مناوي حاكماً لدارفور.. الفرص والتحديات

تقرير فاطمة علي سعيد

أعلن أمس عن تعيين رئيس حركة تحرير السودان وعضو مجلس الشركاء مني أركو مناوي حاكماً لدارفور ضمن استحقاقات اتفاقية السلام. وغرد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك على حسابه بتويتر بالقول (استجابةً لاستحقاقات اتفاقية جوبا لـ سلام السودان وعملاً بأحكام الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية، أصدرتُ قراراً رقم (104) بتعيين السيد مني أركو مناوي حاكماً عاماً لإقليم دارفور).. وطالب الوزارات والجهات ذات الصلة اتخاذ إجراءات تنفيذ القرار..

مناوي تنتظره كثير من التحديات والعقبات والتباينات لإدارة الإقليم.

(الصيحة) وقفت على الفرص والتحديات التي تنتظر الحاكم الجديد لدارفور.

طريق الورود

نصت اتفاقية جوبا في حال تعذر قيام مؤتمر نظام الحكم في الموعد المحدد، يتم تفعيل حكومة إقليم دارفور بكامل سلطاتها وصلاحياتها في مدة لا تتجاوز ٧ أشهر من تاريخ التوقيع على الاتفاق، مما جعل الضرورة لجوء الحكومة العمل بنصوص الاتفاق وتعيين حاكم لدارفور وبعد مرور أكثر من ستة أشهر على  اتفاقية السلام.

مؤتمر الحكم

يرى عضو المجلس السيادي ورئيس اللجنة العليا لمؤتمر نظام الحكم محمد حسن التعايشي، أن حاكم إقليم دارفور سينتظر انعقاد مؤتمر الحكم لمعرفة هياكله. وأضاف، مناوي أكد في حلقة نقاش، إن الحكم الفيدرالي مطلب جميع الحركات التحررية في العالم، على حد قوله. وأشار إلى أن نظام الحكم اللامركزي، كان موجودًا حتى في الأنظمة العسكرية، مؤكدًا أن ذلك التطبيق لم يعنِ إشراك الشعب في القرار.

تخبط سياسي

وفسر المستشار القانوني النور محمد قرار تعيين مناوي بالقول حتى الآن قانونياً لا يوجد ما يسمى إقليم دارفور. رغم صدور مرسوم عام بالعودة إلى نظام الأقاليم يتم تطبيقه بعد انعقاد مؤتمر نظام الحكم، وأكد لـ(الصيحة) أن قانون الحكم الاتحادي 2020 الذي ينص على الولايات الحالية ما زال سارياً. وأشار إلى أن مؤتمر الحكم الاتحادي هو الذي سيحدد الأقاليم عددها وحدودها وسلطاتها ومهامها وهياكلها ومستويات الحكم. وأضاف: بعد ذلك أن يتم حسم الأمر بالمؤتمر يجب تعديل قانون الحكم الاتحادي لينص على الأقاليم وأسمائها وحدودها وكيفية تعيين حكام الأقاليم وسلطاتهم وصلاحياتهم. وزاد: بعد اكتمال النقاط أعلاه يصدر أمر تأسيس لكل إقليم مرفق معه خريطة تحدد حدود الإقليم المعني. ومن ثم تأتي مرحلة تعيين حكام الأقاليم. وقال إن القرار فيه تجاوز لكل تلك الخطوات، وأصداره قراراً بتعيين حاكم إقليم (واحد), دون أدنى رؤية عن الأقاليم الأخرى، ودون صلاحيات محددة، ودون أن يكون هناك إقليم منشأ أصلاً بأمر تأسيس مستند لقانون، واصفاً ذلك بأنه لا يستقيم مع القانون ولا مع الواقع لا سيما وأن هناك ولايات قائمة بدارفور عليها ولاة يمارسون سلطاتهم ولم يصدر أمر بإقالتهم بعد. وأضاف: بهذه التعقيدات والاستعجال فإن القرار يقدم إشكالات تخص السلطة أكثر من كونه يقدم حلولاً تخص المواطنين.

حظوظ وتأييد

بعض المصادر أكدت أن حظوظ نجاح مناوي مرتفعة  في ظل التأييد الواسع الذي يحظى به علاوة على سجله الناصع في ساحات النضال وتجربته السياسية وخبراته في القيادة والحكم. وقال عضو منبر المجتمع المدني الدارفوري آدم محمد لـ(الصيحة) إن أبرز التحديات التي تواجه الإقليم التشريعات القانونية التي تضبط علاقة الإقليم بالولايات وبالمركز، إضافة إلى التحديات المالية، والوفاء بالمبالغ المرصودة في اتفاق السلام لإعادة إعمار ما دمرته الحرب في دارفور. مؤكداً أن مناوي سيكون حاكماً لإقليم دارفور حسب التوافق السياسي فقط.

تجريب مجرب

غير أن الباحث في مجال السلام محمود زين العابدين  قال إن فكرة الإقليم الواحد مجربة من قبل في أبوجا والدوحة، وأن الجديد يفترض أن يكون في مؤتمر الحكم والإدارة لتحديد ما إذا كان نظام الحكم المناسب للسودان هو الحكم الإقليمي أم الولايات، الأمر الذي لم يحدث بعد، وأن كل الترتيبات الحالية انتقالية، وستحدد الأمور لاحقاً وفقاً لنتائج المؤتمر، وأضاف لـ(الصيحة) أن هناك تحديات كبيرة في نظام الحكم والعلاقات بين مستوياته، وأشار أن هذا الصراع سيؤثر على حالة السلم، وأوضح أن هناك 20 مليون نازح في معسكرات النزوح واللجوء، وحركات لم توقع، الأمر الذي يجعل من مهمة مناوي صعبة، وقد ينجح فيها وقد لا ينجح.

تجربة أبوجا

وقلل الخبير في الشأن الدارفوري أحمد المهدي من تلك الآراء وأكد أن المشاركة قد فرضتها ظروف محلية وإقليمية ودولية، وبناء على اتفاق سلام. ومشاركته لا تقل بأي حال من الأحوال عن مشاركة الراحل د. جون قرنق في تلك الفترة التي شهدت مشاركة أغلبية القوى السياسية. مضيفاً “تجربة أبوجا رغم مساوئها، قدمت الكثير لشعب الإقليم في المجالات السياسية والأمنية وفي حقل التعليم، ويعتقد أن مناوي  الأقدر على انتزاع حقوق مواطن الإقليم والتصدي لقضاياه، بجانب التأييد الواسع الذي يحظى به من قبل بعض حركات الكفاح المسلح|”. وأضاف لـ(الصيحة): دارفور بحاجة إلى قائد حازم وقوي، وأعتقد أن هذه السمات متوافرة بشدة في شخصية مناوي. وقال: ظل مناوي الوحيد الذي يجاهر بآرائه وينادي بإسقاط هيمنة المركز على الأقاليم. وأردف: لا أستطيع أن أؤكد مسألة نجاحه من عدمها . الأمر هنا يتعلق بالصلاحيات والسلطات الممنوحة له وإذا منح سلطات واسعة مثل نظرائه في الدول التي تعتمد مثل هذا النظام، أستطيع التأكيد بأنه سوف ينجح. أما إذا كان المنصب اسمياً فقط  فإنه حتماً سوف يفشل”.

رتق النسيج

وقطع منسق الرحل محمد كبرو بأن مناوي لا يستطيع تمويل تنفيذ الاتفاق، ويضيف بأن هناك تساؤلاً مطروحاً حول قدرته على رتق النسيج الاجتماعي ومعالجة المشكلات المتجذرة، مشيرًا إلى أن مناوي لديه تجربة سابقة، وأن تقييمها يجب أن يكون في سياقها وظروفها والحكومة التي جاء فيها وصلاحياته، وقال: الآن الواقع تغير، والحكومة التي جاء عبرها أيضاً مختلفة، وزاد: يمكن له كحاكم إقليم أن يتحرك في مجال التنمية ورتق النسيق الاجتماعي، وهذا يتطلب منه أن يتجرد عن كونه رئيساً لحركة، وأن يتصرف كحاكم لإقليم، ويحتاج في ذلك أن يستوعب حتى المكونات التي لم تشارك في اتفاق جوبا، ليكونوا جزءًا من القرارات والسياسات التي ينتهجها.

لحمة الإقليم

ورأى كبرو أن التحدي الكبير هو كيفية المحافظة على لحمة الإقليم، خاصة وأن هناك تصورا مسبقاً عن مناوي تشكل خلال الفترة الماضية، يحتاج لاختراق الجدار وتغيير الصورة الذهنية، بأن يأتي بممثلين لكل مكونات دارفور ويكونوا جزءاً من الإدارة، حتى تعبر سياساته عن كل أهل دارفور. وأوضح بأنهم ليست لديهم مشكلة كتنسيقية رحل مع مناوي، ويريدون منه فقط أن يستوعب كل مكونات دارفور، وأن لا يأخذ قرارات بمفرده، وينفذ ما يقرره الجميع عبر برلمان شعبي، وأن ينتهج سياسات واضحة في قضية المراحيل والصواني، لتحديد تغول المراحيل على الزراعة أو تغول الزراعة على المراحيل، ويتم تحديد المسارات بشكل واضح.

اتساع الفرصة

ويقول الكاتب والمحلل السياسي عبد الله آدم خاطر بغض النظر عن طبيعة المرحلة القادمة والحالة التشريعية فيها، يستدعي استكمال تطبيقات الوثيقة الدستورية وبرتوكولات سلام جوبا، ويضيف في حديث لـ(الصيحة) مهما كانت قلة خبرة الذين يضطلعون بتطبيق اتفاقيات جوبا في المرحلة الانتقالية، إلا أن الفرصة قد اتسعت للتدريب ولمعرفة التاريخ، ومعرفة ما حدث، وأن دارفور ستساهم في نقل السودان إلى واقع جديد بالصيغة الفيدرالية ديموقراطياً في آفاق جديدة، سواء كان ذلك في علاقة دارفور بالولايات والأقاليم الأخرى، أو في مساهمتها ضمن الأقاليم لتغير سياسات المركز بما يتفق والعدالة الدستورية.

صنع سياسات

وجزم خاطر أن خبرة مناوي العملية في مجال الإدارة وصنع السياسات ضعيفة لحد كبير، لكنه الآن يمثل رمزية التحرير والمبادرة لإقليم دارفور في إطاره الكبير، وفي نفس الوقت يمكن أن يشكل رمزية في استقرار العلاقات بين السودان والدول المجاورة التي كان ضيفاً عليها في وقت من الأوقات، وبطبيعة الحال، فإن الدولة الحديثة هي دولة مؤسسات، وإذا اكتفى مناوي بالرمزية، فالمؤكد أن هناك مؤسسات  يمكن أن تتجاوز بدارفور أي أزمة محتملة في الإطار الاجتماعي أو الاقتصادي. ويضيف خاطر: إن التحدي وارد، ليس فقط بسبب أهل دارفور، لكن بسبب البيئة والظروف المحيطة بها خارجياً، لأن دارفور هي المدخل افريقياً للسودان لغرب افريقيا ولدولة جنوب السودان ولما بعدها لدول البحيرات الكبرى، فضلاً عن الشمال، عن طريق ليبيا إلى كل الشمال الافريقي.

حظوظ ضعيفة

ويرى عضو هيئة محامي دارفور محمد صديق لـ(الصيحة) أن مواطني دارفور يتخوفون من تكرار التجارب السابقة في أبوجا والدوحة، ويعتبر أن كل المكاسب التي حققتها هذه الاتفاقيات ذهبت لأشخاص، ولم تحقق لأبناء الإقليم شيئاً، وأنها جميعاً فشلت في تحقيق سلام حقيقي، وفي ظل الواقع الاجتماعي الهش، وأنه لا يمكن أن ينجح الحكم الإقليمي دون أن تكون هناك مصالحة بين المكونات الاجتماعية في دارفور، خاصة وأن هناك مرارات حدثت في فترة الحرب.

مركز القرار الحكومي

وقال الخبير الدارفوري والمحلل السياسي إسماعيل عبدالله لــ(الصيحة) أن تعيين حاكم أقليم دارفور استحقاقاً لما نصت عليه اتفاقية جوبا للسلام، يكون مركز القرار الحكومي في الخرطوم قد أزاح عن كاهله عبئاً ثقيلاً من الواجبات المباشرة، الواقعة على ظهره والمرتبطة بحلحلة المشكلات الأمنية والسياسية بالأقليم، وبذلك تتحول هذه الأعباء المكلفة لطاولة المسؤول الأول عن إدارة الأقليم لا سيما وأنه من أبنائه، وكما قال الحاك الأسبق للأقليم الطيب إبراهيم محمد خير بدايات عهد الإنقاذ، أن دارفور ليست اقليماً وانما تمثل دولة بتنوعها الثقافي والاجتماعي وارثها الحضاري، وكان يتباهى أمام (ولاة الولايات) حكّام الأقاليم الأخرى في مؤتمر الولايات الذي يعقد سنوياً، فيتفاخر بأنه حاكم لدولة كبرى وليس والياً على مقاطعة صغيرة، هذا الواقع لا يعلمه كثير من أهل السودان حتى تطأ أقدامهم أرض ممالك الداجو والتنجر وسلطنات المساليت والفور القديمة، حيث محافظة أهل الأقليم على لهجتهم العربية الخاصة واعتدادهم بهويتهم الدارفورية، المنعكسة في التدين والتراث والفلكلور الشعبي والعادات والتقاليد التي لم تندثر، هذا غير النشاط الاقتصادي الواسع الداخلي بين المناطق والخارجي المشترك مع دول الجوار، لكن المحزن أن الحرب فعلت فعلتها وخرّبت كل شيء، مما يضع حاكم الأقليم المعيّن حديثاً في مواجهة مع التحديات الآتية، وأضاف لم ينعم إقليم دارفور منذ ثمانية عشر عاماً بسبب الحرب المشتعلة بين قوات حاكم الاقليم والقوات الحكومية وقتئذ، فارتكبت بحق سكان الأقليم جرائم حرب وابادة جماعية أدت لنزوح ولجوء عدد كبير منهم، ومازالوا يقطنون المعسكرات هرباً من آلة الموت، وبحسب نصوص اتفاق سلام جوبا هنالك قوات مشتركة من الجيش الحكومي وجيش الحركات المسلحة ستنشأ لبسط الأمن في الأقليم، هذا مع العلم أن هنالك جيوش للحركات المسلحة الأخرى التي لم تنضم لقطار السلام، الأمر الذي من شأنه أن يخلق بؤرة من التوتر وزعزعة للأمن والاستقرار ما يجعل مهمة القوات المشتركة صعبة إن لم تكن مستحيلة، وأحداث الجنينة التي لم تخمد نارها خير شاهد على الاستقطاب والاستقطاب المضاد بين الحركات الموقعة على اتفاقية السلام والأخرى المهمّشة، إضافة إلى الجرائم المتهم بها قادة كبار بقوات حاكم الأقليم عندما كان متمرداً على سلطة الخرطوم وقادة آخرين من القوات الحكومية الشريكة، حيث يعزم بعض القانونيين من أبناء تلك المناطق على تحريك دعاوى قضائية تطال متهمين بارتكاب تلك الفظائع، فانفراط عقد الأمن بالأقليم ضلعت فيه جميع أطراف الصراع –  قوات حكومية وجيوش متمردة.

وقال إن الحال سيظل كما هو الدولة السودانية المؤقتة، مشيرا إلى الضعف والاضمحلال وعدم الاجماع الوطني الشعبي على تعيين على تعيين حاكم أو وزير، مضيفا أن الرجل الوحيد الذي جاء بجامع ثوري هو رئيس الوزراء، أما مساعدته جاء محمولا على بنود اتفاق أو مرشح من مركزية قحت، ويضيف مثل هذه الأجواء غير الديمقراطية تصبح كل الاحتمالات واردة، وأضاف أن نقطة الضعف الوحيدة لحكومة الاقليم المرتقبة هي وجود القوى السياسية والشعبية والعسكرية خارج دائرة الفعل السياسي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى