من الذين ساهموا في نقل الأغنية من طابع الحقيبة والشكل الكلاسيكي إلى التجريب: خضر بشير.. الفنان المجذوب!!

كتب: سراج الدين مصطفى

مقدمة مهمة:

خضر بشير.. اسم له وقع خاص عند الشعب السوداني.. فهو واحد من أساطين الطرب.. وهو أيضاً من الذين ساهموا في نقل الأغنية من طابع الحقيبة والشكل الكلاسيكي إلى التجريب والتجديد في الموسيقى.. ومن ينظر لقائمة أغنياته الوسيمة يدرك أن الرجل أسدى للموسيقى السودانية خدمات جليلة لا تقدر بثمن.. ولكن أغلب مؤرخي الموسيقى تغافلوا عنه ولم يمنحوه حقه ومستحقه الأدبي.. وهو يستحق أن نقف عنده متأملين.

نوع من المستحيلات:

الحديث عن الأستاذ الراحل خضر بشير هو نوع من المستحيلات ومهما أوتيت من لغة فلن أستطيع أن أتحدث عنه كإنسان وفنان. كل الجماليات تتوافر فيه، بدأ الأستاذ خضر بشير الغناء مبكراً وعاصر كرومة وسرور وتغنى مع الفنان إبراهيم شمبات قبل أن يكون ثنائي مع الفنان عوض شمبات، وكان يغني أغاني حقيبة الفن بأسلوبه الخاص وذلك بإضافة لونيته وطريقته الغنائية، وهو ما أسميه جامعة خضر بشير في الغناء والأداء.. بعد ذلك اتفق مع إبراهيم شمبات على أن يكون لهم الغناء الخاص بهم، ومن تلك الأعمال لحظك الجراح للشاعر أبوصلاح، ولكن لأن القرصنة الفنية موجودة منذ بداية الفن السوداني, لم يتم تثبيت حقه الأدبي في لحن أغنية لحظك الجراح وكان من المفترض أن يمنح الأستاذ على الأقل حقه الأدبي ولا يتم سرقة حقوقه بالتغول عليها، وإذا بحثنا في التسجيلات في الإذاعة للفنان إبراهيم شمبات سنجد تلك الأسطوانات التي قام بتسجيلها دمتري البازار في القاهرة.

الفنان المجذوب:

خضر بشير رفض السفر إلى مصر لأنه كان متصوفاً والمتصوفة معروف لا يتحركون إلا بإذن شيوخهم، وحينما سجلوا الأغنية في أسطوانة كتبوا عليها كلمات أبو صلاح وألحان خضر بشير وتغنى بها إبراهيم شمبات بنفس طريقة خضر بشير في الأداء وكان دائماً يحاول أن يغني بنفس أسلوبه ولونيته.. الأستاذ خضر بشير منذ أن نشأ وهو طفل كان مجذوباً ومعروفا للصوفية أنه يكون في حالة جذب روحي وهو ما يسميه العامة بالدرويش أو المجنون.. و”المجذوب” في حكم ” المجنون” لأن تصرفاته خارجة عن سيطرته وإرادته، وخضر بشير كان مادحاً وبدأ في الغناء ثم توقف عنه وكان يذهب لموقف المواصلات يقوم بالمديح فيها.

في فترة الحقيبة:

الأستاذ خضر بشير في فترة الحقيبة لم يكن يلتزم بأسلوب أدائها وكان يغنيها بطريقة سابقة ومتقدمة على ذلك الشكل وحينما ظهرت الآلات الموسيقية واكب معها لذلك تجد أداء خضر بشير مرتبطا بشكل وثيق مع شكل الألحان والتأليف الموسيقي لأغنياته وهو حتى إذا تغنى بأي أغنية من الحقيبة أو التراث كان يضيف لها ومثال لذلك أغنية “برضي ليك المولى البوالي” وهذا اللحن إذا استمعت له من الحقيبة تجد فيه خمسة أعمال مجاراة وهي” في الفؤاد ترعاه العناية ــ أحرموني ولا تحرموني ــ متى مذاري ـ هو أضاف لتلك الأغنية وغير لحنها تقريباً وهذا في الملكية الفكرية يعرف بالمصنف المشتق ومثال لذلك أغنية “جاني طيفو طايف” وهي أغنية معروفة لأولاد شمبات ولكن الأستاذ محمد الأمين قام بتلحينها من جديد وهذه الإضافة اللحنية هي ملك لمحمد الأمين وبهذا لا يحق لأي فنان أو شركة استغلال ما أضافه بدون إذنه أو الرجوع إليه.

قصته مع كرومة:

ـ كان للأستاذ خضر بشير رأيه وهو يرى نفسه أفضل من كرومة وكان يعرف قدر نفسه جيداً.. وهناك موقف حدث حينما كان يغني كرومة في أحد الحفلات وأثناء الغناء كان خضر بشير خارج صيوان الحفل وقام بترديد أغنية كان يغني فيها كرومة في ذلك الحفل فطلب من الشباب الذين معه أن يصفق البعض بأياديهم والآخرين بأرجلهم وطلب منهم بعد ذلك أن يغنوا خلفه وحينما كان يغني فيها جاء إليه كل من كان بالصيوان ويستمع لكرومة فطلب منه أهل المناسبة أن يغني لهم بدلاً عن كرومة ولكنه رفض وقال لهم أنا كنت أغني لنفسي وبعد ذلك قال كرومة لمن معه إن هذا (الولد) لو كبر سوف يكون سبباً في نهايتنا.. وتلك كانت شهادة كرومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى