جعفر باعو يكتب.. حُلم الريف

*في الأخبار أمس أنّ رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك دعا إلى الهجرة العكسية من المدن إلى الريف بهدف الزراعة وزيادة الإنتاج والإنتاجية.

*دعوة حمدوك مقبولة من ناحية الواقع والمنطق، الذي يقول إن السودان دولة زراعية، والطبيعي أن تكون الكثافة السكانية في أماكن الإنتاج والزراعة، وإن فعل أهل السودان ذلك، فإنّهم غير محتاجين إلى الودائع الدولارية التي تأتي من الدول الصديقة والصناديق الدولية، ولكن هل واقع الريف مُهيأ لاستقبال المُواطنين الذين هربوا منه إلى المدينة؟

*بالطبع الإجابة لا، فجل الذين قدموا من ولاياتهم للخرطوم وغيرها من المدن الكبيرة كان بسبب انعدام الخدمات الضرورية في تلك المناطق التي هجروها.

*حمدوك في مخاطبته للمؤتمر الزراعي الشامل، أكّد دعمه الكامل للقطاع الزراعي والنُّهوض به في المرحلة المُقبلة باستخدام التقنيات الحديثة والاهتمام بالصناعات التّحويليّة، ودعا إلى أهمية الهجرة العكسية للريف والزراعة بروح التغيير والأمل لمُحاربة الفقر والجوع.

*كل ما ذكره الدكتور حمدوك جَيِّدٌ، ولكن الشعب السوداني يريد أفعالاً وليس أقوالاً، فهل وفرت الدولة كل ضروريات المواطن في الريف من صحة وتعليم وخدمات أساسية؟ دعك من الريف هل فعلت الحكومة ذلك في المدن الكبيرة؟ دعك من المدن الكبيرة، هل فعلت ذلك في عاصمة السودان التي تستقبل يومياً آلاف القادمين من الأرياف والمدن الأخرى التي لا توجد بها خدمات..؟

*إن الهجرة العكسية التي “يحلم” بها رئيس الوزراء هي الحل الناجع للكثير من مشاكل العاصمة “القومية”، ولكن هل يعود المواطن إلى الريف وهو يعلم أن ابنه إن مرض لن يجد العلاج، وإن كبر لن يجد التعليم المناسب.

*حسناً.. العالم أجمع يدرك ان السودان قوته الاقتصادية في الزراعة، وان جل أراضيه صالحة للزراعة، وكتبنا هذا الحديث مئات المرات في ظل الحكومة السابقة وكتبناها مع بداية ثورة ديسمبر وبعد تشكيل الحكومة الانتقالية ونكتبه الآن، إن حل مشكلة الاقتصاد السوداني لن تتم إلا بالزراعة وهذه الزراعة تحتاج إلى مقومات وأهمها العنصر البشري، وإن نجحت الحكومة في توفير احتياجات البشر في مناطق الإنتاج، فلن تجد مواطناً واحداً في هذه العاصمة المتحجرة!!

*في سنواتٍ قليلةٍ، ارتفع تعداد سكان الخرطوم من اثنين مليون نسمة إلى عشرة ملايين، وفي صباح كل يوم يزداد هذا التعداد بسبب انعدام الخدمات في الولايات الأخرى والأرياف، فالجميع أصبح يقصد الخرطوم، وهم لا يعلمون أن الخرطوم لا تقل عنهم سواء في شُح الخدمات وارتفاع أسعار الدواء والتعليم والمصروفات اليومية!!

*لذا قلنا إن حمدوك يحلم، ونحن كذلك نحلم بخدمات في كل مدن السودان وأريافه، ونحلم بارتفاع الإنتاج الزراعي وارتفاع إنتاج التعدين، ونحلم بأن يكون الدولار في مُتناول أي مواطن بمقابل زهيد من الجنيه السوداني، ونحلم بأن يصبح السودان أخضر في كل ربوعه، ولكن هذه الأحلام لا تتحقّق ونحن ننظر تحت أقدامنا، لا بُدّ من عملٍ مُتكاملٍ من هذه الحكومة “المُؤقّتة” حتى تهيئ الطريق لحكومة الديمقراطية القادمة عبر صناديق الاقتراع، وإن لم يكن السيد حمدوك وحكومته يملكان خططاً فعلية لذلك، فسنظل نحلم إلى أن تقوم الساعة!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى