حرائق السواقي بالشمالية.. النخيل  يحتضر

مزارعون: سواقي الورثة والإهمال عاملان أساسيان في الحرائق كل عام

وزارة الزراعة: التمور بشكلها الحالي غير مشجعة

الدفاع المدني: نعمل في ظروف قاسية وأحياناً (نشحد) الوقود لتحريك العربات

في كل عام تفقد الولاية الشمالية آلاف الأشجار من النخيل جراء الحرائق المتكررة والتي دائماً ما يكون سببها الإهمال وعدم الإدراك لعمليات النظافة، بينما ولأول مرة يكون عامل الورثة المتعلق بتلك السواقي أحد أهم أسباب الحرائق غير المباشرة لهجران أهل تلك السواقي وعدم الاهتمام بها مما يجعلها عرضة للجفاف، وبالتالي تكون عرضة للحريق في أي وقت ومنها تنتشر النيران إلى بقية السواقي، فيما تعمل شرطة الدفاع المدني بالولاية في ظروف بالغة التعقيد والصعوبة من عدم توفر الإمكانات الأساسية لعمليات الحرائق، إذ لا يمكن لمؤسسة كاملة مثل الدفاع المدني التدخل السريع في أوقات الشدة والكوارث إلا في وجود وقود يدير محركاتها، فكيف لها أن تطفئ حريقا ضخماً يلتهم آلاف من أشجار النخيل، غير ان تقف عاجزة عن فعل أي شيء.

فيما أوضحت المصادر الداخلية أن الحاجة الحقيقية لمكافحة تلك الحرائق من جانب الدفاع المدني تكمن في عربات الدفع الرباعي وبعض المعينات من الطلمبات والخراطيش وليس عربات إطفاء كبيرة طبيعة عملها داخل المدن والشوارع الكبيرة وليس داخل المزارع المتشابكة والتي تتخللها الجداول والمطبات.

بينما أكدت وزارة الزراعة أن عدم إضفاء قيمة مضافة لتلك التمور أفقدتها المنافسة في السوق، وبالتالي أصبحت هي ليس مصدر اهتمام من جانب المزارعين الذين توجهوا للاهتمام بالبستنة وأشجار الفواكة، وبالتالي أصبحت النيران والحرائق تلتهم أشجار النخيل  بلا هوادة بينما أصبح تكرار تلك الحرائق إنذاراً لأصحاب الشأن  أن أدركوا النخيل فهو يستنجد ويحتضر.

 

تحقيق: النذير دفع الله

 

الإهمال والورثة

الأوساخ المتراكمة وعدم الاهتمام بالنظافة والسقيا أو عوامل الورثة لتلك المزارع والسواقي هي سبب أساسي لتلك الحرائق المستمرة لأشجار النخيل، هو حديث المزارع عمر مكاوي والذي أضاف أن أعمال النظافة التي تتم كل عام ربما لا يمكنها أن تتسبب في حرائق فيمكن أن تأتي الحرئق من مكان بعيد، ولكنها بصورة أو أخرى تتكرر الحرائق كل عام وهو أمر مزعج جداً للمزارعين الذين يعتمدون بشكل مباشر على أشجار النخيل، وأشار مكاوي إلى أن الجفاف الشديد وعدم السقاية بشكل منتظم يمكن أن يعرض النخيل للحرائق، كاشفًا أن وجود بعض الأمراض التي تصيب أشجار النخيل مثل الحشرة (القشرية) لها دور أساسي  في إصابة  النخيل بالجفاف، وبالتالي تساعد على عملية الحريق، مبيناً أنه يمكن معالجتها بواسطة المبيدات الحبوبية، وتظل  المشكلة الأساسية في عدم استخدام المبيدات بالطريقة الصحيحة من قبل المزارعين.

وطالب مكاوي  الحكومة والجهات الرسمية بتوعية المزارعين وإجازة قوانين أو توجيهات صارمة تتعلق بالالتزام بالنظافة المتكررة والدائمة للمزارع حتى لا تتسبب الأوساخ في عمليات الحريق، بالإضافة للمتابعة الدورية من جانب السلطات الزراعية على المزارع لتفادي أي خطر من شأنه التسبب في الحرائق التي تظهر كل عام وبصورة مزعجة وبدون إيجاد حلول لتلك الحرائق.

المرشد الزراعي

المزارع محمد سعيد المجمر قال ـ(الصيحة)، إن السبب الأساسي الأوساخ  وتقارب المزارع فيما بينها وعدم التباعد أو الفصل بين تلك المزارع،  لأنها أنشئت على النهج القديم للزراعة، بينما الإهمال وعدم المراقبة من الأسباب التي تؤدي إلى (سرحان) النيران في المزارع المحترقة. وأضاف: رغم تكرار هذه الحرائق إلا أن هذه الأسباب المذكورة من الثوابت بينما ما زال المزارعون غير مهتمين بتلك الأسباب التي تكون سبباً في اشتعال الحرائق كل عام. مشددًا على أن الأضرار التي تسببها تلك الحرائق إبادة كل الأشجار التي احترقت ولا طريقة أخرى للمعالجة غير القطع، مبيناً عدم وجود أي دعم من الحكومة أو وزارة الزراعة أو سند مهما كانت الحرائق كبيرة، مطالباً الجهات الحكومية في الولاية بتكثيف عمليات  الإرشاد الزراعي والتوعية الزراعية، كاشفاً أن المحلية بكاملها لا يوجد بها مرشد زراعي واحد.

وضع مختل

مصدر من شرطة الدفاع المدني بالولاية الشمالية ــ منع ذكر اسمه ــ كشف لـ(الصيحة)، أن شرطة الدفاع المدني في الولاية الشمالية وبعض محلياتها تعمل في ظروف معقدة واستثنائية لا ترقى لأداء واجبها الحقيقي في ظل جهاز كبير منوط به حماية الناس في الظروف الحرجة يقوم هذا الجهاز حالياً  بالتسول  (لشحدة) الوقود لعربات المطافئ  من بعض المؤسسات وشركات التعدين من أجل الحركة فقط، وأضاف المصدر أنه تم منعه من دخول مقر معين لإحدى شركات التعدين من حارس البوابة، وهو آخر أمر كنا نتخيله أن يتم تعامل ضباط الدفاع المدني بهذه الصورة، وقال إن حرائق النخيل ظلت مستمرة بصورة دائمة ومتكررة ومنذ دخول فصل الصيف لدينا أكثر من 13 حريقاً في محلية واحدة، كاشفاً عن حريق جديد في محلية أخرى وهي محلية الدبة كانت خسارته أكثر من  2000 نخلة، وهو أمر يحتاج إلى وقفة حقيقة ومعالجة أمر الدفاع المدني، مبيناً أن الإمكانات المتوفرة للدفاع المدني متدنية، وهي ظروف (تطم البطن)، ولا أجد أي إجبار في أن يعمل الشخص في ظروف كهذه، وأضاف المصدر أن تبعية الدفاع المدني للشرطة أضعف هذا القطاع، لأننا في الأساس لم نكن شرطيين، وإنما كنا ضباط بلدية إلى أن جاءت الإنقاذ وضمت الدفاع المدني للشرطة ووزارة الداخلية، ولكن مع ذلك فإن وزارة الداخلية تقوم بدعم الدفاع المدني من حيث الرئاسة، ولكن في محليات الولايات أصبح الدفاع المدني كأنه وحدة خدمية يتبع للمحليات التي يجب أن تتكفل بالصيانة الوقود والتسيير، وهو أمر صعب على المحلية، ولكن المعدات والأدوات تأتي من الرئاسة، وهو الدور الذي لم يفهمه القائمون على الأمر في المحليات. وأوضح المصدر أن حرائق النخيل تنقسم الى مجموعات منها حرائق صغيرة ومتوسطة وحرائق ضخمة، أما الحرائق الصغيرة فيتم فصل النخيل من بعضه وعزله عن الجزء المشتعل مع مراعاة حركة الرياح، فضلاً عن استخدام طلمبات السحب العادية في إطفاء الحريق، وهي طلمبات ليست لاستخدامات الحريق، وإنما هي طلمبات ري عادية، ولكن نحن هنا في الولاية الشمالية نستخدمها في إطفاء الحرائق نسبة لعدم أمكانية دخول عربات المطافئ التي هي أصلاً غير مؤهلة والاعتماد عليها ربما يكلف خسائر أكبر، مؤكداً أنه يتم بعد تبريد الحريق وإطفاء النيران المشتعلة عبر جداول يتم فتحها من قبل المزارعين توضع فيها الطلمبات ولكن تكون المشكلة أكبر من ذلك عندما يكون الحريق ضخماً أو كبيراً نحتاج لقوة بشرية أكبر ومعدات أكثر حتى لا يتمدد الحريق إلى المنازل، سيما وأن بعض المحليات توجد في شريط واحد وضيقة جداً وفي مرات كثيرة تمتد النيران للمنازل، وطالب المصدر رئاسة الدفاع المدني ووزارة الداخلية بمد شرطة الدفاع المدني في بعض محليات الولاية الشمالية خاصة وأن بعض المحليات تحتاج لعربات دفع رباعي تحمل فيها الطلمبات والخراطيش  وليس عربات ‘طفاء ضخمة لأن تلك العربات هي لاستخدامات المدن وليس المزارع والقرى. وكشف المصدر أن تجمع الكيانات النوبية تقدم بمقترح أو ورقة مطالب من ضمنها مواجهة حرائق النخيل واحتوت الورقة في هذا البند على تأهيل شرطة الدفاع المدني في بعض المحليات التي بها حرائق النخيل متكررة.

تدهور التمور

مدير عام وزارة الزراعة بالولاية الشمالية الدكتور عبد الرحيم محمد سيد أحمد  قال لـ(الصيحة): هنالك مشكلة كبيرة تتعلق بثقافة زراعة النخيل من الأصل، والمشكلة الأخرى تتعلق بالنظافة لهذه المزارع، مبيناً أن أغلب الحرائق التي حدثت خلال الفترة الحالية والفترات الماضية كان سببها الأساسي الإهمال، وحتى اللحظة لا يوجد بلاغ واحد لحرائق النخيل وكانت الأسباب أنه تم بفعل فاعل كل البلاغات إما مجهولة إو الإهمال الناتج من عدم إطفاء النيران بعد عمليات النظافة، وأوضح عبد الرحيم أن هنالك أيضاً مشكلة تتعلق بإهمال المزارع التي هاجر ـصحابها منذ زمن طويل، وأصبحت هذه المزارع لعدم سقايتها جافة وتتوسط سواقي النخيل الأخرى،  مما يجعلها عرضة للحرائق ومن ثم تمتد إلى المزارع المحيطة بها, مشيراً إلى أن الوزارة الاتحادية أقامت بعض الجمعيات للمزارعين بالولاية وتوفير الآليات المتعلقة بالقطع وغيرها وبعض المحاضرات المتعلقة بزراعة النخيل، وأكد عبد الرحيم أن الولاية لديها إشكالية حقيقية في عربات الإطفاء سيما وأن الولاية ممتدة كثيرًا بينما تعاني عربات الإطفاء من عدم إمكانية الدخول إلى المزارع لعدم وجود مسارات لتلك العربات وهي عقبة كبيرة تواجه إطفاء الحرائق، مبيناً أن شرطة الدفاع المدني طلبت بعض الطلمبات الآن قيد التنفيذ، وآخر زيارة لرئيس مجلس الوزراء تحدثنا معه حول هذه الإشكالات التي تعاني منها الولاية في حرائق النخيل.

وشدد عبد الرحيم على أن مشكلة التمور في الولاية الشمالية هي عدم وجود مصانع للقيمة المضافة لتلك التمور (مصانع تعبئة أو تغليف) أي عمل يجعل تلك التمور تأخذ وضعها ضمن الخارطة الاقتصادية، وقال عبد الرحيم إن زراعة النخيل اصبحت بالنسبة للمزارعين بالولاية الشمالية أمراً ثانوياً، حيث أتجه معظم المزارعين الى البستنة في زراعة الموالح، بينما أقدم بعض المزارعين على قطع أشجار النخيل وبدلاً منها زراعة بعض أشجار الفاكهة، وأضاف أن الاستثمار في الولاية غير متوازن حيث يتجه الناس جميعهم للاستثمار في مجالات مشابهة، ولكن لا يوجد استثمار في الصناعات التحويلية أو التعبئة والتغليف أو توفير مدخلات الإنتاج، لابد من شركات للخدمات الزراعية تعمل في مجال النظافة وغيرها والري.

وأوضح أن المشاكل ليست حصرية على النخيل وإنما أيضاً في التوابل، ولا يمكن أن يتم منح أي مستثمر جاء للاستثمار قطعة أرض، هنالك أشياء أخرى يجب الاستثمار فيها، كاشفًا أن تأخير الموسم الشتوي بالولاية جاء نتاجاً لعدم توفر ورش للإليات والخدمات  الزراعية مما أنعكس أيضًا على عمليات الحصاد، والآن نواجه مشكلة في عمليات الحصاد، لذلك يجب عرض الخارطة الاستثمارية على المستثمرين وفقاً لحاجة الولاية وليس حاجة المستثمرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى