سراج الدين مصطفى يكتب.. على طريقة الرسم بالكلمات

(1)

الوجدان الجمعي السوداني يحتفظ لفرقة عقد الجلاد بمكانة خاصة ليس لأنها فرقة غنائية فحسب، ولكن لأنها تجاوزت الأفكار التقليدية في الغناء ولامست هموم الناس وحياتهم.. فهي غنائية ضد (التعسيلة والغمدة)، تبحث في فضاءات جديدة غير معتادة.. ذاك الوجدان الشعبي الذي يبحث عن التغيير والتجديد في زمن الثوابت.. حيث ذكر الصحفي محمد إبراهيم الحاج: (عقد الجلاد خلقت شكلاً من أشكال الحوار داخل المجموعة نفسها تتبادل أداء الجمل الغنائية مع حضور مسرحي مذهل استطاعت من خلاله بناء جمهور لها خلال سنواتها الأولى، وأصبح جمهورها يعرف بالـ(الجلادين)، كما أن تناول الفرقة لموضوعات غنائية تخاطب الأجيال الحديثة استفادت منه في بناء جمهور مستنير وهو ما مكنها من إيصال رسالتها دون عناء، ولهذا فإن أغنيات “محجوب شريف” و”القدال” و”حميد” و”فاروق جويدة” كشكل من أشكال الغناء الرصين أصبحت أغنيات جماهيرية.

(2)

النجاح الساحق للفرقة وبروزها المثير في المجتمع السوداني صاحبته الكثير من العواصف، حيث ظلت الفرقة عبر سنينها الطوال تعاني من الانقسامات والانشطارات بسبب الخلافات الداخلية بين أعضاء الفرقة.. ولعل أشهر تلك الخلافات هو خروج عراب الفرقة عثمان النو قبل أحد عشر عاماً، ويعد الموسيقار عثمان النو واحداً من مؤسسي الفرقة، ولكن تصاعد الخلافات جعله يخرج من الباب الواسع وفشلت كل محاولات رأب الصدع، حيث تدخلت شخصيات كبيرة مثل الإمام الراحل الصادق المهدي الذي حاول أن تظل الفرقة متماسكة، ولكن كل جهوده فشلت في لملمة أطراف الصراع.. ولكن لأن عقد الجلاد (فكرة) غير مرتبطة بالأشخاص لم تتوقف كثيراً في محطة عثمان النو والذي بدوره قام بتكوين فرقة (راي) الغنائية مستصحباً كل الأغنيات التي قام بتلحينها لعقد الجلاد وهي الأغاني التي شكلت الملمح الأساسي للفرقة.

(3)

المتأمل لتجربة محمد الأمين لا يمكن أن يغفل أو يتناسى علاقته العميقة مع (آلة العود)، فهو يعتبر من أبرز الذين يتقنون العزف عليها بجانب الموسيقار الراحل برعي محمد دفع الله.. ولعل امتلاك محمد الأمين للمهارة العالية في عزف العود جعله يكتشف أسرارها.. لأن محمد الأمين نهاية الخمسينيات من القرن الماضى بدأ بتعلم آلة العود، ويرجع الفضل إلى الأستاذ السر محمد فضل، وهو الذي قام بتعليمه  كيفية العزف على العود.. والمفارقة تبدو واضحة إذا علمنا أن محمد الأمين ومنذ صغره وهو لا يتجاوز الرابعة من  العمر كان يدندن بصوته، ويلحن بل عندما يطلب شيئاً وهو في هذه السن الطفولية، كان يطلبه بشكل ملحن.. كل ذلك اتضح فيما بعد ليس في التجديد المختلف فحسب, وإنما أبان عن قدرة خارقة في تمهيد الطريق للتجريب اللحني والموسيقي.. وذلك هو سر عظمة محمد الأمين واحتفاظه بكل هذا الألق عبر السنين الطوال.

(4)

إيمان محمد الأمين بالمبادئ والوطن ظهر باكراً في مشروعه الغنائي.. وثورة أكتوبر والتي انفجرت في العام 1964م كانت هي انطلاقة للشعب السوداني وانطلاقة لمحمد الأمين، ففي الاحتفال الكبير الذي أقيم بمدني بمناسبة ثورة أكتوبر وحضره عدد كبير من المسؤولين وإذاعة أم درمان وعدد كبير من المطربين من بينهم الفنان محمد وردي، هذا الحفل والمناسبة الوطنية أوضحت جانباً مهماً للغاية في مسيرة محمد الأمين الإبداعية، وبينت أنه مبدع يربط فنه ويستلهمه من تفاعله وارتباطه بمجتمعه وما يدور فيه، فقدم (نشيد أكتوبر 21) الذي صاغ كلماته فضل الله محمد وهو طالب بجامعة الخرطوم، كما صاحب الفنان محمد وردي بالعزف على العود في نشيد أصبح الصبح.

(5)

وبمناسبة الذكرى الثانية لثورة أكتوبر قدم محمد الأمين نشيد  (الانطلاقة) من كلمات  الشاعر فضل الله محمد، وفي عام  1966-1967م، أكد محمد الأمين بوطنيته وانتمائه إلى شعبه الذي استلهم منه الكثير في تكوين شخصيته الإبداعية، وهذا واضح من خلال لحن قصة ثورة أو (الملحمة)، التي قام بكتابة كلماتها الشاعر هاشم صديق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى