آخرها “حماة النيل”.. مصر.. تعزيزات عسكرية مع دول جوار إثيوبيا

تقرير- نجدة بشارة

فيما يقترب الميقات المضروب لأديس أبابا بشأن  الملء الثاني لسد النهضة، انهمكت جمهورية مصر العربية في تعزيزات سياسية وعسكرية مع دول مجاورة لأثيوبيا، حيث اختتمت أمس مناورات مشتركة بين الجيش المصري والسوداني “حماة النيل “، سبقتها أول زيارة تاريخية لرئيس مصري إلى دولة جيبوتي، وعلقت القاهرة أن زيارة الرئيس السيسي بهدف تعزيز العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية، الأمنية والعسكرية.

وتعد جيبوتي وفقاً لمراقبين خامس دولة مجاورة لإثيوبيا بعد السودان وأوغندا وبوروندي، وكينيا تعزز معها مصر تعاونها العسكري خلال الأشهر الثلاثة الماضية.. حيث وقعت اتفاقا استخبارياً عسكرياً مع أوغندا في أوائل أبريل الماضي، وعلق نائب رئيس جهاز المخابرات المصري في بيان نشرته الحكومة الأوغندية أن مصر وأوغندا تتقاسمان النيل مما يجعل التعاون بين البلدين أمراً حتمياً، ولم تمر أيام حتى وقعت مصر اتفاقاً للتعاون العسكري مع بورندي، ثم اتفاقاً عسكرياً مع كينيا لتبادل المنفعة بحسب ما أعلنته وزارة الدفاع الكينية الأسبوع المنصرم، وآخرها ختام مناورات حماة النيل بالسودان. وبالمقابل يتساءل متابعون عن ما وراء تعزيزات مصر العسكرية بدول مجاورة لأثيوبيا.. ومعلوم أن مصر لم تكن بهذا المستوى من التقارب والعلاقات مع دول كثيرة في القرن الأفريقي خلال عقود ماضية، وبالتالي هل أصبح خيار التدخل العسكري واقعاً بالنسبة لمصر؟ وهل استنفدت خياراتها الدبلوماسية؟ أم تظل مجرد مناورات سياسية وأين يقف السودان من هذه المعضلة؟.

مناورات حماة النيل:

في مارس الماضي وقعت مصر اتفاقًا عسكرياً مع السودان، خلال زيارة لرئيس أركان الجيش المصري، الفريق محمد فريد إلى السودان. وعقب توقيع الاتفاق، أكد فريد أن مصر تسعى إلى “ترسيخ الروابط والعلاقات مع السودان في كافة المجالات خاصة العسكرية والأمنية، والتضامن كنهج استراتيجي تفرضه البيئة الإقليمية والدولية”. كما أجرت مصر والسودان مؤخرًا ثلاثة تدريبات عسكرية مشتركة حملت أسماء: “نسور النيل 1” و”نسور النيل 2″، وآخرها باسم “حماة النيل”. وشارك في التدريبات قوات برية وجوية وبحرية من القوات المسلحة للبلدين. وتقول مصر إن “التدريب يأتي لتطوير العمل المشترك بين القوات المسلحة في مصر والسودان”.

وأعلن رئيس أركان الجيش، محمد عثمان الحسين، عن هدفهم من المناورة  لرفع القدرات القتالية للقوات لتشكل رادعًا للمتربصين والأعداء ومسايرة للتهديدات المتوقعة، وليس استهدافاً لأحد”. وأضاف خلال مؤتمر صحفي في ختام المناورات “علينا الاستعداد الدائم لكافة التحديات على الحدود وغيرها”، مؤكداً أن التعاون مع مصر يهدف “لرفع مستوى القدرات القتالية لمواجهة الأعداء، كما أنه يأتى لمواجهة التهديدات المتوقعة”، وأوضح أن “المناورات المشتركة تأتي كتدريب نوعي واستراتيجي في ظل التحديات الإقليمية”.

من جانبه، قال الفريق محمد فريد، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، إن التدريب المشترك مع السودان “حماة النيل” له سمات خاصة من حيث التطور المستمر في أعمال التنسيق والتخطيط، والإعداد لتنفيذ التدريب، وفقاً لتقييم دقيق للموقف الميداني. وأضاف خلال كلمة ضمن فعاليات ختام التدريب المصري السوداني أن سمات “حماة النيل” تشمل البناء والتطوير المستمر على ما تحقق، والدروس المستفادة من التدريبات السابقة “نسور النيل 1 و2”. وأشار إلى التكامل في مراعاة الاحتياجات التدريبية بين الجانبين، مؤكدًا أن الجهود الشاقة المبذولة من قيادات وهيئات وإدارات القوات المسلحة للبلدين، كان لها عظيم الأثر في نجاح التدريب وتحقيق أهدافه.

اقتراب من الهدف:

يقول الخبير العسكري المصري، العميد صفوت الزيات، إن الفرق بين التدريبات المصرية ــ السودانية المشتركة “حماة النيل” وما سبقها، “نسور النيل 1” و”نسور النيل 2″، هو أن القوات اقتربت جغرافيًا أكثر من الحدود السودانية – الإثيوبية. ويوضح الزيات في حديث مع بي بي سي نيوز أن هذا من شأنه المساعدة في اكتساب الخبرة والتدريب على البيئة القتالية هناك، الأقرب إلى الأهداف التي قد تتعامل مصر معها عسكريًا في إثيوبيا، إن قررت ذلك. ويضيف أن اقتراب القوات من أهدافها يجعل الطلعات الجوية ذات مدى قريب بدلًا من طلعات المدى البعيد فقط، وهذا سيتيح حمل ذخيرة أكبر بدلًا من استهلاك الطاقة الاستيعابية في حمل الوقود. ويشير الزيات إلى أن هذه الدول، إضافة إلى دول أخرى في المنطقة نفسها على الخريطة، لها بالفعل تعاون عسكري مع مصر.

مؤشرات ونذر: 

ويرى الخبير العسكري  والمحلل الإستراتيجي الفريق عبد الله صافي النور في حديثه لـ(الصيحة)، أن جمهورية مصر مؤخراً نشطت في تمتين علاقاتها مع الدول الأفريقية وهو الشيء الذي كانت بعيدة في السابقة عنه ولذلك بدا مستغرباً لدى المتابعين للشأن الدولي، وأردف: لكن أرى أن تعزيز العلاقات المصرية بالدول الافريقية لا يقتصر على الجانب العسكري فقط، ولكن اهتمت أيضًا بالجوانب الاقتصادية والسياسية، وفيما يتعلق بالتعزيز العسكري مع هذه الدول قال: إن القاهرة لديها إمكانياتها العسكرية المتطورة والتي يمكن تسخيرها لتطوير إمكانيات الدول الأفريقية، واستبعد الفريق صافي النور أن تكون  نوايا مصر  الحرب أو التلويح بها مع اقتراب الملء الثاني لسد النهضة، ولكن هذا لا يمنع أن  لكل تفسيراته الخاصة، لكن المؤكد أن هنالك انفتاحاً مصريا على الدول الأفريقية، ودون شك العلاقات الدولية تتأثر بالسياسة، وبالتالي غير مستبعد أن تتحسس مصر  قواعدها العسكرية وتطمئن لوجودها، لكن لا توجد مؤشرات للحرب والحذر واجب.

حرب التصريحات:

وعلقت إثيوبيا على التدريبات العسكرية المصرية ـ السودانية المشتركة “حماة النيل”، وجاء التعليق على لسان المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، الذي جاء فيه: “من حق البلدين فعل ما يريانه مناسبًا معًا من تدريبات عسكرية”. لكن مفتي تابع قائلاً: “إثيوبيا لديها قوات مسلحة قوية وقادرة على حفظ أمن البلاد وردع أي عدوان خارجي”. فيما تصاعدت لهجة أثيوبيا أكثر على لسان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، وقال إن بلاده ستبني أكثر من 100 سد صغير ومتوسط في مناطق إقليمية مختلفة من البلاد في السنة المالية المقبلة، موضحاً أن بناء السدود هو “السبيل الوحيد لمقاومة أي قوى معارضة لإثيوبيا”.

لكن مصر سارعت بالرد على تصريحات أثيوبيا وعبر  وزير الخارجية المصرية عن رفض بلاده  لما جاء في تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد حول نية إثيوبيا بناء عدد من السدود، وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أحمد حافظ في تصريح صحفي،  إن تصريح آبي يكشف مجدداً عن سوء نية إثيوبيا وتعاملها مع نهر النيل وغيره من الأنهار الدولية التي تتشاركها مع دول الجوار وكأنها أنهار داخلية تخضع لسيادتها ومُسَخرة لخدمة مصالحها.

وأبان أن مصر لطالما أقرت بحق جميع دول حوض النيل في إقامة مشروعات مائية واستغلال موارد نهر النيل من أجل تحقيق التنمية لشعوبها الشقيقة، وأضاف: “إلا أن هذه المشروعات والمنشآت المائية يجب أن تقام بعد التنسيق والتشاور والاتفاق مع الدول التي قد تتأثر بها، وفي مقدمتها دول المصب”.

وأشار إلى أن تصريحات آبي أحمد ما هي إلا استمرار للنهج الإثيوبي المؤسف الذي يضرب عرض الحائط بقواعد القانون الدولي واجبة التطبيق والتي تنظم الانتفاع من الأنهار الدولية والتي تفرض على إثيوبيا احترام حقوق الدول الأخرى المُشاطئة لهذه الأنهار وعدم الإضرار بمصالحها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى