علي مهدي يكتب.. دهاليز.. مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني

يفتح آفاقاً للمعارف والتنمية والشراكة المستنيرة

معرض (لبيك) لو مشى بين مدائن الكون، لفتح وجدد فرص الكثيرين، للتعرف على حقيقة الإسلام والمسلمين

مبادرة أكاديمية الحوار للتدريب، تبني الان شراكةً بين العلوم والتجارب، وتجدد من أشواق الإعلاميين لتبادل المعارف الأحدث في وسائط الاتصال

ذاك زمن، يوم مشيت في ظني أبحث عنها الأسماء، في خاطري كانت تضيء، فتفرحني وأيامي، أسمعها بين أهلي يرددونها في محبة وإعجاب مع الأشواق، وتظل في أحلامهم، يحكونها في الصباحات، ويتمنونها تتحقق في  الأشعار والقصص والروايات المُعينة على الصبر، حتى يزوروها، تلك الأحلام مع الإشواق تتحقق، ويمشوا إليها على عجل. ولمحت في تفاصيل الأسماء الرنانة مفعمة بالود ينطقونها في وله. المدينة المنورة، مكة المكرمة، الحجاز، القصيم، جدة، وأخيرًا جدة غير، الرياض، تبوك، ونجران والباحة. ومدن ومدن، وأحياء وصحاري وجبال. كل الأشياء فيها كانت تلك الأحلام، بظلالها أو من غيرها، متعة الدنيا وأمنيات الوصول تعبر  اسوار المستحيل، ليصلوا،  والبحر بلونه الأحمر، ما لمحته، لكني عرفت أن هذا اسمه ورسمه، الأحمر. والموانئ القديمة بين الشاطئين، بنورها، أو بعض ظلامها، تسهّل الحلم، أو تمنعه من التمدد، والوصول لشاطئيه واجب، وإن طال انتظار.

ثم تقدم بحثي، عنها الإشارات والمعاني خلفها، صبري أوسع من ضيقي بالانتظار، وقاد إلى يقين مريح وملهم.

والأسئلة تنداح ولا تنفك، بعضها فهمه بظنون الطفل الصادق، فهم بين بين، لكنه ينتظر الاستبانة، فتعم المعارف الأنحاء، والآخر قيّم،  البحث فيه أكثر.

الحج والعمرة، الزيارة. وشوارعها مدينتي، (شجرة محوبيك) و(ودنوباوي)، تزدان في مواسم الحج بالألوان، زاهية وبهية، الأبواب تحاط بهالة من الخطوط والكلمات

(يا داخل هذا الدار صلي على النبي المختار)..

و(حجاً مبروراً وذنباً مغفورًا).

ونعيش لأيام في بحبوحة من رغد وعيش، ما كما كان قبلها، فكل يوم وليمة وتوسعة على الأسر والأحباب، (كرامة)، ومع هذا الفرح المقيم، ننتظر لثلاثة ليالي بأيامها مكتملة، حتى تفتح (شنطة) الحاج أو الحاجة، وتخرج الهدايا، مسابح من نور، مخضرة، وحمراء زاهية، وعطور زيتية وغيرها، وطواقي بالألوان، نتباهى بها بين الأقران، نمشي وكأننا كنا مع الحجاج، ونعيد في الحكايات التي سمعنا، نصنع لها أطراف وزيادات أحسن من من حكوا.

أيامي تلك تكاملت عندي رغبات تتعاظم كل يوم بالوصل لحقيقة المعارف والاقتراب أكثر من هذا الوله والعشق المتعاظم للأراضي المقدسة، وفهمت ما عرفت، ومشيت به سنوات عمري، صادقًا في السعي للاقتراب أكثر وأكثر ثم أكثر، فكان وحدث، انفتحت بينها وبيننا وأهلها بوابات الود والمحبة. المملكة العربية السعودية.

وبها وجهدها المتنوع والمتعدد، في أشكال، الظاهر فيها، اقتصاد يقوم على شروط  الإنسانية، وبنيان سليم لسياسات تمشي بين المحاور، تراهن على القُطري أولاً. أساسًا للانطلاقة الإقليمية والدولية،  ومحاور إذا نشأت، تقوم على مصالح الأمة، لا الموقّت من السياسات. لذاك تلمح أن الفكر المستنير، هو ما يدفع في الخطط البنّاءة، النظرة للمستقبل العريض.

وزرتها المملكة العربية السعودية مرارًا وتكرارا، أشهد فيها فعاليات الفكر والثقافة والفنون، والتي لهم شيدت جسور المعارف بين الأمم.

أتوقف فيها عابرًا أمشي نحو فضاءات أبعد، أتوقف، للتزود بخيارات، تعاظم من مشاركاتي في الغرب الأدنى، أو الأقصى.

وتعودها محاورًا في ما ترتّب بالتعاون الإقليمي والمنظمات الدولية، ومؤسساتها المنفتحة على الآخر، فتقبل بنا فكرًا مغايراً، أو متفقاً عليه، هي وسّعت ماعون تعاونها الأممي، فأضحت الرياض وجدة ومدن أخرى في مناحيها، ملتقى للفنون والثقافة العربية، وبنت تفاهمات مع وكالات الأمم المتحدة، وبشكل خاص مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو).

وأيامي الماضيات زاحموا بنجاح كبير فضاء التواصل عبر تقنية (زوم)، في واحدة من أهم وأحدث الملتقيات العلمية والفكرية والإعلامية، (الحوار الإعلامي) جهد كبير سأذهب إليه بالتفصيل، ثمرة عمل متقن من (مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني)، وترتيب علمي وتنظيم جيد من (أكاديمية الحوار للتدريب).

أعود لتلك المبادرات الخلاقة والجهد الأصلي والأسمى في تأسيس معهد العالم العربي في (باريس). مظلة الآن لفكر وفنون وثقافات العرب، كل العرب في عاصمة النور، تبادل نوعي وذكي للمعارف المُفضية للخير، وشراكة ذكية تمتد الآن لاكتشافات كبرى مستقبلاً، وحظيت بتقديم واحدة من أعمالي المسرحية (سلمان الزغرات سيد سنار) يوم احتفى العالم بتواريخ السودان المجيدة (متحف ممالك على ضفاف النيل) حدث ثقافي عالمي، ما كان له أن يكون ممكناً، لولا هذه الشراكة العربية الثقافية، التي نرجوها أن تمتد إلى مناحي أخرى، تعزز وتسعى لتحسين أوضاع الإنسان العربي الراهنة بالغة التعقيد.

تلك أيام بعيدة، يوم جلسنا في دمشق أول مرة لنبحث فرص تأسيس الاتحاد العام للفنانين العرب، ثم اكتملت الرؤية والفعل فيها القاهرة خواتيم ثمانينات القرن الماضي. وجاء مبدعو الأمة العربية، ورُفعت الأعلام بألوانها المتقاربة على ساريات فندق بهي الطلعة في أطرافها القاهرة، رغم غيابها عن سفارات العرب فيها يومها، لكنه سحر الفن، وصدق النوايا. ثم رافقت الأب المؤسس سعد الدين وهبة عليه الرحمة لزيارة الرياض المدينة، والتي كانت جزءاً من حلمي القديم، وجلسنا، إلى صاحب السمو الملكي الراحل الأمير فيصل بن فهد، يومها كان مسؤولاً عن الأنشطة الثقافية والشبابية، وحظينا بالمباركة وبالدعم، في كل التنوّع، ومع التفاصيل، وساهم بعدها مبدعو ومفكرو السعودية في مختلف أنشطة وبرامج الاتحاد بقوة، مع الجودة والاتقان، ونجحنا في الاتحاد بعدها لسنوات ممتدة في التعبير بالقدر المستطاع عن مبدعي الأمة العربية، ثم حدث ما حدث، والسعي مستمر.

لكن منها الرياض المدينة الأحدث، تتجدد الأحلام مرة وأخرى، ثم نحت نحو بحثها في علوم العصر الإعلام.

ومشيت إليها جدة، وجدة غير، والطائف، والرياض الأجمل، ومدن أخرى، وفي مناسبات  متنوعة، ننظر بكثير من التقدير للفكر المستنير الآن يخرج منها المدن السعودية، يضيء ويفتح آفاق التعاون الأممي.

فشهد العالم المبادرة الثقافية العربية الكبرى (مؤسسة الفكر العربي) شراكة بين رأس المال والفكر العربي، وحظيت بالمشاركة في المؤتمر التأسيسي، والقاهرة تفتح أبوابها لمفكري ومثقفي وفناني وإعلاميي الأمة العربية، وأصحاب الفكر المستنير من رجال المال والمؤسسات الاقتصادية العربية، حوار نجني الآن في ثمار تلك الوقائع، وقف صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل المؤسس يتابع المشروع الخلاق، لتنعقد بعدها المؤتمرات في بيروت وغيرها من المدن. حتى وقفنا إلى جواره قبل أشهر، نشهد افتتاح معرض الكتاب في مدينة جدة، وفعلاً جدة غير. وتتناوب الأحدث الثقافية بينها ومدينة الرياض، لأشهد جانباً من أشهر مهرجانات الثقافة العربية، مهرجان (الجنادرية) شيخ المهرجانات في المنطقة، بما تحققت له من فرص الترقية والتطوير والاستقرار.

وأيامي الماضيات جلست إلى مكتبي بالبيت وهو عندي أسهل، أراجع وسائط الاتصال الأحدث، وأرتّب تقنية الاتصال والتواصل من على البعد، شريكاً في واحدة من أفضل اللقاءات عن البعد تنظيماً. اتصال مبكر، وطرح واضح للفكرة، ومعلومات متاحة في مواقع المنظمين عنها المبادرة.

(الحوار الإعلامي)، لثلاثة ليالي كنا في حضرة العلم والمعرفة، تنظيم وتخطيط تتساوى فيه الفرص للجميع، محاضرين ومدربين ومشاركين، وجدول زمني لبرنامج، المدرب المعتمد في الحوار الإعلامي، التزموا، شاهد أنا عليها حالات الالتزام، ثم من شدة إعجابي بالترتيبات التي سبقت، أهمها اتصالهم المبكر، وطرح الفكرة بوضوح، والمعلومات متاحة في موقع مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وأكاديمية الحوار للتدريب، وجلسنا صحيح على البعد،  لكنني أدركت من الدقة، كل حركة ووفقاً لجدول مرتّب. جيد أن نعتني في مؤسساتنا العلمية والأكاديمية والثقافية والإعلامية بدقة المواقيت، وصرامة أنا الأسعد بها، وفرص طيبة لتبادل الأفكار.

لثلاثة أيام من 21 الى 23 يونيو 2021 جمعتنا أكاديمية التدريب، ومركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، حول أوراق ساهمنا في إعدادها، كل في المداخلة التي اختارها، كنّا مجموعة من العلماء والأدباء والمفكرين والأعلاميين والأكاديميين والمبدعين، نتشارك وفق الجدول الدقيق والحازم في التنفيذ، المعلومات، ونعين على شرح وتوضيح أكثر لمعاني الحوار الإعلامي، في مختلف تفاصيله، ومستوياته المختلفة.

وأسعدني تكليفي بملف ظللت أعمل عليه لسنوات، منذ العام 2004 عندما أطلقنا من مدينة (ملكال) في جنوب السودان، أثناء وبعد الاقتتال والحرب والعنف،

قلنا (المسرح في مناطق النزاع)، وحكينا عن استخدامات الفنون الأدائية في تعزيز السلام، ومداخلتي في اليوم الثاني لبرنامج الحوار الإعلامي كانت

(كيف يحقّق الإعلام السلام).

وورقتي سأنشرها بتفاصيل أكثر في دهاليز قادمة، لكن الإشارات فيها تمشي مع شراكة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني مع وكالة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، شريك يحرك الساكن في حوارات تفضي لسلام دائم، بفضله تتحقق التنمية المستدامة، ويكون للأطفال فرص التعليم والماء النظيف. وهو سعي أممي، يبدأ من حوار وطني بين أفراد المجتمعات المتداخلة، والتي أضعف تماسكها النزاعات.

ذاك ما كان مدخلاً لورقتي، الإعلام الواعي والمدرك لأدواره، يناهض العنف كل أشكال العنف المفضي للفوضى.

لقد حققت الأيام الثلاثة ببرنامجها الغني عندي، أهدافًا، وهي توسع من شراكاتها الإقليمية والدولية، وأسعدني أكثر تنوع المشاركين من أنحاء الوطن الكبير، إعلاميون يمارسون يوميًا فعلاً نبيلاً، ويسهمون في نقل الوقت والزمان والمكان إلى حالة أفضل. يناهضون بالمعارف، توّحش اللغة، وهم على صبرهم قطعًا سيحققون النتائج المرجوة.

الملتقى، الورشة، الندوة، فرصة التدريب التي أتاحها المركز، وسهّلتها الأكاديمية، تعزز جهد كبير تسعى المملكة العربية السعودية لتحقيقه في ظل تعقيدات المعمورة الآن وغداً، إذا لم نجلس لهكذا حوارات، والتشاور لتحسين العلاقات، وسعي لنشر المعرفة بلا حدود، على الرغم من قصر وقت المشاركة، لكنني اطلعت عبر وثائق منشورة للمركز، ومعلومات متاحة للاطلاع من الأكاديمية، أظنها ستبني مع الوعي بقيم التعايش والتعدد وقبول الآخر، فرصاً طيبة مستقبلاً.

في حجة سابقة، نرجوها مقبولة، أتيحت لي قبل الجائحة، وكتبت عنها في دهاليز سابقة، ونشر بعض الأحباب تصاوير منها، كنت شاهداً في مقر إقامتنا نحن ضيوف خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، وفي مساحة كبيرة، وبتنظيم دقيق وعلمي، وترتيب فني ممتاز ومتقن. حضرت افتتاح معرض (لبيك) نعم لبيك، استعراض وتسجيل لتواريخ مكة المكرمة، في مختلف التفاصيل، تصاوير قديمة، أظنها تنشر لأول مرة، ثم خطوط وكتابات، اختيرت بعناية. كنت يومها قد تحدثت إلى وسائط الإعلام، ثم بعدها في لقاء مع المنظمين، اقترحت أن ينتقل المعرض بكل تفاصيله إلى فضاءات في نواحي العالم، قلت معهد العالم العربي في (باريس) ومركز (كندي) للفنون في (واشنطن)، ثم محاضرة عنه مع عرض مصور، في مكتبة (الكونغرس الأمريكي).

ثم ينتقل إلى مبنى الأمم المتحدة في (نيويورك)، تلك المدن في أوقاتنا هذه أحوج ما تكون لهكذا معرض، يحوي معلومات دقيقة، وعرضاً علمياً، سهل وممتع، عن مدينة الإسلام والمسلمين. مكة المكرمة

أمضيت أسبوعي بين اهتمام يتعاظم الآن بفرص الحوار الوطني والإقليمي والأممي. ثم ما أبدعها الحكايات عنها مدن في الخاطر دوماً في المملكة العربية السعودية، ثم فرحي الخاص جداً جداً، بسببه غاب الدهليز السبت الماضي، وعدي أكتب أيامي القادمات، وظللت أكتب لفترة عن قرب، عنه

(البصر المفضي للبصيرة).

إن شاء الله في دهليز بيننا قائم أسبوعنا القادم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى