تغيير العملة.. هل يحل أزمة الاقتصاد؟

 

الخرطوم: سارة إبراهيم

تشير التوقعات  إلى اتخاذ  الحكومة قراراً بتغيير العملة حيث حملت صحف الأمس خبراً أكد فيه رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ثقته في قرارات رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك والقطاع الاقتصادي المتعلقة بمعالجة مشكلات الاقتصاد ولم يستبعد أن يتم تبديل العملة فقد تواترت الأنباء خلال الفترة الماضية عن حسم الحكومة لموقفها الذي شابه التردد في السابق لصالح تغيير العملة.

** السياسات المتبعة

تكرار سيناريو الأزمات والهبوط الحاد الذي سجله الجنيه أمام العملات الأجنبية الأخرى بسبب السياسات المتبعة والذي أدى بدوره إلى شح في موارد النقد الأجنبي التي  فاقمت من الأزمات التي يعيشها المواطن،  وفتح الباب على مصراعيه أمام ضعاف النفوس والمضاربين في قوت الشعب لتدمير  الاقتصاد من باب العملة.

وتباينت واختلفت آراء  عدد من الخبراء الاقتصاديين  حول الخطوة  وجدواها وتحدثوا لـ(الصيحة) مؤكدين أنها خطوة  مكلفة جداً، فمنهم من يرى أن الخطوة يمكن أن تحد من تزييف العملات وإرجاع النقود إلى دائرة المصارف،  ورأي آخر بأنها لا تصلح من أمر الاقتصاد شيئاً.

** الأوضاع المعيشية

الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد قال لـ(الصيحة): ما زال حجم الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي كبيرة، وإن أكثر من 60% من هذه العملة من الفئات الكبيرة، مؤكدًا أن التكلفة لإعادة تغيير العملة الحالية، تسبب خسائر كبيرة والسودان أصلاً يعاني من ضائقة اقتصادية هي التي أثرت على إيراداته من النقد الأجنبي وساهمت في انخفاض العملة الوطنية السودانية كثيراً في السوق الموازي مما ساهم في ارتفاع التضخم الذي وصل حد الجنوح وتأزّم الأوضاع المعيشية وندرة المواد البترولية وغاز الطبخ وغلاء متجدّد.

** الاقتصاد الأسود

وقال هيثم: يمكن أن تكون خطوة التخلص من الاقتصاد الأسود، استعادة المليارات من الكتلة النقدية والثروات غير المعلن عنها وضخها في الشريان الرئيسي للاقتصاد، الكثير من الأفراد والأسر ليس لديهم حساب مصرفي ويحتفظون بالأموال في البيوت، هل سيضطرون إلى فتح حسابات مصرفية لإيداع أموالهم؟ إذا تم فتح حسابات لهم يجعل الإدماج المالي أمراً لا مفر منه، ولكن بصورة غير مباشرة.

وتخوّف فتحي من أن تزيد هذه الخطوة في عدم ثقة المواطنين في النظام المصرفي، لذلك لابد من توضيح السبب الرئيسي وراء ذلك مع التدرج في الإجراء، وهل هي لإجبار أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة على إعادة النقود إلى البنوك؟ أم لأن هناك سهولة في تزويرها؟ وأوضح أن تغيير العملة فرصة لتعزيز التعامل مع البنوك من خلال تثقيف وتعزيز الشمول المالي كواحد من أهداف التنمية المستدامة، وذلك من خلال تسهيل الوصول إلى مؤسسات التمويل للمواطنين والاستفادة من الخدمات المالية وغير المالية التي يجب أن تقدمها البنوك لجمهور المتعاملين. وسوف تعمل على إيجاد بيانات تساعد في مكافحة الفساد ومعرفة حجم رؤوس الأموال ومعرفة حجم اقتصاد الظل.

** الظرف التضخمي

وقال فتحي: يمكن لقرار تغيير العملة أو حذف أصفار أن يعمل على تسهيل وإعادة دور أدوات الدفع في التعاملات النقدية المحلية وتخفيض تكلفة الطباعة ونشر العملة الورقية واستمرارية جدوى النظام النقدي على مدى السنوات المقبلة. وأضاف أن الظرف التضخمي الهائل الذي يعيش فيه السودان والأسعار المرتفعة الآخذة بالصعود، تجعل الجنيه ذا قيمة قليلة في تقديري من الصعب التعامل مع عمليات بيع قليلة، لكن تكلفتها بالملايين أو المليارات هذا الأمر لا يعبر عن القدرة الشرائية للمواطنين، وقال هيثم: تغيير العملة أو حذف أصفار من العملة المحلية هي إحدى محاولات ضبط الأسعار، لكن هذا إجراء فني وشكلي لا يعبر عن توجهات اقتصادية حقيقية يمكن لها أن تسهم في تعديل نسب التضخم وهذه العملية مكلفة لاقتصاد البلاد وماليتها العامة، من خلال سحب العملة الحالية وطباعة نقد جديد أو بقيمة جديدة.

** ضعف الاقتصاد

وقال إن حل أزمة التضخم أكبر من تغيير عملة أو حذف أصفار، وزاد أن التضخم المرتفع فوق معدلاته الطبيعية هو أحد أسباب ضعف الاقتصاد إلى جانب نسب البطالة المرتفعة، فالسودان بحاجة إلى تحول سياسي واقتصادي لخفض نسب التضخم المرتفع المتصاعد يوميًا.

** قضية مهمة

وفي سياق متصل، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة المغتربين د. محمد الناير إن قضية تبديل العملة كانت من القضايا المهمة جداً، إذ بدأت مع بداية الفترة الانتقالية، وأضاف: كان أثرها إكبر إذا طبقت الخطوة منذ  الفترة الأولى وبالتالي الحكومة ضيعت فرصاً كبيرة جداً، لافتاً إلى أن 93% من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي واعتبره تشوهاً كبيراً في الاقتصاد باعتبار أن 7% فقط موجودة في النظام المصرفي، وهذه لها آثار كارثية على الاقتصاد. وقال إن قضية تبديل العملة يمكن أن تتم، ولكن لديها ضوابط باعتبار أن قرار التبديل لا يكون مشاعاً حتى داخل الدولة نفسها وأن يكون القرار لعدد محدود جدًا من القائمين على امر الاقتصاد حتى الإعلان عن الطبعة الجديدة يتم في سرية تامة حتى لا يستخدم الأمر في أشياء تضر بالاقتصاد.

** التكلفة العالية

وأشار الناير إلى التكلفة العالية لعملية تغيير العملة، وقال لـ (الصيحة)، إن التبديل يكلف الدولة أموالاً كبيرة جداً للطباعة، ولكن لابد أن يرتبط ذلك بالتحول نحو الدفع الإلكتروني ليخفف من حجم الأموال التي تطبع دون حاجة للكاش، مشددًا على أهمية إعادة النظر في التركبية الفئوية للنقود، وقال: إلى الآن هناك فئات سارية ولا قيمة لها في السوق مثل فئة الجنيه والخمسة جنيهات والآن العشرة جنيهات في طريقها إلى التوقف عن التعامل التجاري لابد من إلغائها لأنها ليست لديها قيمة شرائية، والجانب الآخر لابد أن يتم التبديل بصورة سلسة لا يؤثر على المواطن، مناديًا بضرورة تهيئة المصارف لقضية التبديل، وأعرب عن أمله في أن يتم الأمر بسرية تامة حتى لا يحدث خلل في الاقتصاد في المرحلة القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى