شاكر رابح يكتب.. اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله

قبل الخوض في البند الخاص بفصل الدين عن الدولة الوارد في إعلان المبادئ التي وُقّعت بدولة جنوب السودان “جوبا” بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية شمال جناح الحلو، يستشهد الكثير من المسلمين والمسيحيين على حد سواء بقول السيد المسيح عليه السلام “اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله” كدليل على التوافق بين المسيحية والعلمانية، علماً بأن هناك تجاهل ـو عدم دراية بأصل الحكاية، يحكى أنه جاء هذا القول المشهور عندما سئل المسيح من تلاميذه  فيما يخص دفع الجزية لقيصر، إذا أقر المسيح دفع الجزية لقيصر يكون بذلك خائن لوطنه لمصلحة المحتل، أما إذا رفض دفع الجزية يكون شكل معارضة لقيصر، “اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله” يتم تأويله على أنه دعوة لفصل الدين عن الدولة أو ما يعرف بالعلمانية، وهناك الكثير من المسيحيين يرفض هذا التأويل الظاهري لهذه المقولة ويرون أن ذلك تضييق على الدين المسيحي، وفي الواقع أن كثيراً من الدول الأوروبية دينية ومدنية وديمقراطية ومنها الاتحاد السويسري.

أعتقد أن الإسلام والمسيحية غير متوافقين مع مبدأ فصل الدين عن الدولة.

أما في وقتنا الحاضر وتحديدًا في السودان، فقد دار نقاش مستفيض حول تضاد الإسلام والعلمانية، ولم نصل إلى نتيجة مُرضية، علماً بأن الإسلام كفل حرية الأديان والديمقراطية وأقر الدولة المدنية التي تتحدث عن الحرية والعدالة منذ آلالف السنين، وهناك من يدعي افتراء أن الإسلام غير متوافق مع الديمقراطية ونظم الحكم المدني، وما الديمقراطية إلا وجه آخر لقيمة إسلامية أصيلة وهي الشورى.

هناك علماء كبار اتفقنا معهم أم اختلفنا في رؤيتهم أكدوا على ضرورة فصل الدين عن الدولة مثل الشيخ محمد عبده وقاسم أمين وطه حسين وغيرهم، وقد أصدر الشيخ علي عبد الرازق أحد علماء الأزهر كتاباً طالب فيه بفصل الدين عن الدولة فواجه سيلاً من الانتقادات.

ويعتقد كثير من العلماء أن الإسلام دين ورسالة إنسانية وليس دولة، وهذا الفهم معمول به في كثير من الدول الإسلامية التي تنص في دستورها أن الإسلام دين رسمي للدولة ومثال لذلك تركيا وتونس، قد عملت حكوماتهما على إبعاد الشريعة عن السياسة ونظام الحكم .

أعتقد أن توقيع إعلان المبادئ وإقراره بمبدأ فصل الدين عن الدولة والالتزام بتضمين ذلك في الوثيقة الدستورية رغم معايبها واختلالاتها وأن تكون هي نفسها الدستور الدائم للبلاد بعد نهاية الفترة الانتقالية أدخل المشرعين في استشكال قانوني وسياسي وأخلاقي.

وللحديث بقية

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى