بهاءالدين قمرالدين يكتب : أنت بالروح لا بالجسم إنسان!

قال الشاعر:

أقبل على النفس واستكمل فضائلها

فأنت بالروح لا بالجسم إنسان!

لقد خلق الله تعالى الإنسان محبّاً للاختلاط والتآلف مع غيره من بني البشر، فلا يمكن أن يعيش الإنسان السوّي وحده من دون رفقةٍ وأنيس؛ فالحياة الاجتماعيّة هي جانب من جوانِب حياة أي إنسان لا يُمكن تجاهلها ولا تجاوزها، فالله تعالى عندما خلَق الناس جعلهم متفاوِتين في قدراتهم العقليّة والبدنيّة ممّا يجعلهم في حاجةِ بعضهم البعض باستمرار؛ فالخبّاز يحتاج إلى الحدّاد، والحداد يحتاج إلى الطبيب والمهندس والمُعلِّم وغيرها من الأعمال. الإنسان مدني بطبعه كما قال ابن خلدون أبو علم الاجتماع، وهذا يعني حاجته المُستمرّة للبشر لتلبية حاجاته الحياتيّة، ابتداءً من حاجاته النفسيّة كحاجته للشعور بالتقدير والاحترام والتّواصُل وغيرها، وانتهاءً بحاجاته المعيشية التي تتمثل بالمأكل والمشرب والمأوى وغيرها؛ فالإنسان مهما تمايزت قدراته وتعدّدت مهاراته سيبقى عاجزاً عن توفير أبسط احتياجاته بمفرده، فرغيف الخُبز مثلاً يحتاج لقمح يزرعه مزارع ويحصده بآلات أعدّها صُنّاع آخرون، ويحتاج إلى مطاحن لتحويل القمح إلى دقيقٍ وغيرها من الأمور حتى يحصل عليه.

ومظاهر الحياة الاجتماعية يعبر عنها تفاعل الفرد مع الأسرة وتُعتبر هي الركن الأساسي في تكوين أي مجتمعٍ، وهي ما يحكُم الروابِط الاجتماعية التي سيُكوّنها الفرد في حياته فيما بعد؛ فشخصيّة الفرد تتكوّن في الأساس منذ صغره، فإذا كانت تربيته سليمة والبيئة التي تربى فيها صالحة وخالية من المشاكِل ينشأ الفرداً سويّاً محباّ للحياة الاجتماعية، بينما البيئة التي تفتقر إلى التربية السليمة التي تعتمد في أساسها على مفاهيم التعاون والاحترام، والالتزام بمبدأ الحقوق والواجبات، فإنّ أفرادها في الغالب يُعانون من مشاكِل في التواصُل مع الآخرين ويميلون إلى الاكتئاب والعزلة الاجتماعية.

وبتفاعل الفرد مع المُجتمع تتميّز العلاقة التي تربط الفرد بمُجتمعه بكونها تبادليّة بحتة يُؤثِّر فيها هذان المكونان ببعضهما بشدّة، ففي الوقت الذي يلعب فيه المُجتمع والبيئة المُحيطة في هذا الفرد دوراً رئيسياً في تكوين المعالم الرئيسية لشخصيته لا سيما في بدايات مراحله العُمرية – كما في قصة الطفل الصيني (مانج لو) الذي يُروى أنّ والدته انتقلت في مسكنها مرّات عدّة نظراً لتقليد الابن لسلوك من كانوا يُحيطون بِهِ من أفراد، ففي المرة الأولى قلّد (مانج لو) سلوك حفّاري القبور نظراً لأنّ منزلهم كان بجوار مقبرة، فيما بدأ يقلّد حركات الجزّارين عندما كان بيتهم قريباً من سوق الجزّارين، إلى أن قررت والدته الانتقال بسكنها إلى حي فيه مدرسة؛ فبدأ ابنها يقلِّد سلوك الطلاب ويحذو حذوهم – فإنّ الفرد والطريقة التي يتفاعل بها مع باقي الأفراد في المُجتمع، بالإضافة إلى المُعادلة الاجتماعية التي تحكم المجموعات فيه هُما ما يُشكِّلان الفرق بين المجتمعات ويعطيانها طابعاً خاصّاً يُميِّزها عن باقي المُجتمعات الأخرى.

ونجد أنّ الإسلام نظم علاقة المسلمين ببعضهم البعض فدعا إلى التحلّي بالحميد من الأخلاق التي تُوطِّد العلاقات بين الأفراد وتبعدهم عن الأضغان والنزاعات، ودعا إلى التزاور والتراحُم وصلة الرحم، وأرسى مفاهيم المساواة والعدالة الاجتماعية لضمان الأمان الاجتماعي والسلام، فيما حدّد علاقات المسلمين بغيرهم أيضاً وحثّ على أن تحكمها المُعاملة بالحسنى ما لم يُحرِّكهم عداء، فوضع بذلك أسس تكوين مُجتمع قوي مُعافى في علاقاته بما يضمن التفاعل الصحيح بين الناس كأفراد وجماعات. العزلة الاجتماعية يُشار إلى العزلة الاجتماعية أحياناً باسم الاستبعاد الاجتماعي، وهي حالة تُعبِّر عن ضعف أو انعدام التواصل بين الفرد ومُجتمعه، فيما تعود أسبابها في أغلب الأحيان إلى انعدام الثقة في الآخرين بسبب موقف حياتي سابق تعرّض له الشخص. الإحباط. المشاكل العقليّة وقلة الإدراك. التعرّض للعنف المنزلي.

والبطالة والشيخوخة والتشرّد وفقدان أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء، أو شخص عزيز.

ويقول الشاعر:

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده

فلم يبق الا صورة اللحم والدم

ودام ودكم!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى