دكتور يحي حماد فضل الله يكتب.. الفريق أول ميرغني إدريس سليمان

قرار البرهان بترقية ميرغني إدريس سليمان، مدير عام منظمة الصناعات الدفاعية (التصنيع الحربي) من رتبة الفريق إلى رتبة الفريق أول، قرار يصلح بأهداف الثورة وسلب ما تبقى من سلطة القوات المسلحة على مؤسستها، وتزداد الدهشة إن علمنا أن السيد البرهان، نفسه كان قد أصدر قراراً سابقاً قبل أقل من ثلاثة أشهر بإعادة المغادر ميرغني إدريس سليمان للخدمة بجهاز المخابرات العامة، ولمن خانتهم ذاكرتهم… من هو ميرغني إدريس سليمان؟ كانت هذه الإفادة وردت في مقدمة مقال أرسله صاحبه إلى “قروب” جريدة القوات المسلحة، ولعله إن لم تخني الذاكرة هو المدعو هاشم علي قلبا، نعم هكذا الاسم، وكان المقال مندفعاً بشدة ومتحمساً في تقليل دور الفريق أول ميرغني إدريس سليمان في القوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات، للدرجة التي تجعل كاتب المقال لم يذكر حتى رتبة هذا الضابط العظيم المعني في الموضوع، وهو يتساءل عن من هو هذا الضابط.

وما اتضح لي من قراءة المقال أن كاتبه لم يعرف الضابط موضوع مقاله، بل هو على قدر يسير من الجندية ومعرفة تفاصيلها، فكانت الكتابة عنده مجرد كتابة، خاصة فيما يتعلق بأدوار العسكرية وسأل سؤالاً مهماً عن من هو ميرغني إدريس سليمان، وترك السؤال دون إجابة، ثم ذهب متسرعاً إلى ما بعده، الأمر الذي خلط أمر الدفاع والجندية والسياسة والكيزان في وقت واحد، وهذه هي مشكلة الكتابة العسكرية عند غير المحترفين، فالكتابة العسكرية علم ومعرفة ودراية، فهي كتابة وأسلوب وفكر وحبك، ولا تتكرر فيها المفردات، أو يتردد الكاتب في العبارات، وما ورد في المقال في حق الفريق أول ميرغني إدريس سليمان لا يمكن أن يستوعبه المطلع العادي ناهيك أن يكون القارئ على صلة بالدوائر العسكرية والاستراتيجية والأمن القومي، لذلك لا يمكن لكاتب المقال أن يقوم بتقويم ضابط عظيم برتبة الفريق أول، فهو يجهل أبجديات التعريف، وما قاله مجرد طموح لمحاولة هاوٍ لم تسعفه التجربة أو الاطلاع العسكري حتى يفيد كتاب فطالحة كما هم في (قروب) جريدة القوات المسلحة التي أرسل إليها مقاله.

وحتى نعرف الفريق الركن ميرغني إدريس سليمان فهو من مواليد المزاد بحري ينتمي إلى الدفعة 31 وهي دفعة استثنائية حيث كان التأخير النسبي للدفعة، أن ساهم مساهمة كبيرة في زيادة التدريب، وكسب المهارات وإتقان العلوم العسكرية، هذا عطفاً على أن الدفعة في الكلية الحربية السودانية من الدفعات الصغيرة التي توفر لها التدريب بصورة أجود من غيرها من الدفعات الكبيرة، فهي الدفعة الوحيدة من القوات المسلحة السودانية التي أنجبت القائد الأعلى والقائد العام وجاء منها وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش السوداني ومدير جهاز الأمن والمخابرات ورئيس المجلس العسكري الانتقالي ورئيس المجلس السيادي وأخيراً مدير عام منظومة الصناعات الدفاعية الفريق أول ميرغني إدريس سليمان موضوع المقال الذي خطه قلم الأخ هاشم على ود قلبا، هذا إلى جانب أن الدفعة 31 هي الدفعة التي تصادف تمرد السودان عام 1983م، والدفعة 32، وأكملت الخياطة بالحرير الدفعة 33، حيث كانت هذه الدفعات تزامن ميلادها مع تمرد الخارجين عن القانون فكان منهم أكثر الشهداء في القوات المسلحة السودانية.

والحديث عن الفريق أول ركن ميرغني إدريس سليمان، فهو ضابط في القوات المسلحة السودانية، ومن بين أفراد دفعته ومن بين الضباط في الدفعة الذين ترقوا إلى الرتب العليا، وإن لم تخني الذاكرة، فإن هذه الدفعة الصغيرة قد أنجبت أكثر من عشرة فريق أول وفريق في الجيش السوداني، والفريق أول ميرغني إدريس سليمان كان معلماً في معهد المشاة بجبيت، وقد درب كثيرا من الضباط في الدورات المختلفة، ثم بعد ذلك ذهب إلى جهاز الأمن للحاجة إليه، فكاتب المقال لم يدرك هذه الحقائق أن القوات المسلحة إلى وقت قريب تأخذ ضباط الأمن إلى الكلية الحربية وبعد التخرج يعود الضابط إلى الجهاز كغيرهم من الضباط الذين يتم توزيعهم إلى القيادات والوحدات العسكرية وبالتالي يتأهل الضابط وفق المطلوب في الوحدة وخصوصيتها، أما حديث هاشم علي قلبا الذي يقول إن الفريق أول ركن ميرغني إدريس هو آخر من حصل على ترقية استثنائية من (المخلوع) في آخر أيامه، حيث كسرت له كل القواعد العسكرية وتمت ترقيته إلى رتبة الفريق بجهاز الأمن والمخابرات، وهنا يذهب الأخ هاشم على قلبا في عك الحديث والخلط بصورة غير مرتبة ولا منطقية ويخلط الأمر بصورة مشوهة وشائنة فهو يخلط السياسة والعسكرية والتنظيم والكيزان والفساد والأمن، والله على ما أقول شهيد إن هذا الكاتب خلط كل ذلك في عجنة واحدة لا يمكن أن يفرق بينها هو نفسه.

ويتحدث عن الكيزان بشيء يجعلك تقف عنده، فالكيزان ذهبوا وتركوا كل شيء ولم نسمع عنهم إلا ما تناقلته الوسائط في هذه الأيام، بأن ثمانية مهندسين كيزان قد دعتهم الحكومة الانتقالية، لإصلاح مصفاة الجيلي وجاءوا من غرب أفريقيا وقد تم الإصلاح في 24 ساعة، وهناك حوار مع مهندسي الكهرباء والتعاقد معهم بالدولار من قبل الحكومة، الجدير بالذكر أن جميع الكيزان المهندسين قد أقالتهم لجنة التمكين من مناصبهم الحيوية في الكهرباء والمصفاة ومواقع أخرى في الدولة، هل ما يدور في حديث الكاتب من حقيقة؟ أعتقد ما قاله الكاتب غير صحيح فالفريق أول ركن ميرغني إدريس سليمان أكمل كل الدورات الحتمية وليس ما ذكره الكاتب من كليات هو بالضرورة أمر حتمي مع الضابط، فهناك كليات موازية مثل أكاديمية الأمن العليا، وأكاديمية الشرطة وأكاديمية العلوم الإدارية هذا إلى جانب الدورات الخارجية والبعثات وكل ذلك يصب في مهنية الضابط، خاصة ضابط الأمن قد يحتاج إلى دراسات جامعية مثل الدراسات الإنسانية واللغات والدبلوماسية، فالكاتب لم يخرج من عقدة الكيزان، لأن مهام الجندية أكبر من التعلق بالكيزان وما أدراك ما الكيزان، فالضابط مسؤوليته أهم له من أي شيء، فالضابط الطيار يترتب عليه الجهود في العمل أضعاف ما هو عند الطيار المدني، ومن هذه الدفعة أحد ضباطها وهو العميد الركن معاش أبشر صالح خير الله خدم في حياته العملية أكثر من 18 عاماً في العمليات ومناطق الشدة.

فتشكيك الكاتب في الترقيات والدورات المهنية في حق الفريق أول ركن ميرغني إدريس سليمان يتوجب الاعتذار لأن ما طرحه الكاتب بعدم دراية ومعرفة بواقع الاستقامة العسكرية، ومما زاد الطين بلة الكاتب يتساءل متى سيتم تصحيح المسار؟ وتمليك الرأي العام الحقائق عن ماهية هذه المؤسسة، بشقيها المدني والعسكري، هل تتبع هذه المنظومة للقائد العام اسمياً فقط؟ أم للقوات المسلحة كلمة عليها؟ ويقول الكاتب لماذا لم يسأل عن مصدر الأموال حينما وعد الفريق أول ركن ميرغني إدريس سليمان بدعم الموازنة بملياري دولار – ومنظومته لم تخضع يوماً للمراجعة ولا ولاية لوزارة المالية على أموالها. ما طرحه الكاتب من تساؤلات أمر مضحك، في مقدمة المقال ذكر الكاتب في تعريف المنظومة الدفاعية بأنها التصنيع الحربي، ويأتي في آخر المقال يطالب بتمليك الرأي العام والحقائق عن هذه المنظومة، أين خطة المنظومة الدفاعية الإستراتيجية وأمنها القومي؟ هل من المعقول كشف منظومة عسكرية للرأي العام؟! الكاتب في حديثه يفرق بين القائد العام والقوات المسلحة، مما يؤكد أنه لا يفرق بين مسؤولية القائد العام والقوات المسلحة السودانية، القائد العام أخي الكاتب هاشم علي ود قلبا هو مسؤول القوات المسلحة وكل ما ينتسب إليها في إطارها المعروف، أما إذا كان قصدك القائد الأعلى فهذا يعني قائد القوات النظامية في الدولة ولكل القوات النظامية والقوات الصديقة وأشباه هذه القوات.

أما عن أفادتك بأن السيد الفريق أول وعد بدعم الميزانية بملياري دولار، فهذا الوعد يؤكد صدق ونزاهة الفريق ورؤيته القومية للمواقف، ولو كان هو حقيقة ما ذكر الكاتب، بأنه كوز جيء به ليداري سوءات الرئيس، وهو من سدنة النظام البائد أمنجي ليست له دفعة، لو كان هو كذلك لما وعد بدعم الميزانية بملياري دولار، باختصار أنه كوز والكيزان هم أقرب إلى الرئيس المخلوع إذاً ليس بالضرورة أن يدعم الفريق الحكومة بهذا المبلغ المالي الكبير، ومسألة الكيزان هذه شماعة لا تصب في صلب الموضوع، أخي الكاتب في ختام مقالك تنتظر تفسيراً وتوضيحاً شفافاً من حكومة الثورة والقائد العام للقوات المسلحة وأركان حربه عما جرى ويجري في تفسير كل ذلك وتفصيله يبدو أن لديك عودة في ذلك، ولكن قبل عودتك إلى الكتابة عليك الاطلاع النسبي عن قواتك المسلحة، والاعتذار لأحد رموزها لأنك عندما تشكك وتتهم ضابطاً برتبة الفريق أول فكأنك أسأت للقوات المسلحة نفسها، وهذا ما حدث في مقالك بدون عنوان الذي فرحت به في الوسائط، والمؤسف حقاً انك تجزم أن ما كتبت مقالًا، وما كتبته ليس بمقال ولكننا رددنا لأنه اتهام، بمقدار ما تعتقد في الحوبة حتى تفهم وتعي ما تقول، في عنف الاستقامة العسكرية.

 

  • زميل الأكاديمية العليا للدراسات الإستراتيجية والأمنية.
  • خبير إعلامي وصحافي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى