تطوُّرات سد النهضة.. تدخّلات وحلول دولية..!

 

 

تقرير/ عبد الله عبد الرحيم

يبدو أن “ثيرمومتر” المواقف بين السودان وأثيوبيا يتجه نحو التصعيد شيئاً فشيئاً، ففيما تحشد الحكومة الأثيوبية قواها الدبلوماسية والعسكرية على الحدود وتقوم بمناورات ملء السد في فترته الثانية على طريقتها وفقط، هنا في الخرطوم تتخذ الحكومة موقفاً مغايراً يكاد يطابق الموقف المصري لولا أن موقف السيسي يتسم بالصرامة الحربية شيئاً ما وتهديده الأخير بقلب الأوضاع في المنطقة رأساً على عقب إذا لم ترعوِ إثيوبيا وترضخ لمفاوضات ثلاثية مع الخرطوم والقاهرة للوصول لاتفاق، فالخرطوم ترى أن إصرار إثيوبيا على ملء السد للفترة الثانية منعزلاً عن الجانبين أو الوصول لتفاهمات بشأن هذا الملء يضر بمنشآتها الحرارية ويؤدي إلى تعميق انقطاعات الكهرباء في البلد الواسع، بيد أن مصر ترى أن عملية ملء السد تخالف عملية مورد المياه الذي أعطاها الحق في التمتع بمياه النيل مثلها مثل إثيوبيا والسودان وليست كدولة مصب فقط.

هذه المشاهد تحيل هذا الملف الحساس لدرجة أخرى من المواجهات الدولية وهنا تدخل الولايات المتحدة طرفاً محايداً للخروج بهذا الملف إلى دائرة الاتفاق الثلاثي وهذا ما يضع إثيوبيا بين فكي كماشة، فهل ستقنع إثيوبيا بهذه الوساطة وتوجيهات البيت الأبيض؟

الملء بالموافقة

في الأثناء اعتبرت وزيرة الخارجية د. مريم الصادق المهدي، أن تصرفات إثيوبيا الأحادية في ملف سد النهضة زعزعت الثقة المتبادلة، مضيفة أن إثيوبيا تراوغ لكسب الوقت لإكمال عملية الملء الثاني للسد، فيما دعت واشنطن إلى اتفاق ملزم وعادل بشأن سد النهضة. وجاءت هذه المواقف خلال استقبال مريم الصادق المهدي وزيرة، الخارجية دونالد بوث المبعوث الأميركي الخاص للسودان وجنوب السودان. وتناول اللقاء القضايا الثنائية ذات الاهتمام المشترك وعلى رأسها دعم الولايات المتحدة للسودان والحكومة الانتقالية للنهوض بالبلاد خاصة بعد خروج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وزيرة الخارجية ثمنت جهود الولايات المتحدة الأميركية ووقوفها إلى جانب السودان في القضايا الآنية الملحة حيث بحث اللقاء تطورات الأوضاع في قضية سد النهضة التي تشغل السودان ومصر وإثيوبيا. ودعت الوزيرة مريم الصادق المهدي الولايات المتحدة للانخراط في تفاوض بناء يلزم الطرف الإثيوبي بعدم الملء دون موافقة الأطراف المعنية لأن تصرفات الجانب الإثيوبي الأحادية زعزعت الثقة المتبادلة بين البلدين، مبينة أن السودان لجأ للآلية الرباعية للوساطة بعد أن علم أن إثيوبيا تراوغ لكسب الوقت لإكمال عملية الملء الثاني للسد، وهو ما لا يجب التهاون معه والسكوت عليه.

ملزم ومُرضٍ

من جهته أمن المبعوث الخاص للسودان وجنوب السودان على ضرورة التوصل لاتفاق ملزم ومرضٍ لجميع الأطراف في قضية سد النهضة، مؤكداً اهتمام الولايات المتحدة بأمن واستقرار الدول الثلاث والقرن الإفريقي، موضحاً أن الولايات المتحدة يمكن أن تقدم الدعم الفني اللازم للملف للخروج من هذه الأزمة بمواقف مرضية لجميع الأطراف. وكانت دولة الإمارات أكدت في بيان على اهتمامها البالغ وحرصها الشديد على استمرار الحوار الدبلوماسي البناء والمفاوضات المثمرة لتجاوز أية خلافات حول سد النهضة بين الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، وأهمية العمل من خلال القوانين والمعايير الدولية المرعية للوصول إلى حل يقبله الجميع ويؤمن حقوق الدول الثلاث وأمنها المائي، وبما يحقق لها الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة، ويضمن ازدهار وتعاون جميع دول المنطقة. كما أعربت وزارة الخارجية الكويتية عن “تضامن دولة الكويت مع جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان الشقيقتين في جهودهما الحثيثة في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومساعيهما لحل أزمة ملء وتشغيل سد النهضة، بما يحفظ لدول مصب نهر النيل حقوقهم المائية والاقتصادية وفق القوانين الدولية، وبما يمكن هذه الدول من تحقيق طموحاتهم في التنمية”.

مراوغة إثيوبية

واعتبر الخبير والمحلل السياسي د. الحسن إبراهيم صالح الأمر بمراوغة إثيوبية، وقال هذا امر غريب ورأى أن أثيوبيا أجبرت السودان على القبول بالوضع الراهن واشترطت على نفسها القيام بملء السد على طريقتها وبالكيفية التي تراها دون مشاركة السودان أو مصر في هذه العملية الحيوية التي تهم البلدان الثلاثة. مشيراً أن للأمر علاقة بالعملية الزراعية التي تهم هذه البلدان والتي يقوم عليها نشاطها الاقتصادي.  ونوه إبراهيم لـ(الصيحة) أنه في عام (2004) قامت لجنة خاصة بزيارة الفشقة وتسجيل كل من ادعى بأن له أرضاً وتسجيل الإحداثيات ووقع عليها من قبل الطرفين وفي عام (2005) في أديس أبابا قدم السودان مقترح معالجة مشاكل الزراعة والاستيطان كما وعدت أثيوبيا دراسة ذلك. وأكد ان أغلب المزارعين السودانيين تم حرمانهم من أراضيهم عبر التواجد القسري للإثيوبيين مؤكداً أن قيام السد في تلك المنطقة وملء بحيرته بالطريقة الأثيوبية من شأنه أن يضيع هذه الأراضي المهمة للسودان بالغضافة لتأثيراته الواسعة على الاقتصاد في كل من الدولتين مصر والسودان. وقال: هنالك اعتراف بالحدود منذ عام 2010 وتأكيد وضع علامات قديمة بواسطة رئيسي البلدين. وأشار إلى أن إنكار أثيوبيا للاتفاقيات السابقة يضعها أمام مواجهة إعلان القاهرة عام (63) وقد أعلنت فيه الدول قبولها بالحدود التي وضعها الاستعمار كذلك يضعها في مواجهة مخرجات قمة الوحدة الأفريقية التي تبنت ذلك ودعت فيها إلى احترام الدول للحدود التي ورثت من الاستعمار، واعتبر الذين يطالبون بإعادة النظر في البرتكولات ليسوا مسؤولين، وقال: ربما لا يعرفون أنها سترد إليه مناطق كبيرة عبر الوثائق ومحاضر التفاوض.

استمرار الضغط

وكان الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة قد أكد في تصريحات الأسبوع الماضي رفضهم لأي تفاوض مع إثيوبيا بالطريقة التي ترسمها  قبل إعلان اعترافها الرسمي بأحقية السودان في الحدود والمناطق المتنازع عليها.

وقال المحلل السياسي د. الفاتح عثمان محجوب لـ(الصيحة)، إن تصريحات البرهان عن رفض أي تفاوض مع اثيوبيا قبل إعلان اعترافها الرسمي بأن منطقة الفشقة أراضٍ سودانية، هو في الأساس يتعلق بالتفاوض حول النزاع على الفشقة، مشيراً إلى أنه ليست له علاقة بالنزاع على سد النهضة وفق ما قالته مصادر حكومية. وبالتالي فإنه لا يوجد تناقض بين رفض البرهان للتفاوض مع اثيوبيا، إلا بعد اعترافها الرسمي بأن الفشقة أرض سودانية وأيضاً بين دعوة السودان بوساطة رباعية بين أثيوبيا من جهة، والسودان ومصر من جهة أخرى، لحل النزاع معها على سد النهضة. وأكد محجوب أن التصريحات ليست دعوة للحرب بل هي شكل من أشكال الضغط السياسي على اثيوبيا في ظل وجود عدة ملفات نزاع معها. داعياً إلى ضرورة التفاوض والاستمرار في التفاهمات مع أديس إلى أن يتحقق اعتراف إثيوبيا بمواقف الأطراف المختلفة وبالتالي يمكنها من بعد ملء البحيرة بالطريقة التي يتفق عليها الأطراف وليس بطريقتها التي لا يرتضيها شركاؤها في مجرى النيل.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى