القرآن دستور الدولة.. استهلاك سياسي أم رسالة للحلو؟

تقرير صلاح مختار

سيجد وزير الشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح, الذي أكّد أن القرآن الكريم هو الدستور الحقيقي للدولة وللأمة, سيجد نفسه محاصراً بكثير من الانتقادات من دعاة العلمانية أو من دعاة فصل الدين عن الدولة. وقطع مفرح بأنه لا مجاملة في ذلك. وأكد خلال مُخاطبته, حفل تخريج حَفَظَة القرآن الكريم بمجمع خلاوى الهدى بالمويلح, أن الدولة ترعى شؤون المسلمين وتقف على مسافة واحدة من كل الأديان وإدارة التنوع, مشيراً إلى أن البلد بها أكثر من ديانة سماوية والعديد من الديانات الثقافية الأخرى, وأكد مفرح أن اختلاف الأديان محل احترام ولا خلاف ولا صدام بين الأديان, وقال “لا يستطيع أحد أن يلزم الناس على أيديولوجية واحدة وأن التشدُّد الأيديولويجي وإجبار الناس على اتباع نهج مُحدّدٍ كان سبباً في سقوط النظام السابق.

ورغم محاولة التبرير الشكلي والتخفيف من حدة أن الدين هو المصدر في الدستور، فإن السؤال الذي يدور في ذهن المراقب هل يمثل حديث وزير الأوقاف أوبة لتصحيح ما اتفق عليه في جوبا أم عبارة للاستهلاك السياسي؟.

علمانية الدولة

في جوبا عاصمة جنوب السودان وقّعت الحكومة والحركة الشعبية شمال في وقت سابق، على برتوكول (إعلان مبادئ) نص على علمانية الدولة ويعني فصل الدين عن الدولة، وحيادية الدولة في الشؤون الدينية، وكفالة حرية المعتقدات، وألا تتبنى الدولة أي ديانة لتكون رسمية في البلاد. وهو أمر يمهد للتفاوض مع الحركة الشعبية جناح الحلو الشهر المقبل. الاتفاق برر له رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي قال إن توقيع الاتفاق يمثل بداية حقيقية للمرحلة الانتقالية في السودان. ولكن رئيس الحركة الشعبية شمال، عبد العزيز الحلو، أكد إن الإعلان يتيح الحريات الدينية والعرقية ويحافظ على حقوق الإنسان في السودان.

رفض مطلق

محاولة إبعاد الدين عن الدستور ووجِه بكثير من الانتقادات وردود الفعل المتباينة, واحدة منها الاستبيان الذي حققته قناة الـ(بي بي سي) الذي جاءت نتيجته أن أكثر من (80%) يرفضون ذلك, غير أن أول ردود الفعل جاء من الاتحاد السوداني للعلماء والأئمّةِ والدُّعاة، الذي رفض الاتفاق رفضًا مطلقاً، وبالأخص مبدأ فصل الدين عن الدولة، متهمًا البرهان “بتجاوز حدود ما أنزل الله”. بيد أن الحلو في موضوع العلمانية أو فصل الدين عن الدولة يقول إنهم في الحركة الشعبية ينادون بضرورة بناء دولة علمانية تقوم على الفصل التام بين الدين والدولة بحيث تقف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان وتقوم على الحقوق والواجبات، وإن الأساس في هذه الدولة المواطنة الإنسانية بغض النظر عن الدين والعرق واللون أو الجهة أو النوع.

تصريحات سياسية

أكثر ما يثير في الموضوع أن وزير الأوقاف يعلم أن اتفاق جوبا هو اتفاق مبادئ بمعنى إعلان نوايا، وبالتالي لم ينص عليه حتى الآن أو أصبح دستوريًا ولذلك يرى المحلل السياسي بروفيسور الفاتح محجوب بأن تصريحات نصر الدين مفرح وزير الأوقاف أمام خلاوي القرآن هي صحيحة حتى الآن باعتبارها تصريحات سياسية, ونوه إلى أن اتفاق الحلوــ البرهان مجرد إعلان مبادئ ولم ينتج عنه اتفاق، وبالتالي الباب لا يزال مفتوحاً على كل الاحتمالات، وقال لـ(الصيحة): من حق الوزير مفرح أن يصرح بما هو لا زال رسمياً هو دستور البلاد إلى أن يتقرر غير ذلك بعد اتمام الاتفاق مع الحلو.

واقع التفاوض

بعض المراقبين يرون في حديث مفرح قصد منه الاستهلاك السياسي ومحاولة استرضاء المكون الذي يتحدث أمامه وهم طلاب الخلاوي والرموز الدينية، وأكد مصدر لـ(الصيحة) أن تصريحات وزير الشؤون الدينية لا تغير شيئاً بعد الاتفاق الذي وقعته الحكومة مع الحركة الشعبية رغم أنه إعلان مبادئ, وإلا قد تكون الحكومة نكصت أو تراجعت عن ما تم في جوبا, وإذا كان كذلك قال لكل حدث حديث, وأضاف: إذا كان حديث الوزير معنياً به الاستهلاك السياسي فهو لن يغير ما هو معلوم بالضرورة، وهو أن الدين الإسلامي هو دين الأغلبية في السودان وأن أي محاولة لفرض العلمانية على الشعب ستجد المعارضة الشديدة من المجتمع السوداني لذلك حديثه سيفتح الباب أمام تساؤلات سيمتد أثرها على واقع التفاوض المقبل. وقال في النهاية يمثل مفرح صوت الحكومة ولم توقع الحكومة حتى اتفاق ملزم، وإن ما قاله قصد منه التعامل مع الظرف الحالي الذي هو فيه وليس لشيء آخر.

محل جدل

ويرى المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر، أن “مسألة فصل الدين عن الدولة ليست محل جدل في بلد مثل السودان في الوقت الراهن، وذلك لسبب بسيط هو أن المواطن السوداني أدرك بأنه لا يمكن أن تُستخدَم النصوص الدينية لاستقطاب الناس العاديين، أو لاستنزاف الموارد، وأن تكون مصدراً للترويج الإعلامي، وتشويش شخصية الإنسان. وقال لـ(الجزيرة نت): الدين جزء من ثقافة المجتمع وتقاليده وأعرافه، كما أن التنوع في الثقافات أسهم في وجود تنوّع عند تناول قضايا الدين، فمواطن دارفور المسلم ليس بالضرورة أن تكون ممارسته لأمور دينه كمواطن شرق وشمال السودان، لذلك أصبح الفهم الواسع لقضايا الدين هو الخيار المناسب بالنسبة إلى السودان، وكذلك الحال في ما يتعلق بإدارة التنوع”.

استغلال الدين

ولفت خاطر إلى أنه “لا يمكن أن يكون الدين سبباً في تشرذم المجتمع بأي حال من الأحوال، بالعكس فإنه في أوج حرية التديّن ظهرت اتجاهات فكرية مختلفة أسهمت في معالجة مشكلات المجتمع في ذلك الوقت، فالإسلام يظل دين الوسط والوسطية، مع العلم أن كل دعوات التشدد كان مصيرها الزوال”.  وتابع: “للمرة الأولى في تاريخ السودان تتفق كل القوى السياسية السودانية باختلاف أنواعها على المبادئ الدستورية التي تحكم الفترة المقبلة، لذلك فإن الجدل حول عملية فصل الدين عن الدولة لا قيمة له سواء من الناحية الدستورية أو القانونية أو الثقافية، حيث أصبح هناك وعي تام لدى المواطن السوداني بكل ما يحيط به ويتعلق بشؤون وطنه، فلن يقبل مرة ثانية بأن يُستخدَم الدين لاستغلال موارده”.

حساسية شديدة

تثير مسألة فصل الدين في الدستور حساسية شديدة جداً للكثيرين رغم أنه إعلان نوايا, غير أن الأقرار بأن القرآن دستور الدولة ولا خلاف عليه يثير الطرف الآخر في معادلة الحريات، ويعيب البعض على الحكومة وعلى البرهان أنه أخذ هذا الحق الذي يعني الشعب السوداني ليقرر فيه دون استشارته، وقال الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي عبد الوهاب سعد: البرهان لا يملك تفويضًا من الشعب السوداني لفصل الدين عن الدولة، وإن على الجميع احترام المؤسسية والخيار الديمقراطي في اتخاذ مثل هذه القرارات مهما كانت نتائجها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى