لبلاده بعض النقاط في صالح علاقاته مع أمريكا وإسرائيل معاً.

خرج السودان كاسباً من تلك الصفقة بعد أن شطب من قائمة الدول الراعية للإرهاب وعادت علاقاته مع الولايات المتحدة إلى مسارها الصحيح، وربما استفادت أوغندا أيضًا، غير أن لا بنيامين نتنياهو استفاد من اجتماعه ولا دونالد تلارامب حصد ما يرنو إليه، فقد عصفت الانتخابات بكليهما لاحقاً.

جمود

مثّل اجتماع البرهان ــ نتنياهو اختراقاً مهماً، إذ توالت الزيارات من الجانب الإسرائيلي للخرطوم، وتمت لقاءات رسمية في هذا الاتجاه، غير أن تصريحاً من رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك ربما صب ماء بارداً على خطوات التطبيع، إذ أكد أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، بأن تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل أمر معني به برلمان منتخب يمثل كل الشعب السوداني، وهو ما يعني أن الأمر سيكون معلقاً حتى نهاية الفترة الانتقالية، على أن تستمر خطوات التقارب وأن تستمر المفاوضات المفضية للتوقيع على اتفاق إبراهام للسلام بين السودان وإسرائيل..

وفي المقابل يلاحظ أن ادارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن نفسها انشغلت بقضايا أخرى غير ملف التطبيع، وفتر حماس السودان تجاه الأمر ما جعله يراوح مكانه، وإن كان لا يخلو من متابعات من الجانب الإسرائيلي للمضي قدماً فيه.

خلاف

وربما يشير البرلماني المستقل السابق محمد الطاهر إلى بعد مماثل إذ يرى أن جمود التطبيع من الجانب السوداني تجاه اسرائيل تم من واقع وجود بعض التعقيدات، وقال في حديث لـ(الصيحة) إن الإشكالية في الجانب السوداني كانت في عدم اتفاق الحكومة الانتقالية على جوهر القضية قبل المضي فيها ما جعل قضية التطبيع تواجه برفض مكونات كبيرة داخل الحكومة أهمها حزب الأمة ذو الثقل الكبير كونه ظل يجاهر برفض التطبيع ما جعل الحكومة نفسها تقف لتفكر كثيراً في مسيرة التطبيع، وقال “مشكلتنا أن مكونات الحكومة نفسها غير متفقة حول التطبيع ما جعل الملف يقف في مكانه دون تقدم”.

إحباط وخيبة أمل

وإن كانت إسرائيل تطمع في أن تحسن صورتها امام العالم العربي، وأن تحظى بتعامل الشعوب العربية والإسلامية، ومن بينها السودان، فقد تلقت مؤخراً ضربة قاضية عندما رفض لاعب الجودو الجزائري فتحي نورين من مواجهة محتملة أمام نظيره الإسرائيلي بوتول طاهار، قبل أن ينسحب اللاعب السوداني محمد عبد الرسول أيضًا من مقابلة كانت قد تضعه حال فوزه أمام الإسرائيلي “بوتبول طاهار” في الدور الثالث، قبل أن تنفي وزارة الشباب والرياضة انسحابه لأسباب سياسية وتؤكد أنه تعرض لإصابة منعته من مواصلة المشوار نحو ذهب أولمبياد طوكيو.

وأدت خطوة فتحي نورين ومحمد عبد الرسول إلى خيبة أمل كبيرة في الأوساط الإسرائيلية عبرت عنها صحيفة “يديعوت احرونوت” بأن ظاهرة مقاطعة اللاعبين العرب، ورفضهم مواجهة لاعبين إسرائيليين، مؤشر على إفلاس التطبيع مع الدول العربية.

وأشارت إلى أن انسحاب لاعب الجودو السوداني محمد عبد الرسول، ورفضه مقابلة اللاعب الإسرائيلي “إفلاسا” في التطبيع مع السودان، مؤكدة أن “كل علاقات التطبيع الباردة هذه سبق أن أثبتت في الماضي أنها لا يمكنها أن تغير الواقع، مثلما في حالة الرياضي المصري إسلام الشهابي، الذي رفض مصافحة أور ساساون الإسرائيلي في أولمبياد ريو 2016 في البرازيل”.

وقالت “توجد كل أنواع الاتفاقات والبنود الرئيسة والفرعية، والحبر الذي ينتهي في الطابعة من كثرة النسخ، أما على الأرض، على المنصة الأبرز التي يمكن أن تفحص فيها العلاقات الإنسانية، يثبت الرياضيون من هذه الدول العربية أن إسرائيل من ناحيتهم ليست موجودة”.

محاولات مستمرة

المحاولات الإسرائيلية الرسمية نحو تطبيع العلاقات مع السودان لم تقف وظلت مستمرة وذلك ما كشفته صحيفة صحيفة “يدعوت احرونوت” نفسها أمس الاول التي اشارت إلى اتصال هاتفي إجراه الرئيس الإسرائيلي الجديد “يتسحاك هرتسوغ” الأسبوع الماضي مع مسئولين سودانيين ـ لم تسمهم ـ هنأهم فيه بحلول عيد الأضحى المبارك وهنأوه بتسنمه موقع الرئيس وعبر الجانبان عن أملهما في الاستمرار في توثيق العلاقات بين البلدين والتوصل لاتفاق سلام بأسرع وقت.

واعتبرت مصادر ـ بحسب الصحيفة ـ أن المكالمة كانت إيجابية وهامة لنسج العلاقات بين الدول وتمت خلالها الرغبة لعقد لقاء بين الجانبين بهدف تسخين وتيرة العلاقات.

إصرار

ويؤكد محمد الطاهرعسيل لـ(الصيحة) أن إسرائيل وأمريكا أكثر حرصاً على إكمال عملية التطبيع نظراً لأهمية السودان القصوى في محيطيه العربي والافريقي بالنسبة لإسرائيل ويشير إلى أن التطبيع الذي تم مع بعض الدول العربية لا يضاهي التطبيع مع السودان، لذلك فإن امريكا واسرائيل لن يتركا الامر يمر هكذا، مشيراً الى أن الفترة السابقة كانت فقط لترتيب الأجندة بعد تغيير الحكومات في كلا الدولتين، لافتاً الى أنهما دولتا مؤسسات وأن تغيير رؤسائهما لا يغير شيئاً في اتفاقات تمت من واقع أن جميع الخطوات كانت تتم وفق خطط موضوعة لا تتأثر بالأشخاص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى