سراج الدين مصطفى يكتب..  كلمات عن ود اللمين!!

(1)

تعودت أن أكون حضوراً في كل حفلات الموسيقار محمد الأمين، وهي عادة درجت عليها منذ ما يقارب الـ15 عاماً وهي عادة لم ترتبط بوجودي في الخرطوم والإقامة بها بل كنت أهاجر من مدينتي الحبيبة كوستي وأحضر خصيصاً لحفلاته، وأعود في اليوم الثاني راجعاً غير مكترث بتعب السفر.. ولا أذكر بأنني تغيبت عن حفل له إلا (للشديد القوي).

(2)

محمد الأمين من عينة الفنانين الذين لهم حضور طاغٍ على خشبة المسرح.. لأنه يتجدد في الأداء، ومن المستحيل أن يؤدي أغنية واحدة بطريقة واحدة، فهو يتلون في الأداء في كل مرة.. ثم أنه عرف عنه بأنه يجدد موسيقى أغنياته.. والأغنية عنده تأخذ شكلاً جديداً في كل مرة من حيث تغيير بعض الجمل واللزمات الموسيقية وحتى الحركة الإيقاعية تتسم بالثراء والحيوية.

(2)

ودموع محمد الأمين التي ظل يذرفها دائماً كانت سبباً في التفاعل الكبير الذي يجده.. فهو من شدة إحساسه بأغنياته يبكي، لأن كل أغنية عنده تمثل موقفاً وجدانياً يستدعي الدموع من أطراف العيون.. لذلك ظلت هذه الأغاني في مقدمة الذهن لا تعرف النسيان، ولا التثاؤب  يعرف الطريق إليها.

(3)

ما يفعله محمد الأمين في المسرح ينتمي لجنس الدهشة.. لذلك لا يترك لجمهوره سوى الصمت والإصغاء بكل الحواس.. فهو يجعلها تتأدب في حضرته.. كما أنه على درجة عالية من الرهافة والحساسية، لذلك يرفض الأحاديث الجانبية.. وأذكر أنه في إحدى حفلاته توقف عن الغناء حينما كان يغني أغنية زاد الشجون، وذلك لأن بعض الحاضرين لم يكونوا في حالة إصغاء كامل له.

(4)

الساحة الفنية في السابق كانت لا تتيح الوجود السهل ما لم تتوافر عناصر عديدة.. فهي كانت مليئة بالمبدعين الخلاقين أصحاب المواهب العالية.. ومحمد الأمين ما كان له أن يحقق كل هذا النجاح في وجود عمالقة أمثال إبراهيم الكاشف وعثمان حسين وأحمد المصطفى ومحمد وردي وغيرهم من المبدعين الأصلاء الذين وضعوا الأسس الأولى للغناء السوداني وارتقوا به عالياً دون مجلس مصنفات أو مهن موسيقية.. كان الضابط الوحيد هو الموهبة العالية والمختلفة.

(5)

في تلك الظروف كان تكوين محمد الأمين، إضافة إلى وعيه المبكر بدارسة النوتة الموسيقية وعلوم الموسيقى الأخرى مثل القواعد والصولفيج  ومهارته العزفية على العود، كل هذه العوامل والتأثيرات التي تفاعل معها جعلت محمد الأمين يبتكر ويجدد ويطور شكل الخماسي، فبعد معرفته السلالم الموسيقية وكيفية استخراجه لها وإضافة النغمة السادسة للخماسي كما يقول الدكتور الفاتح حسين.

(6)

المتأمل لتجربة محمد الأمين لا يمكن أن يغفل أو يتناسى علاقته العميقة مع (آلة العود)، فهو يعتبر من أبرز الذين يتقنون العزف عليها بجانب الموسيقار الراحل برعي محمد دفع الله.. ولعل امتلاك محمد الأمين المهارة العالية في عزف العود جعله يكتشف أسرارها.. لأ محمد الأمين نهاية الخمسينات من القرن الماضى بدأ  تعلُّم آلة  العود، ويرجع الفضل إلى الأستاذ السر محمد فضل، وهو درّس محمد الأمين كيفية العزف على العود .

(7)

والمفارقة تبدو واضحة إذا علمنا أن محمد الأمين ومنذ صغره وهو لا يتجاوز الرابعة من  العمر كان يدندن بصوته ويلحن بل عندما يطلب شيئاً وهو فى هذه السن الطفولية،  كان يطلبه بشكل لحن.. وكل ذلك اتضح فيما بعد ليس في التجديد المختلف فحسب, وإنما أبان عن قدرة خارقة في تمهيد الطريق للتجريب اللحني والموسيقي.. وذلك هو سر عظمة محمد الأمين واحتفاظه بكل هذا الألق عبر السنين الطوال.

(8)

العلاقة ما بين محمد الأمين وجمهوره علاقة وجدانية في المقام الأول، ترتكز على العديد من أنماط الارتباط الحميم.. ولعل أغنياته هي السبب الأول الذي يجعل جمهوره منضبطاً سلوكياً ولا يعرف التمرد والدمار والخراب الذي يحدث من جمهور بعض الفنانين.. ولا أظن أننا سمعنا يوماً أن جمهور محمد الأمين كان فالتاً ومتفلتاً.. ذلك لأنهم صفوة ونخبة من المستمعين الذين تتفاوت أعمارهم ما بين كل الأجيال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى