تأثُّر الخرطوم بانتخابات دول الجوار.. إثيوبيا نموذجاً..!

تقرير- نجدة بشارة

يترقب السودان باهتمام وحذر، سير الانتخابات البرلمانية  العامة السادسة لأثيوبيا منذ اعتماد الدستور الحالي لها عام 1994، وانطلقت العملية الديمقراطية  أمس الأول، في وقت يراهن عليها بالداخل لتشكيل المشهد السياسي الفترة القادمة، لا سيما اقتراب المهلة التي قطعتها أديس أبابا للشروع في عملية الملء الثاني لسد النهضة، وبالمقابل يتساءل متابعون عن مدى تأثير هذه الانتخابات وانعكاسها على السودان؟.

ما وراء الحدث

يتنافس في هذه الانتخابات ما يقارب 47 حزباً سياسياً ومئات من المرشحين المستقلين على مقاعد في البرلمان الفيدرالي والمجالس الإقليمية، أبرزهم حزب “الازدهار الحاكم” بقيادة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وذلك منذ إنشائه نهاية عام 2019 وتأتي تلك الانتخابات في ظل تحديات عديدة تمر بها إثيوبيا لا سيما عقب الحرب على إقليم “تيجراي” ومشاركة قوات إريترية في حرب الإبادة الجماعية على الإقليم ونزوح الآلاف إلى السودان، ما خلق أزمة مع الشركاء الدوليين وعلى رأسهم “الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية”، فضلاً عن هشاشة الوضع الأمني والاجتماعي بسبب اضطرابات عرقية عنيفة، هذا بإضافة إلى التوترات التي تشهدها المنطقة بسبب تعثر ملف سد النهضة.

وفي وقت سابق، أعلن المجلس الوطني للانتخابات بإثيوبيا عن تسجيل نحو 36 مليون ناخب، واستنثني إقليم تيغراي من الانتخابات المقبلة بجانب جماعة “أونق شني” التيار المنشق عن جبهة الأرومو التي ينتمي إليها رئيس الوزراء “أبي أحمد”، فيما وقع الإئتلاف الحاكم “حزب الازدهار” وأكثر من 100 من الأحزاب والتنظيمات السياسية في إثيوبيا على “ميثاق شرف” ينظم العمل السياسي.

يخوض إئتلاف حزب “الازدهار” بقيادة “أبي أحمد” الانتخايات وسط تحديات عديدة، وتوقعات بمنافسة شديدة بين عدد من الأحزاب السياسية التقليدية والحديثة، فضلاً عن قوى المعارضة التي عادت إلى البلاد بفضل الانفتاح في مواجهة الحزب الحاكم “الازدهار”، فقد بدأ عدد من الأحزاب السياسية المعارضة التكتل والتوحد في كيان واحد (بالديراس من أجل الديمقراطية، حركة أمهرا الوطنية، حزب الوحدة الأثيوبي)، وقد بكرت تلك الأحزاب في القيام بحملة انتخابية مشتركة بالعاصمة أديس أبابا في مواجهة حزب الأرومو الحاكم بقيادة رئيس الورزاء الأثيوبي (أبي أحمد)، والذي قوبلت حملته الانتخابية وقتها بتظاهرات في عدة مدن مصحوبة بهتافات ضد سياسات الحكومة الاثيوبية وتنظيم الحركة الوطنية لشعب الأمهرا ووجهوا لهما الانتقادات والاتهامات، وكان شعار المظاهرات (نفطنجا) وهو مصطلح أمهري يعني أن هذه “أرض لنا”، حينها أصدرت الحكومة الوطنية لشعب الأمهرا بياناً طالبت فيه حزب الازدهار بالاعتذار لشعب الأمهرا بصورة عامة ولتنظيم الحركة وذلك للإساءات والاتهامات التي وجهها أنصار الحزب للحركة.

– بالمقابل أعلنت (جبهة تحرير أورومو) المنشقة عن حزب الأرومو الحاكم، انسحابها من المشاركة بسبب مضايقة الحكومة التي أغلقت مقرات الحزب وملاحقة قيادات الجبهة بالقتل والسجن، وذكر رئيس الجبهة “داوود أبسا” أن الأجواء الحالية هي نفس أجواء عام 1992 التي دفعت بقيادات الجبهة لمغادرة البلاد وطلب اللجوء إلى دول أخرى.

تكتيك ودعاية 

وأوضح الكاتب السوداني عمار العركي في مقال له بعنوان الانتخابات والتحديات التي تواجه أبي أحمد، أوضح أن تحديات موعد الانتخابات بالتزامن مع بداية عملية التعبئة للسد فيه نوع من التكتيك والدعاية الانتخابية، لكني أعتقد بأن هذا التحديد ليس بكافٍ لتهيئة المناخ السياسي وتصفية الأجواء الانتخابية في ظل تحديات ومعوقات داخلية وخارجية تواجه حكومة أبي أحمد، ولكن نحسب أن (أبي أحمد) يسعى فقط إلى اكتساب الشرعية الانتخابية باعتباره تم تنصيبه بالتعيين، إضافة لامتصاص الاحتقان السياسي الداخلي وتقليل الضغط الخارجي المتزايد، كذلك نتوقع قيام تحالفات معلنة من قبل الأحزاب المشاركة في الانتخابات وأخرى خفية من قبل المقاطعين لها، خاصة جبهة تحرير الأرومو وجبهة تحرير التقراي، بهدف واحد مشترك وهو إزاحة حزب الأرومو بقيادة أبي أحمد من المشهد، كذلك لا نستبعد توجه المعارضة بقيادة تيار الأرومو والتقراي إلى إفشال العملية الانتخابية برمتها وبأي أسلوب بما فيه العنف.

مخاوف وأمال

وأرجع  المحلل السياسي والخبير الدبلوماسي السفير الرشيد أبوشامة في حديثه لـ(الصيحة)، مواقف رئيس مجلس الوزراء أبي أحمد المتصلبة تجاه الملء الثاني للسد بسبب الانتخابات لجهة التعبئة السياسية من قبل الشعب الأثيوبي تجاه سد النهضة، وأردف: حتى إن الشعب خرج إلى الشارع يرقص فرحاً في فترة الملء الأول للسد، وبالتالي فإن أبي ظل يتمترس حول موقفه من الملء بسبب الضغط الذي ظل يجده، إضافة إلى حالات التنافس الحاد وسط التنظيمات السياسية المنافسة له.

وقال أبوشامة إن إجراء الانتخابات قبل فترة ملء السد المضروبة ستعطي الأمل في تليين مواقف أثيوبيا، وقد تتغير مواقفها حال اكتساح حزب الازدهار بقيادة أبي أحمد للانتخابات نسبة إلى توقع أن يقل الضغط الواقع عليه من قبل المنافسين، وسيعطيه فرصة لتقديم التنازل وتحسين العلاقة بين أثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى.

في المقابل رسم أبوشامة صورة قاتمة في حال خسر حزب الازدهار، وأردف: نسبة إلى أن الحزب المكتسح لن يستطيع تغيير سياسة ملء السد، وقال: أرى أن هذه الانتخابات إيجابية، وأتوقع أن فوز أبي الذي يقود الحزب الأكثر قواعد وشعبية سيعطي الأمل ويزيل المخاوف، وقد يجنب بلاده المواجهة مع مصر والسودان بشأن السد.

تفاؤل حذر

في المقابل، عبّر المحلل السياسي د. عصام بطران في حديثه لـ(الصيحة)، عن تفاؤله بتغيير المشهد السياسي في العلاقات بين إثيوبيا والسودان، لجهة أن  جبهة التحرير التي كانت في سدة الحكم بقيادة هيلاري ديسلين لديها قوانين ودستور غريب يرجح دائماً حكم الأقليات، وهذا ما ساهم في نجاح فترة ديسلين، بينما أبي أحمد يمثل الأغلبية أو الأكثرية الإثنية، لكن لم ينجح في قيادة الدولة في الداخل أو الخارج، وأردف: هنالك الآن قاعدة عريضة داخل إثيوبيا تميل لحكم الأقلية وإذا حدث سوف يكون المشهد السياسي سيشهد متغيرات كثيرة وأتوقع في حال فوز حزب الأقليات سيعود الاستقرار والهدوء إلى أثيوبيا، وهذا الاتجاه المرجح نسبة إلى أن أبي أحمد متعثر قليلاً في بدايات الانتخابات، وأردف: متفائلون بتغيير كبير في عودة الاستقرار والعلاقات بين إثيوبيا والسودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى