فضل الله رابح  يكتب :  أحزاب الخراب ومخاوف المجهول

هذه الأيام كل شيء في السودان يثير الانزعاج والقلق.. إشاعات وروايات حول خلافات وصراعات ملأت الدنيا وشغلت الناس والحكومة بكماء صماء غير قادرة على إخراج رواية إعلامية واضحة ومتماسكة تطمئن المواطن المذعور.. الحكومة بكماء والمواطن يطحنه السوق والغلاء وهي مشغولة بنفسها وتصفية حساباتها الداخلية وسهام شركائها وأصدقائهم تقاتل بعضها بعضاً.. الحرية والتغيير (الحاضنة السياسية للحكومة) تمزقت وتفرقت (كيمان) والوثيقة الدستورية تعطلت والحكومة لا تزال بكماء وطرشاء وانقلبت النكتة على الذين ضحكوا ملياً لها وانتفضت الطبقة العاملة والشباب على الطبقة التي صنفت نفسها نخبوية لتثبت لها أن فوقيتها ومسارها ليس البوصلة والطريق الآمن الذي يحقق طموحات الشعب والشباب الثوار والمجتمع السوداني بكل تيارات الوطنية والذي كان مناصرًا للتغيير وملأ الشوارع هديراً وضجيجاً.. لا أدري من يشارك المكون العسكري السلطة اليوم والجسم المدني الذي يمثل الطرف تماماً ومع ذلك  الحكومة بكماء وبيانات شركاء السلام الغاضبة ملأت الدنيا وسلام جوبا مهدد بالانهيار وخطوات الحكومة مع الحلو وعبد الواحد متعثرة وأهل المصلحة في مناطق النزاع قلقون من الدخول في متاهات المجهول بعودة الأزمة إلى جذورها الأولى والحزب الشيوعي اللاعب الرئيسي في الخراب بعد أن وجد نفسه خارج الملعب أخذ يأخذ بالقوة ما فشل في أخذه بالرفق وهو شريك في الحكومة والمُمكّن الأكبر لكوادره في الخدمة المدنية ومؤسسات ومفاصل الدولة يخرج في مظاهرات يطالب بإسقاط الحكومة، فهو يريد أن يحتفظ بكرسي الحكومة ومقعد المعارضة.. الشيوعي يهاجم المكون العسكري بعنف رافعًا قمصان الشهداء زوراً ونفاقاً وملف فض الاعتصام للتخويف والتخوين محتكماً في ذلك إلى قلوب الشباب وعواطفهم ودغدغة مشاعر أسر الشهداء دون الاحتكام للقانون، وفي هذا يظهر جليًا دور الشيوعيين في تأجيج المشهد وتعقيده بمشاركة كوادره وعناصره التاريخية المعروفة (نعمات مالك نموذجاً) في المواكب ومخاطباتها بمفردات خطاب وشعارات متفق عليها.. واضح أن المكون العسكري في كل الحالات كان يستخدم مع الشيوعي وكوادره المخترقة لتجمعات الأحزاب المكونة للحرية والتغيير حكمة العرب (الحلم سيد الأخلاق)  في إطار ضبط النفس وكبت الغضب ورد السيئة، بيد أن صبره يبدو قد نفد هذه المرة وأخذ في الانتقام بعد أن ضغط عليه الشيوعيون ولعب اليسار على عامل الزمن للمناورة بوفود المحكمة الجنائية الدولية التي سكنت الخرطوم وباتت تحركاتها داخل السودان أكثر من لاهاي، وهو مسار سيقود إلى مواجهة ومعركة كسر العظم وظهرت بوادرها في تدخل الحزب الشيوعي في خطاب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بمناسبة ذكرى فض الاعتصام الذي اتهم فيه المكون العسكري صراحة بالتسبب في إبطاء العدالة.. لم يكتف الحزب الشيوعي بذلك بل سعى للفتنة بين المدنيين والعساكر باتهام كتلة أحزاب : (الأمة ـ المؤتمر السوداني ـ البعث القومي ـ تجمع الاتحاديين) بأنهم متماهون مع العساكر، ثم سير الشيوعي مواكب التجريم إلى مجلس الوزراء ولأنه يعرف مزاج السودانيين حاول الشيوعي من خلال الشباب الغاضبين دمغ كل الأحزاب يمينها ويسارها بالفشل وعدم صلاحيتها في قيادة مستقبل البلاد السياسي، قال ذلك لأنه ضمن مقعده في نادي أحزاب الخراب والفشل، لذلك يريد أن يجر معه بقية الأحزاب المقبولة جماهيريًا ولديها قواعد إلى مستنقع الفاشلين وهو يدرك لا ديمقراطية بلا أحزاب سياسية، لكنه يغامر ويكابر.. الشيوعي قصد يستفز الشباب المنزعجين من المجهول لزيادة حنقهم وغيظهم على كل الأحزاب والانتقام منها وعبر كوادره المندسة في المواكب عمد لتلقين الشباب الدروس والهتاف ضد أي مكون سياسي غيره وإلصاق التهم والفشل بكل التيارات السياسية الوطنية (البوم البعجبو الخراب)، مع أن اليسار هو الذي خرب الفترة الانتقالية وتآمر عليها وقطع الطريق أمام أي خطوات تحول ديمقراطي مستقبلي حقيقي، لأن الديمقراطية لا تأتي به ولم يعد الجيل الحالي ينبهر بشعارات وأشعار الشيوعي وبكائيات الطبقة الكادحة.. الشطر المهم في المعادلة هو المواطن الذي يعاني أشد المعاناة ولا يرى في صراعات المكونات الحاكمة مخرجاً لأزماته بل تعميق لظروفه المعيشية وتعقيد لأوضاعه الاقتصادية  فالمخرج عنده مغادرة كل اللاعبين في المشهد السياسي الحالي وتجريدهم من كل أحلامهم في السلطة مستقبلاً لأنهم رهنوا إرادة البلد للعمالة والارتزاق وقللوا من قيمة الإنسان السوداني وكذبوا عليه بل فشلوا في كل شيء ولذلك لا خيار أمامهم سوى تسليم السلطة لعناصر وطنية وكفاءات مهنية غير حزبية تدير البلد لمدة زمنية محددة تنتهي خلال عام بإقامة انتخابات عامة تأتي بالبديل الديمقراطي الذي يثق فيه المواطن السوداني وتكون له الشرعية الدستورية في اتخاذ القرارات الوطنية في القضايا المصيرية الهامة وإلا ستلحق بلادنا بالطوفان الذي دمر بلداناً كثيرة حول محيطنا الإقليمي والدولي وحولها إلى دول ضعيفة وهشة أمنياً واجتماعياً سيما أن بلادنا تعاني من حالة سيولة أمنية وتتحرك داخلها جيوش كثيرة لا رابط بينها بل بعضها لا يزال محتقناً بمرارات قديمة ربما تنفجر في أي لحظة إذا لم يتم تفريغها وتعبئتها بطاقة وطنية موجبة ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى