سراج الدين مصطفى.. على طريقة الرسم بالكلمات

نقر الأصابع

سراج الدين مصطفى

على طريقة الرسم بالكلمات

(1)

رغم معاناتي من الالتهاب هذه الأيام ولكن معاناة عقد الجلاد تجعلني أتجاوز معاناتي الخاصة.. رغم أن ذهني مشتت، ولكن هذا الذي يحدث مع عقد الجلاد يعود بالذاكرة لموقف شهير وموثق ومثبت وغير قابل للنكران.. حينما اجتمعت بعض الأسماء المعروفة وقررت إيقاف أغنياتهم مع مصطفى سيد أحمد.. وتلك الأغاني (ملام) للشاعر عبد الوهاب هلاوي وألحان يوسف السماني وأغنية (شقى الأيام) للشاعر الراحل عبد الرحمن مكاوي وألحان يوسف السماني، وهذه الأغنية تحديداً طالب الملحن والشاعر بأن يدفع مصطفى سيد أحمد مبلغ 500 جنيه حتى يتغنى بها ورفض مصطفى ذلك وقال بأنه يرفض أي أغنية (تسعيرتها معلقة في رقبتها).. ومن الأغاني التي منع مصطفى من ترديدها أغنية (والله أيام يا زمان) للشاعر التجاني حاج موسى وألحان محمد سراج الدين..

(2)

وكذلك أغنية (من بعيد لبعيد) كلمات محمود حسين خضر وألحان عبد التواب عبد الله.. ذلك الموقف العدواني تجاه مصطفى سيد أحمد هو الذي أنتج مصطفى سيد أحمد، حيث ترك ترديد تلك الأغاني والتعاون مع شعرائها حتى توفاه الله.. ذلك الموقف العدواني المستفز جعل مصطفى سيد أحمد يتجه إلى شعراء مثل حميد والقدال ويحيى فضل الله وقاسم أبوزيد وصلاح حاج سعيد، فكانت أغنية (المسافة) هي أول إنتاج مصطفى سيد أحمد من الألحان الخاصة..

(3)

تجاوز مصطفى سيد أحمد كل العقبات، وكان ذلك الموقف هو الانطلاقة الحقيقية لمشروعه الغنائي، فهو حينما تجاوزهم تجاوز معهم كل الأشكال الكلاسيكية والعادية من حيث المفردة الشعرية فكانت الحزن النبيل.. قمر الزمان.. سمحة وسمرية .. أسئلة ليست للإجابة.. يا ضلنا.. سافر.. كوني النجمة.. وغيرها من الأغنيات التي رسمت خطاً غنائياً جديداً ومشروعاً اتسم بالصدق والانحياز للوطن والناس.. ولعلهم حاولوا الإضرار به، ولكنه قفز بنفسه والأغنية السودانية لفضاءات جديدة.. وما حدث اليوم مع عقد الجلاد هو ذات الموقف وربما ذات الشخوص وذات الأسماء.. وهو بتقديري بداية انطلاقة عقد الجلاد إلى فضاءات جديدة.. وكما أفاد ذلك الموقف مصطفى سيد أحمد من المؤكد أن هذا الموقف سيجعل عقد الجلاد تحلق في فضاءات جديدة..

(4)

لم أجد تفسيراً واضحًا لاهتمامي بكل ما هو معتق وقديم.. ينتابني حنين خاص للأماكن الأثرية.. والصور التاريخية والأغاني القديمة.. لذلك تجدني أكثر حرصاً على التواجد في المجموعات الإسفيرية التي تهتم بالتواريخ والصور والذكريات وما إلى ذلك.. وأحتفظ بمكتبة خاصة على اللاب توب تحوي عددا كبيراً من الصور التاريخية.. ولعلي لاحظت أن معظم من أحتفظ بظهورهم القاسم المشترك بينهم هو الأناقة وحسن المظهر.. كلهم بلا استثناء أناس في منتهى الجمال..

(5)

ومن أراد أن يتأكد من ذلك عليه الكتابة على مؤشر البحث جوجل اسم عميد الفن الراحل (أحمد المصطفى).. ثم يتأمل كل الصور.. حينها سيجد فناناً بالمعني الأشمل لكلمة فنان.. أناقة في كل التفاصيل وهيبة مع البساطة.. لذلك فمن الطبيعي والبديهي أن يتغير مفهوم الفنان عند الشعب السوداني تأسيساً على جمالية أحمد المصطفى من حيث المظهر والجوهر.. وتتلاشى تدريجياً كلمة (صائع أو (صعلوك) وتحل محلها كلمة (أستاذ).. ذلك هو البناء الأخلاقي لأحمد المصطفى وكل جيله..

(6)

كان أحمد المصطفى وإبراهيم الكاشف وعثمان حسين وحسن عطية نماذج أخلاقية قبل أن يكونوا فنانين لهم إرثهم الغنائي الكبير الذي أثر على معظم الأجيال التي أعقبتهم كوردي ومحمد الأمين وأبوعركي البخيت وغيرهم من الأفذاذ، نتوقف عندهم على سبيل المثال وليس الحصر.. وواقع الأمر والراهن يقول إن ذلك البناء الأخلاقي انهار وانحسرت القيمة المجتمعية للفنان.. وتهاوت إلى الحضيض تلك الصورة الجميلة التي أسس لها الفنانون الأوائل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى