النظام السياسي.. رسم خارطة طريق جديدة..!

 

  الخرطوم: رشا التوم

 تُواجه البلاد أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة  على مستوى  مناطق البلاد، وبحثاً عن مخرج من نفق الأزمة السياسية المظلم، كان لابد من رؤية علمية رشيدة تضع خارطة طريق واضحة المعالم يستهدي بها مُتّخذو القرار، والتقطت منظمة أساتذة الجامعات السودانية، زمام المبادرة   وعقدت ورشة أمس بعنوان النظام السياسي  السوداني الماضي الحاضر والمستقبل، وضمت لفيفاً من أفذاذ العلماء والأساتذة الجامعيين في مختلف ضروب السياسة والاقتصاد.

وأبدى رئيس المنظمة دكتور مصطفى نجم البشاري، قلقه الواضح من  استمرار عقلية  الدولة العميقة والحرس القديم، وقال: هناك  تحرر للسلطة التنفيذية رغم المرارات، وأوضح أن التغيير قادم ولكن ببطء ويحتاج لمزيد من الوقت.

د. فتح الرحمن أحمد محمد الأمين قسم العلوم السياسية جامعة النيلين، قدم في ورقته عن  النظام السياسي بالسودان الماضي والحاضر والمستقبل، رؤية تحليلية عن الأسباب التي أدت الى فشل النظام السياسي في السودان سابقاً، وعلى رأسها الصراع الأيديولوجي بين التيارات الإسلامية واليسارية ومحاولة السعي للوصول الى السلطة بالأساليب غير الديمقراطية وتأثير تعبئة  الجوانب الطائفية والدينية والسياسية والاجتماعية وتأثيرها كوسيلة للكسب السياسي وانعكاسها على البناء السياسي مما أضعف البناء السياسي والاجتماعي للدولة.

عدم الثقة:

الورقة التي قدمها د. فتح الرحمن، كشفت عن اختلال في العلاقة بين المدنية والعسكرية وعدم الثقة المتبادلة بين الطرفين، مِمّا أدخل السودان في حلقة مفرغة من التحول من نظام ديمقراطي مدني إلى نظام عسكري والى حالة ثورة شعبية، وكل هذه العوامل لا بد من مراعاتها عند بناء نظام سياسي سوداني جديد حتى يُكتب له الاستقرار.  وقال لا بد من نظام سياسي في السودان يعترف بالتنوع وإدارته، وأن يصبح التداول السلمي للسلطة مع مراعاة طبيعة بنية العلاقات داخل النظام السياسي الجهوية والمناطقية. وأكد ان السودان رغم موارده عانى إشكالية التهميش والعلاقات المختلة بين المركز والولايات ولها تبعات أدّت إلى بروز نزاعات وصراعات، مشيراً الى الأدوات العسكرية والمسلحة والتي تتطلب توازنا بالاضافة الى اعادة اعمار المناطق المتضررة من النزاعات، وتوزيع عادل للسلطة، اي بمعنى اختلالات في توزيع الثروة والسلطة، وأضاف أن التطور السياسي في السودان واجه خللا كبيرا رغم ان السودان إحدى الدول الأكثر تأثيراً على مستوى العالم، وأوضح أن القرار السياسي يتوجب إصلاح المؤسسات المتخذة للقرار، ولفت الى أن النظم العسكرية والمدنية افتقدت الشرعية خلال الحقب الماضية علاوة على التأثر بالتدخُّلات الخارجية.

فشل النخب: 

وأقرّت الورقة بفشل النخب السياسية في بناء نظام سياسي مستقر، بجانب عدم الاتفاق على دستور دائم للبلاد والإجماع عليه لتحقيق مطالب الشعب، وجزم باختلال العلاقات وعدم الثقة بين المُكوِّنيْن المدني والعسكري وظهرت جلياً في الشعارات المتداول إبان ثورة ديسمبر.. “معليش معليش ما عندنا جيش”. وقال إن النظام يرتبط بسلوك النخبة السياسية، وشدد على التناقض بين فهم الحريات والفوضى، مما أدى إلى خلق أزمات في الهوية والبناء الوطني وازمة الشرعية للنظام السياسي، بالإضافة إلى أزمة المشاركة السياسية والتي تتسع وتضيق وتبنى بناءً على رغبة النظام الحاكم، بجانب ازمة التوزيع العادل للسلطة والثروة، وأضاف أن تلك الأزمات تم التعامل معها عبر أدوات سلمية وادوات عنيفة، واشار الى الحلول المطلوبة من قبل النظم الحاكمة والتي تتمثل في ضرورة الاستيعاب القسري للتنوع، وأكد فشل النظم السياسية التي تعاقبت على حكم البلاد منذ الاستقلال، وقال إن فترات الحكم العسكري افتقدت الشرعية، في الوقت الذي سعت فيه بعض الأحزاب لتوظيف المؤسسة العسكرية وصولا الى السلطة عبر الانقلاب العسكري، بجانب توظيف الجهوية والقبلية، وقال إن النظام السياسي المقترح يجب أن يخاطب جذور الازمة، ودعا الى بناء نظام يقوم على عقد اجتماعي يعبر عن الواقع الجغرافي. ونوه إلى ضرورة ان يكون نظاماً ديمقراطياً مدنياً يُتيح التداول السلمي للسلطة والاتفاق على دستور دائم للبلاد وتعزيز وتطبيق قيم الحكم الراشد وتطبيق نظام فيدرالي لا مركزي تُراعى فيه المناطق المهمشة التي تعرضت لصراعات، واقرار سياسة خارجية تراعي مصالح السودان، ونبه الى اهمية بناء مؤسسة عسكرية احترافية يكون لها حق احتكار القوة المسلحة وتُشكِّل ضماناً للدفاع عن الوطن.

القرار للشعب:

ومن ناحيته، اضاف بروفيسور آدم محمد، الأمين العام للمنظمة أكد أن الورشه مهمة للحديث عن النظام السياسي والسودان يشهد نوعا من الحراك والتكوين في كافة المجالات خاصة المجال السياسي، ويمثل اساتذة الجامعات قادة للرأي والفكر، وضمت الورشة عدداً من العلماء في مختلف المجالات لتقديم رؤية علمية فكرية حتى يهتدي بها متخذو القرار تمهيداً للخروج من الوضع السياسي الراهن، وزاد قائلاً: “السودان حقنا كلنا وكل سوداني له نصيب وسهم”، وطالب بعدم إعلاء المصالح الشخصية، ورحب بالاتفاق مع الحلو بهدف لم الشمل والتوافق وترك الحرب والبندقية، مشيراً إلى أنّ الشعب هو من يقرر من يحكمه مستقبلاً، واكد رئيس منتدى اساتذة الجامعات السودانية بروفيسور الهادي آدم محمد أن الورشة تأتي في وقت تحتاج فيه الدولة مثل هذه الانشطة، واشار الى ان المنظمة نشأت العام الماضي نتيجة مجهودات جبّارة ونقاشات لأستاذة الجامعات في كل أنحاء البلاد وتبلورت الفكرة بهدف تقديم رؤية سياسية اقتصادية اجتماعية، ولفت الى المشاكسات بين الاحزاب السياسية، داعيا لمواصلة الجهود للدفع بالسودان للأمام، واقر بمواجهة البلاد أوضاعا سياسية وامنية مُعقّدة.

كسب سياسي:

وأجمع أساتذة الجامعات والخبراء في مجال العلوم السياسية على ضرورة  الاتفاق بين النخب السياسية والحزبية السودانية على القيم والأهداف الوطنية المُشتركة التي تُحقِّق الاستقرار للنظام السياسي السوداني ومعالجة حالة الانقسام والتشظي التي ظلّت تعاني منها الدولة السودانية منذ الاستقلال. وأشارت الورشة الى تأثيرات الصراع الأيديولوجي وتعبئة الجوانب ذات العلاقة بالتيارات والطوائف الدينية والثقافية كوسيلة للكسب السياسي والاختلال في العلاقات المدنية والعسكرية، مما أضعف البناء السياسي والاجتماعي للدولة السودانية. واكد المشاركون على ضرورة الأخذ بآراء وأفكار العلماء والخبراء بالجامعات والمراكز البحثية السودانية للحقيق النهضة المنشودة  وصولا  الى حالة الاستقرار  للنظام السياسي  عبر الاعتراف بالتنوع  ومراعاة بنية العلاقات داخل النظام السياسي بمكوناته الجهوية والسياسية والفكرية وتحويله من مصدر للصراع والخصام الى مصدر  للقوة والنماء .

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى