رفع الدعم عن الوقود.. نتائج كارثية

 

خبير مصرفي: القرار يؤدي لارتفاع معدلات التضخم ويعطل الإنتاج

مواطنون: زيادات الوقود ضاعفت أسعار السلع والمواصلات

 سائقو مركبات: الحصول على الجازولين أصبح مهمة صعبة

الخرطوم: رشا التوم

واجهت البلاد طيلة السنوات الماضية أزمات اقتصادية طاحنة ساهمت في خلق ندرة في سلع استهلاكية كالخبز والوقود والغاز وغيرها أرجعها المتابعون للشأن الاقتصادي إلى اتباع السياسات الخاطئة التي وضعتها الحكومة ولم تفلح جهودها في المعالجات والتي من ضمنها ملف الوقود والشاهد أن الأمر أصبح يتأزم كل يوم ما أدى إلى خروج الشارع والإطاحة بالنظام السابق، وبعد أن تسلم النظام الجديد الحكم استبشر المواطنون خيراً بإصلاح الحال خاصة الاقتصادي، ولكن اللافت أن الحكومة اتجهت بخطى سريعة نحو رفع الدعم كلياً عن الوقود والذي أدى بدوره إلي بروز أزمة جديدة وهي زيادات مهولة في أسعار السلع وتفاقم الأزمة المعيشية والتي تعاني في الأصل منها البلاد منذ زمن، وتأتي هذه التطورات، في ظل ضغوط تتعرض لها الحكومة من صندوق النقد الدولي الذي يعتبر رفع الدعم أحد المتطلبات الأساسية للتعاون مع السودان لكي يمده بتمويلات تساهم في مساندة اقتصاده.

عجز الحكومة

وتتمثل إحدى أهم مشكلات البلاد في الزيادة السنوية لمعدل الاستهلاك وفقاً لعوامل موضوعية مع تناقص الإنتاج أو بقائه على معدل ثابت لعدة سنوات، وهو ما يتجلى بالفعل في قطاع المشتقات النفطية، حيث أثر نقص الوقود المنتج في مصافي التكرير في مشكلات كبيرة عجزت الحكومة الانتقالية عن إيجاد حلول لها. وحديث وزير المالية أمس الأول بتأكيد خروج الحكومة من دعم الوقود بصورة نهائية يؤكد أن ملف الوقود ربما يكون شرارة أخرى تؤدي الى خروج الشارع العام ضد السياسات والإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة في صورة مشابهة لرفض الشارع زيادات في الوقود تمت إبان العهد البائد.

كارثة حقيقة

ووقفت جولة الصيحة أمس نهارًا على عدد من محطات الوقود في العاصمة والتي خلت من الوقود بشقيه الجازولين والبنزين بصورة تامة في ظل تكدس السيارات الملاكي وعربات النقل العام بأعداد كبيرة في انتظار تناكر الوقود ووسط شكاوى السائقين من الانتظار في درجات حرارة عالية لساعات طويلة دون الحصول على مبتغاهم ويبدو المشهد مألوفًا

وأفاد مسؤول بطلمبة النيل بحري ـ فضل حجب اسمه لـ (الصيحة) ـ أن الموقف الآن غير مطمئن لأن الوقود ممكن أن يتوقف في أي لحظة، مشيراً الى ارتفاع كلفة الترحيل والذي يجري الآن من نقص كبير في الوقود ينذر بكارثة حقيقية إذا لم تتدخل الدولة وتكبح جماح المتعاملين في السوق السوداء، وقال إن هناك جهات لم يسمها تسببت في الأزمة لبيعها الوقود خارج الإطار الرسمي وبعد الزيادات الأخيره لم يستبعد أن تنشط تجارة السوق الأسود مرة أخرى وأقوى مما كانت عليه.

هرج ومرج

عدد من سائقي المركبات جأروا بالشكوى من الحصول على الوقود وأجمعوا في حديثهم لـ( الصيحة) على أن الأمر بات “مهمة صعبة” وعابوا على الحكومة ترك الأمر للتجار والخروج من دعم الوقود، مؤكدين أن القرارات تصدر بصورة غير مدروسة وساد الهرج والمرج القطاع، وكل ذلك تحت نظر وسمع الأجهزة الأمنية، مشيرين إلى أن البعض منهم اضطر للبقاء ساعات طويلة في صفوف ممتدة حتى يتزود بالوقود، كما عمقت الأزمة صعوبة المواصلات، والتي بدورها زادت من التسعيرة لتغطي احتياجات الرحلة والاسبيرات للمركبات العامة ونتيجة أيضاً للوقوف ساعات طويلة مما يقلل العائد المالي لأصحاب المركبات، وقال صاحب كريس في خط الجيلي لـ(الصيحة) أن الأزمة تتجدد في أوقات متقاربة وخلال الأسبوع الماضي يظل في انتظار دورة للحصول علي وقود لما يقارب 10 ساعات وفي بعض الأحيان لا يحصل على حصته لنفاد الوقود من الطلمبة مما يضطره للجوء الى السوق الأسود لشراء حاجته بسعر مضاعف وعقب الزيادة أمس في الوقود فإن سعر جركانة الوقود ارتفع من 5 و6 آلاف إلى 9 و10 آلاف جنيه في السوق الموازي، وبالتالي تم رفع قيمة التذكرة من بحري الى الجيلي بواقع 500 إلى 400 جنيه بدلاً عن 300 جنيه للكريز والحافلات الكبيرة.

وناشد الحكومة بأهمية إعادة النظر في القرار الصادر والعمل على مكافحة المتعاملين في السوق الأسود لأنهم هم من يتسببون في الأزمة.

التهريب والفساد

وفي ذات السياق، قال الخبير الاقتصادي د. عبد الله الرمادي ما يحدث الآن من أزمات نتيجة واضحة لإفرازات القصور في إدارة ملف الاقتصاد من الدولة وسوء الإدارة والتخبط والفساد الذي ما زال موجوداً بنسبة أشبه بفساد النظام البائد وعدم استطاعتها فك الاختناقات لافتاً إلى أن عمليات الصادر لا تعود بعائدات الى خزينة بنك السودان المركزي، وقال إن هناك عصابات وشركات تمتهن التهريب المقنن بإشراف متخصصين في هذا المجال واتهم شركات لم يسمها تؤسس دون ضوابط ومتخصصة في هذا الشأن وبأوراق وهمية وأصبحت تجارة العملة والتهريب للأموال للخارج أمرا طبيعياً في وقت تشهد فيه خزينة البنك المركزي فراغاً من العملات إضافة إلى الإهمال والتقصير في جوانب الذهب والتحصيل الضريبي، ولم نسمع بأي جهة تمت محاسبتها بعد الأضرار الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد السوداني وحرمته من عائدات الصادر.

وقال إن السبب في تفاقم الأزمة تهريب مشتقات النفط ووقف الصادرات وتضارب التصريحات التي أفقدت البلاد مليارات الدولارات وقلة الخبرة التي وضعت اقتصاد البلاد في أسوأ حالة، وقال لـ(الصيحة) إن الضائقة المعيشية هي التي أدت إلى خروج الشعب إلى الشارع وأطاحت بالنظام السابق، والآن الوضع زاد سوءًا فبدلاً عن المغالطات السياسية والمفاوضات الدائرة الآن يجب الالتفات إلى الإصلاح الاقتصادي مشددا على أهمية إغلاق الحدود وتوقيف نزيف التهريب من السلع الاستهلاكية والقمح والمشتقات البترولية ليس من دول الجوار فقط وإنما من كافة الدول الأفريقية ولفت إلى فقدان البلاد لـ (8) مليارات دولار سنوياً جراء تهريب الذهب، وقال إن هنالك حلولا واضحة وضعها خبراء اقتصاديون للخروج من الأزمات لماذا لم يلجأ لها وقال إن حكومة الإنقاذ قضى عليها الفشل والفساد، والآن مظاهر الفشل واضحة باعتراف من قادة الحرية والتغيير في إدارة شؤون البلاد الاقتصادية.

تأثر قطاع النقل

وفي ذات السياق قال عضو اللجنة التسييرية لغرف النقل حامد إبراهيم في تصريح سابق لـ(الصيحة) إن قرار رفع الدعم عن الوقود على قطاع النقل كارثي وسوف يسهم في مزيد من التدهور للقطاع المتهالك وكشف عن خروج أكثر من 41 ألف حافلة من العمل نسبة لارتفاع تكلفة التشغيل (اسبيرات وزيوت ومصافي)، وأن الدخل لا يغطي المنصرفات، مبيناً أن عدد الحافلات العاملة في ولاية الخرطوم 48 ألف حافلة تعمل منها ٧ الف حافلة فقط، مشيراً إلى عدم تسعيرة المواصلات حتى الآن للحافلات الكبيرة أو الصغيرة وما يجري من زيادة في أسعار التذاكر والتي تجاوزت 500 % لعدم توفر الجاز وارتفاع سعره في السوق الأسود ويلجأ كثير من أصحاب المركبات لشرائه بالغالي ومن ثم يضعون أسعارا تغطي لهم تكلفة التشغيل، مشيرًا الى عدم الالتزام بقرار والي الخرطوم الذي يقضي بإيقاف التحصيل غير القانوني في المواقف، وقال إن عدم الرقابة وعدم تنفيذ ومتابعة القرارات فاقم من مشكلة المواصلات، وقال إن الموقف الواحد (الخطوط الطويلة) في اليوم يحصل ما بين 40 ألف جنيه الى 50 ألف جنيه والمواقف الصغيرة ما بين 10 الف جنيه الى 15 الف جنيه وأضاف قائلاً: أموال طائلة لو تم توظيفها يمكن أن تحل مشكلة كبيرة والتي يذهب 40% منها الى صيانة المركبات العاملة و40% لصيانة المواقف والإضاءة والباقي لخزينة الدولة.

**التحدي الأكبر

وفي سياق متصل قال الخبير المصرفي طارق عوض إن القرار الخاص برفع الدعم الحكومي عن الوقود يمثل إقرار الإصلاحات الاقتصادية على حساب الشرائح الضعيفة في المجتمع ويلحق معاناة كبيرة بالفئات الأكثر هشاشة.

ودعا الحكومة الى الإسراع في تلبية توقعات المواطنين في مجالات التنمية والوظائف والرعاية الصحية والتعليم والدعم الاجتماعي للتخفيف من آثار القرار.

وحذر من أن الأوضاع الاقتصادية ستكون أكثر صعوبة، لأن المحروقات من أهم عناصر النشاط الاقتصادي، ولفت في حديثه لـ(الصيحة) الى أن التغيير في أسعارها تترتب عليه تغيرات كبيرة في هيكل النشاط الاقتصادي ونسبة نموه وكان لابد من الاتجاه الى تفعيل الطاقات البديلة قبل إقرار رفع الدعم.

وأقر بأن رفع الدعم سينعكس بدوره على الإنتاج ومدخلاته وقطاعات المواصلات والنقل.

مخاوف التضخم

وشدد على ضرورة وضع تشريعات وقوانين صارمة للتهريب الذي يرهق كاهل الدولة ومحاربة أسواق المضاربة في العملة بطباعة عملة جديدة تحد من نشاط حركة السوق الموازية بالاهتمام بالإنتاج والاستفادة من الموارد الضخمة التي تتمتع بها البلاد مبيناً أن القرار يمكن أن يقلل من تهريب الوقود إلى دول أخرى يستفيد مواطنوها من الدعم السوداني للمحروقات، وأن رفع الدعم سيُساهم بصورة محدودة في سد عجز الميزانيَّة, ولكنهُ سيؤدي لارتفاع مُعدلات التضخم بصورة كبيرة، ولن تكون له أية مساهمة حقيقية في علاج أكبر أزمتين تواجهان الاقتصاد السوداني وهما أزمة الموارد المالية وأزمة تراجع نمو القطاعات الإنتاجية (الزراعة والصناعة)، وقال إن علاج الأزمتين الرئيسيتين التي يواجههما الاقتصاد السوداني (الموارد المالية والإنتاج) لن يتم إلا بعد الوصول الى حل سياسي واستكمال مشروع السلام الوطني وتوافق سياسي وطني شامل.

استياء وتذمر

وأعرب عدد كبير من المواطنين عن رفضهم لقرار الحكومة بزيادة أسعار الوقود والتي انعكست أسعارها فورا على المواصلات والسلع الإستراتيجية

وطالبوا بالرجوع عن تطبيق القرار والذي وصفوه بالمجحف ويلقي بالمزيد من المعاناة على كاهل الموظفين والشرائح الضعيفة وأصحاب الدخل المحدود.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى