الأمن الداخلي.. ما وراء إلغاء مسودة مشروع القانون؟

 

تقرير- عوضية سليمان

ما إن ظهرت مسودة مشروع قانون جهاز الأمن الداخلي التي دفعت بها وزارة العدل لمجلس الوزراء بغرض إجازتها ورفعها لاجتماع المجلسين لتكون قانوناً فاعلاً، إلا وثار الجميع حولها كبركان تفجر رفضاً للمشروع الذي من الواضح أنه لم يصادف هوى في نفوس جميع القوى السياسية وقيل حوله الكثير من شخصيات وكيانات سياسية ونقابية أشارت إلى أنه يحتوي على مواد صادمة وقمعية ولا تشبه شعارات ثورة ديسمبر المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة…

ربما الهجوم المكثف على مسودة القانون أعطى مؤشراً لمجلس الوزراء الذي أصدر أمس الأول بحسب عدد من الصحف قراراً إلغى فيه المسودة وأعادها لوزارة العدل لتشريع قانون جديد يتماشى مع تحقيق أهداف ثورة ديسمبر.

حملة شرسة

مشروع القانون واجه حملة شرسة واتهامات مباشرة لقوى الحرية والتغيير فقد أشار مهتمون وسياسيون إلى أن أحزاب قوى الحرية والتغيير الحاكمة الآن، تعلم أنها ليس لها سند شعبي على الأرض، لذا تفكر ان تقمع حتى الشعب الذي أتى بها إلى السلطة في حين غفلة من الزمن، تريد إخراس الأصوات التي تخالفها سياسياً وفكرياً، بدأ هذا بتكميم بعض الأصوات الشبابية والقيادات الدينية، أما الآن تريد قانوناً حتى يسهل لهم الاستمرار في القمع وانتهاك الحريات،.

انتقادات

وفي ذات الإطار المناوئ لمسودة القانون كان القيادي في الحركة الشعبية ومستشار رئيس الوزراء السياسي ياسر عرمان قد وجه انتقادات لقانون جهاز الأمن الداخلي المزمع إجازته، وقال عرمان على صفحته الشخصية إن مسودة القانون مجهولة النسب والأبوين فضلًا عن كونها بالونة اختبار من قوى لإعادة القمع، وأن نسخة القانون تعطي الجهاز صلاحيات واسعة في الاعتقال، وأضاف ساخرًا كأن البشير قد كتبه في سجنه، وناشد بقتل القانون في مهده، مؤكداً أنه لا يمكن إجازته إلا بعد تشكيل المجلس التشريعي، كما أن إجازته بهذا الشكل تعني عودة النظام السابق. بينما انتقد الحزب الشيوعي مشروع قانون الأمن الداخلي من حيث الشكل والمضمون، إن مشروع القانون يمثل حلقة جديدة من حلقات التآمر على قوى الثورة والالتفاف على أهدافها، وأنها تتعارض مع أهداف الثورة التي نادت بوجود جهاز يختص فقط بجمع المعلومات وتحليلها وتقديمها إلى الجهات المختصة. واتهم الحزب وزير العدل نصر الدين عبد الباري بلعب دور أساسي في صياغة مشروعات القوانين الرامية إلى إجهاض الثورة.

ماذا يرفضون

وتنص مواد مسودة قانون الأمن الوطني البالغة 69 مادة على أن الجهاز سيعمل تحت القيادة العليا لمجلس السيادة الانتقالي على أن يخضع للسلطة التنفيذية ويمارس نشاطه تحت الإشراف المباشر لوزير الداخلية، وانتقد كثيرون الصلاحيات التي يتمتع بها هذا الجهاز الجديد، وكذلك منح القانون جهاز الأمن الداخلي سلطات مقيدة في الاستدعاء والحجز والاعتقال والتحفظ والتفتيش، ونص الاعتقال والتحفظ لمدة 48 ساعة غير قابلة للتجديد، على أن تكون سلطة الاعتقال بأمر مكتوب من المدير شخصياً، على أن لا يتجاوز الحجز لدواعٍ أمنية 24 ساعة بموافقة المدير، على أن يخطر وكيل النيابة المختص كتابة إذا لم يفرج عنه بعد مضي مدة الاحتجاز، وفي كل الأحوال يجب ألا تزيد فترة التحفظ عن 72 ساعة بموافقة مكتوبة من النائب العام أو من يفوضه.

بادرة إيجابية

وربما يرى الخبير القانوني بارود صندل أن قانون الأمن الأول من حيث الشكل يحتاج إلى إعادة النظر فيه، مبيناً أن المسودة لم تكن إلا نسخة منقحة من قانون جهاز الأمن والمخابرات الوطني الذي تم إلغاؤه، مبيناً أن مسودة القانون تعطي صلاحيات واسعة جداً للجهاز في سلطة الاعتقال والتفتيش، مبيناً أن ذلك يتنافى مع أهداف وسلطات الدولة الديمقراطية.

ولفت إلى أن الحكومة ما كان لها أن تشرع مثل هذا القانون إلا في حالة أنها تريد أن تنشئ جهازاً موالياً للشرطة قريباً من جهاز الأمن ولا يتبع إدارياً للشرطة، مبيناً أن الحكومة إن كانت تريد أن تنشئ جهاز أمن متخصصاً فينبغي عليها أن تعمل على تقوية المباحث المركزية ومنحها معينات لتقوم بعملها في تقوية الأمن الداخلي، وقال “كل ما هو متعلق بالشرطة والتحريات وغيرها ليس من مهام الجهاز القديم”.

وأشار بارود صندل إلى عيوب مسودة القانون، مبيناً أن المسودة حوت كل العيوب التشريعية التي كانت في قانون جهاز الأمن والمخابرات المحلول من القبض دون ضوابط والتفتيش، وقال “كل هذه الأشياء تم منحها لجهاز الأمن الداخلي. وأكد أحقية مجلس الوزراء بإلغاء المسودة وإعادتها لمجلس الوزراء كونها لم تصبح قانوناً بعد، ولا تزال في طور التشريع، وقال “نحن في دولة ديمقراطية وليس من المفترض أن يكون هنالك قانون مثل هذا أبداً وهذه بادرة وخطوة إيجابية”.

ليس فيه ضرر  

ولكن ربما اختلف الخبير الأمني المتحدث الرسمي السابق باسم القوات المسلحة العميد الصوارمي خالد سعد، والذي أشار في حديث لـ(الصيحة) أن الأمن الداخلي كان في السابق مجموعة أمنية تعمل تحت لواء جهاز الأمن والمخابرات مع العمليات المتصلة بعمليات حفظ الأمن للمؤسسات والمجتمع بطريقة أساسية وغير منظورة، وأشار إلى أن التدخلات التي تحدث فيما يتعلق بالأمن الداخلي ضمنها تدخلات لأجهزة المخابرات ولجمعيات ومنظمات أمنية، ولفت إلى أن قانون الأمن الداخلي يعطي فرصة للشرطة لتمارس دورها ويلغي دور جهات أمنية ومنظمات أمنية مصاحبة، وأشار إلى أن إلغاء القانون سيعطي فرصة أكبر للجهات الأمنية لتعمل. وقال إن إلغاءه لا يسبب أضراراً لأن القوات النظامية ستجد فرصة لتلعب دورها بطريقة رسمية وأساسية، وقال “في تقديري الخاص ليس فيه ضرر الآن وإنه يعطي الشرطة وجهاز الأمن دورا أكبر للقيام بالعمل من غير تدخل من أي منظمات أمنية وأي جهات أخرى”.

تأثير سياسي

وبعيداً عن هؤلاء، يرى الناشط السياسي علي أبكر من منظور مغاير من واقع أن قانون جهاز الأمن الداخلي جاء كفكرة وابتداع من أحزاب قوى الحرية والتغيير الحاكمة الآن، يقول علي لـ(الصيحة) إن الهدف كان من قانون الأمن الداخلي، هو إسكات أصوات لجان المقاومة التي لا تزال خارج سيطرة هذه الأحزاب التي تتمتع بالسلطة الآن، خاصة وأن فئات معتبرة من هذه اللجان تعتقد أن ثورة ديسمبر قد انحرفت في الفترة الانتقالية، وبدأت قوى الحرية والتغيير استبعاد أغلبية الفاعلين من لجان المقاومة من التأثير السياسي، كما فعلت مع تجمع المهنيين الذي تشظى إلى جزئين وأصبح لا صوت له، ويدعي أن هذا القانون سوف يوجه إلى كل عضوية لجان المقاومة الرافضة لسياسات الفترة الانتقالية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى