إفطار الإسلاميين.. تفكيك ومطاردة

تقرير- صلاح مختار

أثار قيام إفطار جماعي للإسلاميين أمس الأول جدلاً واسعًا بين مؤيد ومعارض للفكرة ولعل المعارضين للخطوة في خاطرهم أن الإفطار نظمته عناصر المؤتمر الوطني وهو حزب محلول، وبالتالي عناصرهم يريدون إعادة إنتاج للحزب وذلك محرم عليهم حتى الظهور على الملأ ناهيك في ساحة الحرية، أما المؤيدون ليس بدافع المناصرة، ولكن من باب شعارات الثورة التي وضعت في رأس أولوياتها تحقيق مبدأ الحرية والعدالة والسلام، وهناك من نصح بأن القضية ليست في جلوس شباب من الإسلاميين باعتبارهم مواطنين سودانيين من حقهم الجلوس والتمتع في أي مكان ولكن الفكرة الأساسية التي تسيطر على عقلية البعض أن هؤلاء يريدون إنتاج أو إعادة إنتاج الحزب المباد بكل تاريخه الذي وضعت حده ثورة ديسمبر وبات الحزب من الماضي بعد قرار حله، وبالتالي نصح البعض بأن عباءة الحزب القديمة أصبحت بالية وغير صالحة للإنتاج أو عادة التدوير مرة أخرى، وعلى أصحابه أو معتنقي فكرته البحث عن حلول أخرى وإنتاج فكرة جديدة تتوافق أو تتواءم وقيم الثورة السودانية في الحرية والسلام والعدالة.

غير أن السؤال الذي يطرح نفسه إلى أي مدى يقود ذلك التضييق والإقصاء على الإسلاميين من إنتاج أفكار مختلفة لا تنسجم مع قيم الثورة وتحقيق المصالحة الوطنية التي بدأ البعض يدعو لها؟ ويخشى البعض من انعكاسات ذلك على الواقع السياسي الذي كما قال البعض إنه هش؟.

عشم إبليس

وشرعت لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو فور نشر مقاطع بوجود تجمع لعناصر النظام المباد في اتخاذ إجراءات قانونية تجاه المجموعة المشاركة في العمل المخالف للقانون كما جاء في البيان، وتم بناءً على ذلك اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بالقبض على بعض المشاركين بحسب بيان اللجنة، ومن ثم تحركت قوة مشتركة ضمت الشرطة وعدداً من منسوبي الأجهزة الأمنية والنظامية الأخرى في إنفاذ إجراءات القبض على المشاركين الذين هرب معظمهم من المكان، في ما تم القبض على عدد منهم واتخاذ الإجراءات القانونية في مواجهتهم”. وأكدت اللجنة، أنه ستتم ملاحقة المشاركين في الإفطار لإلقاء القبض عليهم واتخاذ الإجراءات القانونية في مواجهتهم جراء لمخالفتهم قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩ واسترداد الأموال العامة لسنة ٢٠١٩ تعديل سنة ٢٠٢٠ وقانون غسل الأموال ومكافحة الإرهاب. وشددت لجنة التفكيك أنها لن تتهاون أو تتقاعس مطلقاً تجاه أي أنشطة لمنسوبي حزب المؤتمر الوطني المحلول وواجهاته التنظيمية والسياسية، وستقوم بالتطبيق الصارم لأحكام القانون بحظر ممارسة أي أنشطة متصلة بالحزب المحلول، وأضافت: ثورة ديسمبر، طوت صفحة النظام المدحور للأبد وأن أحلام منسوبي النظام المباد بالعودة لسدة الحكم مرة أخرى لن يكون سوى عشم للأبالسة في الجنة”.

صدام التيارات

البعض يخشى الصدام ليس المسلح وإنما الفكري بين تيارات الإسلاميين ربما الجفوة الفكرية كانت واحدة من أسباب سقوط الفكرة نفسها وعندما انهارت سقوفات الإسلاميين في ديسمبر ذهب تفكيرهم إلى إعمال النقد الذاتي والبحث عن مواضع الخلل بل البعض دعا إلى عدم العودة إلى فكرة المؤتمر الوطني وشعاراته القديمة إلى استصحاب الواقع الجديد، ومن هنا كانت الدعوة إلى مراجعة الفكرة من أساسها خلال الفترة الماضية, ولعل الرسالة التي دفع بها القيادي بالحركة الشعبية ياسر عرمان وحديثه للإسلاميين فيه نقاط يتفق معه الكثيرون من الإسلاميين ويرى عرمان أن إفطار الإسلاميين بزعم إحياء المؤتمر الوطني يراه عيباً مشيراً إلى أن الحزب المحلول قسم السودان مثلما قسم الحركة الإسلامية كما قال، ويرى أن عودة الوطني مستحيلة وما حتحصل تاني، وقال (حقو الإسلاميين يفرقوا بين الحركة والمؤتمر الوطني)، واعتبر التيار الإسلامي عريضاً ليس بحاجة إلى المؤتمر الوطني الذي وصفه بالحزب الفاشي والفاسد الذي ارتكب جرائم كثيرة وانتهت نهايته بنهاية قيام ثورة ديسمبر، وقال: ليس هنالك عاقل يدعو لعودة الوطني، وزاد: المعركة الحقيقية في كيفية تجديد التيار الإسلامي حتى يستطيع أن ينافس ديمقراطياً، وقال: مهمة التيار الإسلامي ليس إثبات الذات. ولذلك السؤال الذي يطرح نفسه كيف يعيد إنتاج نفسه وطرح فكرة مقللاً من فكرة إفطار رمضان، ولكن وقال إن أي فكرة لعودة المؤتمر الوطني خاسرة، وقال: بعد (30) عاماً كان يجب أخذ نفسًا طويلًا ومن ثم تأتي بحديث جديد ورؤية جديدة حتى تتم مناقشتها.

تبريرات ومخاوف

ربما يُخيم على الإسلاميين بكافة توجهاتهم السياسية، فكرة العزلة ومخاوف الإقصاء من المشهد السياسي ورغم أن تلك الفكرة ليست بعيدة عن واقع المشاهد على الأرض، فإن خصوم المحلول لديهم تبريراتهم ومخاوفهم تجاه حظر نشاط الحزب وهي ليست بعيدة عن مخاوف بأن الدولة العميقة موجودة تعمل على إفساد الحياة السياسية وإنتاج واقع جديد. ولعل إقرار القوى المناهضة للإسلاميين بأن تنظيمهم مازال موجودًا ويعمل في الخفاء سبباً في إجهاض أي نشاط يقوم به الإسلاميون أو واجهاتهم, وبالتالي يرى القيادي الإسلامي البروفيسور حسن مكي إن محاولات إقصاء الإسلاميين يُمهد لكارثة، إذ لا يزال شعار الإسلام هو الحل هو المسيطر في السودان وحتى في الغرب، وهو شعار يعود جذره للقاعدة الإسلامية في المجتمع السوداني المتدين والمحافظ، وبالتالي فإن إقصاء الإسلاميين مرة واحدة يُعيد ارتكاب الخطأ التأريخي للإسلاميين أنفسهم في العام 1965م، عندما حلوا الحزب الشيوعي وتم طرد نوابه من البرلمان. غير أن القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار، يقول لـ(عربي21): إن تجربة الإسلاميين في السلطة وانهيار حكمهم بثورة شعبية هو الدليل الكافي على انهيار مشروع الإسلام السياسي الذي حاول الإسلاميون تطبيقه في السودان، وأن محاولات إعادة إنتاجه ستواجه بقوة الثورة الشعبية”.

نتيجة حتمية

لعل خيبة الأمل التي أصابت الكثيرين بنهاية تجربة الإنقاذ والإسلاميين استدعت الكثيرين للدعوة إلى إخضاع التجربة إلى المراجعة الجادة للمنطلقات الفكرية والتطبيقية التي بدأت تسري بصورة أكثر جرأة وسط تيار الإسلام السياسي الذي مثلته الحركة الإسلامية في الحكم، كنتيجة حتمية للحقبة التي امتدت لثلاثين عاماً ورغم ذلك لا يؤيد الكثير منهم من محاولات التقييد والتضييق، ولذلك سخر القيادي بالمؤتمر الشعبي د. أبوبكر عبد الرازق من مخاوف لجنة التمكين حيال التيار الإسلامي، مؤكدًا أن النظام الإسلامي يحكم الآن وصوب انتقادات لاذعة للجنة عقب بيانها بمطاردة مجموعة من شباب الإسلاميين أقاموا إفطاراً جماعيًا مؤكداً أنها تعيش أيامها الأخيرة وتحدى لجنة التمكين بكل أحزابها لتنظيم إفطار جماعي يضم عددا كبيرا مثل أعداد الشباب أمس الأول، وقال: ما فعلته لجنة التمكين ادعاءات ومن ناحية قانونية غير صحيح لأن حق الحرية مكفول بموجب الوثيقة الدستورية، وتابع: ما حدث خوف ولا أحد يستطيع الإطاحة بالأحزاب والتيارات الفكرية ووصف القحاتة بالكمبارس.

قطيعة فكرية

ولكن في المقابل ترى الكاتبة والناشطة السياسية الدكتورة ناهد محمد الحسن، أن الإسلاميين هم من أقصوا أنفسهم ومهدوا بتجربتهم في السلطة لحقبة ما بعد الإسلاموية والتي تعيش قطيعة فكرية ونفسية مع هذا المشروع. وتقول ناهد لـ(عربي21): لا سبيل للتكسب من عرض بضاعتهم في سوق الفكر السوداني مرة أخرى، وأن الفرصة الوحيدة المتاحة للإسلاميين هي عبر الاعتراف والاعتذار، وعمل مراجعات جذرية، واحتمال كلفة الغفران كاملة بدون تأفف، فقد مارسوا الإقصاء والتعالي وانتموا لخارج الحدود القطرية أكثر من انتمائهم لوطنهم، ما يتوجب عليهم أن “يستغفروا” هذا الشعب وهذا التراب قبل أن يستعدوا في هذه الحياة لأي صلاة”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى