خطاب حمدوك.. متى نصل لضوء آخر النفق؟

 

الخرطوم- صلاح مختار

تابع السودانيون خطاب رئيس الوزراء مساء أمس الأول بشيء من الاهتمام والتفكير والتأمل, كما وجد الخطاب مساحة واسعة من التداول حيث يرى مراقبون أن الخطاب حمل أوجهاً عديدة ورسائل متعددة لكثير من الأطراف الداخلية والخارجية، وإن كان المعني الأول في ذلك هو المواطن الذي يكتوي بنار التضخم وارتفاع الأسعار، ولذلك ابتدر رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك خطابه من شعوره بأن تبعات الأزمة الاقتصادية والسياسية على المواطن أصبحت واضحة من خلال حركة الاحتجاجات والمطالبات بتنحي الحكومة بجانب اتساع دائرة الانفلات الأمني خاصة بولاية الخرطوم. حمدوك أراد أن يبدأ خطابه كما قال بالقرارات الاقتصادية الأخيرة، وما أعقبها من تطورات، وكذلك تناول بعض القضايا التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهذه الأزمة، كذلك أراد من خلال الخطاب توجيه رسالة بأنه يشعر بأوجاع الشعب ويعي تماماً حقيقة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تمر بها بلادنا. وأراد حمدوك الرد على منتقديه بأنه يعيش في برجٍ عاجي، وقال لم اعتد على التحدث كثيراً أو الظهور في كل وقت، فمنهجي أن أترك للسياسات والقرارات أن تتحدث.  ما بين سطور الخطاب يحمل كثيرا من المعاني والأسئلة والأجوبة (الصيحة) وفقت عليها.

حقيقة الوضع

شرح حمدوك حقيقة الوضع الاقتصادي وكأنما يلقي أول خطاب له أمام الشعب، أقر فيه حقيقة أنه وجد البلاد تئن تحت حصار سياسي واقتصادي، وأكد في ذلك أنه لم يخفِ المعلومات عن الناس، ولا ينبغي، ولم يحاول أن يقدم للناس صورةً زاهيةً ووردية. واعتبر الظروف التي اجتاحت العالم ألقت بظلالها على البلاد وأدت الى حالة الكساد. كذلك أراد حمدوك التأكيد أن الخيارات والبرنامج الاقتصادي الذي كان خيار الحكومة الوحيد لم يفرضه أحد عليهم أو تُصرُّ عليه جهة، وقال: لسنا مرغمين على ذلك، باعتباره الخيار الواعي الذي وجدنا أنه كفيل بإصلاح الوضع الاقتصادي. وارسل تطمينات بأنه رغم ذلك يوجد ضوء في آخر النفق, ولكنه كما قال ذلك جزء من تصور عام خلال الفترة الانتقالية، وأكد أن تلك المراحل أنبتت وقف الحرب وتحقيق السلام وفك العزلة الدولية عن السودان وإعادة هيكلة الاقتصاد السوداني المثقل بالتشوهات ومرحلة توجيه الطاقات نحو الإنتاج وتوجيه الموارد وهي المرحلة التي نستشرفها الآن.

الدعم الاجتماعي

ودافع عن آثار المرحلة من المعالجات الهيكلية للاقتصاد وقال: وضعنا عدداً من التدابير والمعالجات لتخفيف آثار هذه الإجراءات منها برنامج الدعم الأسري ثمرات، وهو معني بتقديم دعم نقدي مباشر لملايين المواطنين. واحدة من الرسائل التي أراد أن يرسلها حمدوك إلى الداخل يقول إن لدى برنامج ثمرات رصيداً يقدر بحوالي 820 مليون مليون دولار تمَّ استخدام 15% منها حتى الآن. لم تستغل حتى الآن غير أن المهم في ذلك قال سوف أقوم بالإشراف المباشر على الخطة الإسعافية هذه، وألتزم بقرارات تفصيلية أخرى خلال الأسبوعين القادمين لتنفيذ بنود الخطة الإسعافية. ونوه حمدوك الى جهود الحكومة لتخفيض أو إلغاء الديون الخارجية وأشار إلى انعقاد مؤتمر باريس في مايو الماضي  بالإضافة إلى دخول المستثمرين الأجانب في قطاعات مختلفة. رغم ذلك قال نعلم أن الحل الحقيقي يكمن في الإنتاج، وتحريك قدرات الريف السوداني وتطوير موارده، وكشف عن بعض السياسيات الاقتصادية المقبلة في خطابه، عندما أكد أن الحكومة ستفرض ضرائب وجمارك مرتفعة على السلع غير الضرورية بالإضافة للإصلاحات الحقيقية في الجهاز المصرفي والجمارك والضرائب وسياساتها.

رسالة خاتمة

ورسم حمدوك صورة قاتمة للوضع العام الأمني بالبلاد وهي رسالة قد تكون موجهة إلى الخارج حينما قال إن الأجواء تنذر بالفوضى وإدخال البلاد في حالة من الهشاشة الأمنية؛ وأكد أن البلاد مهددة بالدخول في حالة من التشظي والانقسام بسبب تدهور الأوضاع الأمنية, كذلك أراد توبيخ مكونات الثوار حينما قال كان الثوار يقابلون بطش النظام البائد وأدواته القمعية بالسلمية التي انتصرت، واعتبر ما يحدث الآن لا يشبه الثورة ولا الثوار, ولم يفت عليه توجيه أصابع الاتهام لعناصر النظام المباد في نشر الفوضى, وانتهز الفرصة بالترحم على استشهاد الشرطي في الأحداث الأخيرة فكان فقده رسالة للكثيرين بأن من يتربصون بالثورة والتغيير لا يفرِّقون بين مدني وعسكري.

وأعاد حمدوك الكرة إلى ملعب الثوار وقال: شباب الثورة الذي حمى المتاريس، والذي صنع معجزة الاعتصام الرائع بكل ما حمل من قيمٍ وتسامٍ وتعاونٍ وأمان، يُنتظر منه أن يعود ليلعب نفس الدور الذي لعبه خلال أيام الثورة الأولى، فهو حامي الثورة وقوتها الدافعة. وطالب أن يبتعد الشباب عن كل ما يجرَّهم نحو العنف

انتقادات واضحة

وجه حمدوك انتقاداً واضحاً وصريحاً في خطابه للحاضنة السياسية، وقال إن التدهور الأمني الآن يعود بالأساس للتشظي الذي حدث بين مكونات الثورة، والذي ترك فراغاً تسلَّل منه أعداؤها وأنصار النظام البائد، وبالتالي ليس هنالك مجال أمام الثورة سوى أن تتوحد وتعيد تماسكها وتُنظِّم صفوفها، فهي بوحدتها فقط قادرة على حماية الثورة وقيمها وأهدافها، ولفت الى المخاطر التي تحيط بالبلاد ورأى أن البلاد تواجه ظروفاً قاسيةً تهدِّد تماسكها ووحدتها، وينتشر فيها خطاب الكراهية وروح التفرقة القبلية، وهذه التشظيات يمكن أن تقودنا لحالة من الفوضى وسيطرة العصابات والمجموعات الإجرامية، سينعكس بالضرورة على على مستوى العالم. وشدد على ضرورة وحدة القوى التي صنعت الثورة والتغيير اعتبره أمراً حتمياً لاستمرار الثورة وانتصارها، والمدخل لوحدة كل هذه القوى هو الحوار الحر والمفتوح بينها بلا استثناء. ورهن في حديثه أن تحقيق التحول الديمقراطي إلا عبر عودة هذه الوحدة.

رسائل تطمينات

ولأن قضية العدالة واحدة من القضايا التي ثار من أجلها الشارع وكان موضوع الاحتجاجات الأخيرة أراد رئيس الوزراء إرسال تطمينات لأسر الشهداء خاصة بأن موضوع العدالة يظل الموضوع الأكثر أولوية، وأكد أن الحل الواقعي لمشاكلنا الاقتصادية يتطلب ضمن أشياء أخرى مصالحة المؤسسات الدولية وأرسل رسالة إلى شريكه الآخر بضرورة إنجاح الشراكة بين المدنيين والعسكريين، وهي نتاج للوثيقة الدستورية واتفاق السلام.

خطوط رفيعة

ونظر المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر بشكل إيجابي إلى مزايا خطاب حمدوك، وقال أهنئه عليه باعتبار أنه لم يحمل أي إساءة لأي شخص رغم ما أصابه من إساءة وقال لـ(الصيحة): السودان بلد مشتت الرأي ومجابد وموارده هائلة وبذلك أراد حمدوك الدعوة في خطابه إلى حقيقة ذلك وضرورة الالتفاف والاتفاق حول الخطوط الرفيعة، ونوه إلى أهمية التفاهم لتجاوز الأزمات والعمل المشترك، وقال: واضح أن أعصابه كانت متوترة لما أصابه من اتهامات شخصية رغم ذلك لم يسئ لأحد واعتبر الرسائل الموجهة في خطابه متسقة مع المجهود الذي يبذل في الجانب الاقتصادي من قبل الحكومة واعتبر أن هنالك بدايات جيدة للسلام والعبور لمرحلة أفضل.

شرح الحقيقة

ولأن التحديات التي تحيط بالحكومة كبيرة، فإن حمدوك كان صريحًا أمام الرأي العام وأراد بيان حقيقة الموقف حتى الآن.

ويرى المحلل السياسي د. أبوبكر آدم أن حمدوك أراد في خطابه وضع الجميع أمام مسؤولياتهم من خلال شرح حقيقة الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة والمعالجات كذلك أراد أن يبين السبب في تأزم الوضع السياسي من خلال التشظي، كما قال لقوى الثورة وانعكاسه على الشارع، وقال لـ(الصيحة) كأنما أراد حمدوك قطع الطريق أمام الراغبين لقيادة التظاهرات والاحتجاجات المقبلة في نهاية الشهر المطالبة بتنحي الحكومة محذراً بأن أي محاولة سوف تقود إلى تفكيك السودان بالتالي كان لابد له شرح الإجراءات التي تقوم بها الدولة لامتصاص ذلك، كذلك أراد حمدوك لفت نظر المجتمع الدولي في حال تأخره من دعم الحكومة ووضح الصورة وأنه كان شجاعاً في بيان سياساته للذين ينتقدونه.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى