(القاعدة) بالسودان.. التسلل عبر الأبواب الخلفية

 

تقرير: صلاح مختار

ألقت قوات الأمن القبض على (9) عناصر من تنظيم (القاعدة) الإرهابي، كانوا يخططون لتنفيذ تفجيرات في دول الخليج، وبحسب “السوداني” أن نيابة مكافحة الإرهاب والجرائم الموجهة ضد الدولة وبالتعاون مع الأجهزة المختصة، أوقفت 9 إرهابيين في الخرطوم ينتمون لتنظيم (القاعدة) من جنسيات مختلفة. وكشف وكيل نيابة مكافحة الإرهاب والجرائم الموجهة ضد الدولة أحمد سليمان العوض، أن من بين الإرهابيين التسعة، حملة جوازات سورية من أصل تونسي وتشاديين، أحدهم متهم بالتخطيط للهجوم على السياح الأجانب في مدينة سوسة ومطلوب لدى تونس. وأضاف العوض أن التحقيقات أظهرت أن المعتقلين متهمون في بلدانهم بارتكاب والمشاركة في جرائم إرهابية، لافتاً إلى أن بعضهم دخل السودان عن طريق التهريب لتلقي تدريبات تستهدف الخليج العربي، وأكد العوض أن التحري مع المتهمين بدأ منذ أكثر من شهرين ولا يزال مستمراً، مشيراً إلى أن النائب العام السابق تاج السر الحبر، كان تلقى قبل أيام من استقالته، طلبًا من النائب العام الإماراتي لتعاون دولي بتسليم متهمين يتبعون لتنظيم “القاعدة” إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.

ويفتح الخبر الباب أمام تساؤلات كثيرة بشأن الوضع الأمني وإمكانية تسلل تنظيمات إرهابية مستغلة السيولة الأمنية والسياسية وحالات انعدام الوزن والوضع السياسي الهش.

أرض الواقع

رغم اتفاق المراقبين بأن المواطن السوداني لا يشبه ما يحدث في بعض الدول، إلا أن ذلك لا يمنع حدوث أعمال إرهابية على أرض الواقع, والتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية بعملية مستمرة لكل فئة خارجة عن القانون وآخرها خلال سبتمبر 2020 عندما أعلنت السلطات ضبط أخطر خلية إرهابية وأكبر كمية متفجرات يمكن أن تنسف العاصمة، وطبقًا لحديث النائب العام في ذلك الوقت تاج السر علي الحبر قوله في مؤتمر صحفي إن قوات الدعم السريع نصبت 12 كميناً أسفر عن ضبط 41 إرهابياً ومواد متفجرة خطرة بإمكانها أن تنسف العاصمة بأكملها. وأقر بأن هناك ظاهرة لجماعات إرهابية تؤرق السلطات بالبلاد.

من جانبه، كشف الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع العميد ركن جمال جمعة، القبض على خلية بحوزتها كمية كبيرة من المتفجرات، وأشار إلى أن المتفجرات تشمل 850 لوحاً لمادة تي إن تي و3594 كبسولة تفجير و13 لفة سلك تسجيل وأربعة جوالات بودرة نترات، وكشف عن أن جزءاً من المتفجرات المضبوطة استخدمت في محاولة تفجير موكب رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك في مارس الماضي.

مخاوف جديدة

وفي وقت سابق أظهر مقطع فيديو تداوله نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة ترفع علماً أقرب إلى علم تنظيم “داعش” قرب صوامع الغلال بمدينة القضارف السودانية. وقال بيان مرفق مع المقطع الذي لم تتأكد سكاي نيوز عربية من صحته -أن الجماعة تعمل على إنشاء إمارة جديدة تحت إمرة زعيم واحد لكافة دول العالم الإسلامي بحسب زعم البيان. وأثار المقطع مخاوف كبيرة من أن تستغل بعص الخلايا المتشددة النائمة حالة الاضطراب والفوضى الأمنية الحالية خصوصاً في شرق السودان الذي يشهد هشاشة أمنية بسبب خلافات قبلية داخلية.

هشاشة أمنية

يربط الخبير الاستراتيجي العسكري أمين مجذوب بين بروز مثل هذه الظواهر والأوضاع الداخلية المضطربة والهشاشة الأمنية في شرق السودان. ويقول مجذوب لموقع (سكاي نيوز عربية)، إن من المتوقع أن تعمل أجهزة مخابرات خارجية بعينها على زعزعة استقرار السودان عبر مختلف الوسائل مستغلة حالة الحرب الحالية في حدود السودان الشرقية. ويشدد مجذوب على أن ضعف الأجهزة الأمنية في مقاومة مثل هذه التنظيمات يغري تنظيمات جديدة للإعلان عن نفسها في محاولة لإيجاد روابط خارجية توفر لها الدعم والتمويل. ولا يستبعد مجذوب أن يكون وصول بعثة الأمم المتحدة الجديدة للسودان أحد أسباب ظهور هذه الجماعة في هذا التوقيت، حيث أعلنت تنظيمات راديكالية وجماعات تابعة للنظام السابق رفضها للخطوة. وفي كل الأحوال يؤكد مجذوب على خطورة الأمر وضرورة التعامل معه بجدية من قبل الحكومة السودانية والقوى الإقليمية والدولية حتى لا يتحول السودان إلى بؤرة لمثل هذه الفصائل الراديكالية والتنظيمات المتطرفة ومجموعات بوكوحرام وداعش الموجودة في أفريقيا وتحتاج إلى حاضنة.

بعد نظر

كان للراحل رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي بعد نظر فيما يتعلق بالوضع الهش وإمكانية أن تكون مدخلاً للجماعات الإرهابية، فقد حذر في مؤتمر صحفي من أن السودان يمكن أن يتحول إلى “قبلة للجماعات الإرهابية”. وقال المهدي “ينبغي أن نحذر من حدوث اضطرابات في البلاد، وهو الأمر الذي يمكن أن يحولها إلى قبلة لجماعات مثل بوكو حرام النيجيرية أو الشباب الصومالية أو داعش الإرهابية”. وتابع: “كما أنه في حالة وقوع اضطرابات، سيكون السودان قبلة للتدخلات الإقليمية والدولية أيضاً”. ومضى بقوله “التصعيد والتصعيد المضاد ليس من مصلحة الوطن”.

انضمام للتحالف

وسبق للسودان أن أعلن انضمامه لتحالف الساحل والصحراء من أجل مكافحة الإرهاب باعتبار انه امتداد طبيعي لدول الساحل ضمن الصحراء الإفريقية الكبرى، التي يمكن أن تتسرب من عبرها عناصر تنظيم (داعش) الإرهابي إلى إقليم دارفور. وجدد السودان مطلبه بالانضمام إلى المجموعة (تضم موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد) بصفة مراقب. ويبرر عضو مجلس السيادة إبراهيم جابر، الذي حضر القمة، سبب هذا الإصرار على الانضمام للمجموعة بهدف “تعزيز التعاون بين دول الإقليم لمجابهة التحديات المشتركة خاصة الإرهاب، والجريمة المنظمة، والهجرة غير الشرعية، والفقر”. مشيراً إلى “تشابه التحديات وتشابكها بين السودان ودول المجموعة”. ولأن السودان جزء من الصحراء الإفريقية الكبرى، تنتشر بها على نطاق واسع شبكات تهريب السلع والبشر والسلاح والمخدرات، بالنظر إلى مساحة المنطقة الشاسعة وصعوبة مسالكها ومناخها، وقلة الكثافة السكانية، ونقص التنمية، والتهميش، وضعف التغطية الأمنية. وتمكنت التنظيمات الإرهابية على غرار “داعش” و”القاعدة” من إيجاد موطئ قدم لها في الصحراء الكبرى، بعد أن طُردت من المناطق الساحلية والجبلية في الجزائر وليبيا ثم موريتانيا، قبل أن تتمركز في شمال مالي.

حصاد وحساب

يقول المختص في شؤون الجماعات الإسلامية الهادي محمد الأمين في تحقيق منشور له بعنوان “سودانيون في داعش.. الموت يحصد بلا حساب”, يقول: السودان يصنف (كمنطقة منخفضة) بمعنى أنها جاذبة، وتفتح شهية التنظيمات الجهادية لاستقطاب من يوالونها بسهولة، هذا بالإضافة إلى اتساع وطول الحدود المفتوحة في الشريط الفاصل بين السودان وليبيا وكثرة المنافذ البرية وصعوبة مراقبتها، رغم ما تقوم به القوات الحكومية، إلا أن حالات التسلل عبر المثلث الصحراوي الرابط بين دول السودان ومصر وليبيا ضربت رقماً قياسياً العام المنصرم. غير أنه قال حتى الآن لا يعرف على وجه الدقة عدد الشباب السودانيين المنخرطين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام (داعش) سواء في سوريا والعراق أو ليبيا، رغم أن وزير الداخلية في الحكومة المبادة الفريق عصمت عبد الرحمن قال في خطابه أمام نواب البرلمان إن جملة من ذهبوا من الشباب السودانيين لا يزيد عن السبعين، لكنه عاد وقال في ذلك الوقت إن أعداد السودانيين بداعش وصل قرابة الـ130 بمعنى أن العدد سجل خلال 4 أشهرزيادة مرتفعة تصل قرابة الـ60 شاباً وصلوا للأراضي الواقعة تحت سيطرة التنظيم المتطرف.

درجة الخطورة

والرقم المعلن يعتبر مخيفًا بكل المقايس، رغم أن الحكومة السودانية في ذلك الوقت وعلى لسان وزير داخليتها قللت من درجة خطورة وأهمية الوجود السوداني وسط تنظيم (داعش) واعتبرته غير مؤثر مقارنة بأعداد شباب من دول أخرى انخرطوا في صفوف التنظيم. غير أن المركز الليبي لدراسة الإرهاب أكد في تقرير نشر أن السودانيين في داعش يحتلون المرتبة الثالثة من حيث العدد بعد التوانسة الذين احتلوا المركز الأول يليهم الماليون، ليحل السودان ثالثًا بعدد 450 شاباً يرتبط بداعش فرع ليبيا. بالتالي من الواضح أن الكتائب الجهادية، التي تتبع تنظيم القاعدة مثل (جبهة النصرة)، أو قيادة (داعش)، تضع السودان على سلم أولوياتها وأجندتها وتعطي شبابه وضعية خاصة نظراً للصفات التي يتمتعون بها خاصة في تنفيذ الخطط ــ وعلى وجه الدقة ــ في إنجاز العمليات التفجيرية عبر السيارات الملغومة والشاحنات المفخخة التي يقوم بها هؤلاء الشباب الذين تتباهى داعش بتسميتهم بـ(الانغماسيين) أو (الاستشهاديين).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى