التدهور الأكاديمي بالجامعات.. المستقبل في خطر

انهيار في بيئة العلم والعمل ومظاهر سالبة تهدد العملية التعليمية

أستاذ جامعي: الواقع سينعكس على مخرجات التعليم العالي

الخريجون لن ينافسوا في سوق العمل الخارجي والبيئة طاردة للطلاب والأساتذة

رئيس الهيئة: الهيكل الراتبي أكبر التحديات وقرار المالية يؤدي إلى انهيار التعليم العالي

مصادر تؤكد خروج العديد من المعامل ومراكز الأبحاث بالجامعات لانعدام الأموال

الخرطوم: أم بلة النور

ظلت مؤسسات التعليم العالي في اضطراب مستمر منذ اندلاع ثورة ديسمبر  في العام 2019م، ثم أعقبتها جائحة كورونا، والتي لا تزال تلوح في الأفق، ليأتي الوضع الاقتصادي والذي ألزم التعليم في كافة المستويات الفراش الأبيض، لا سيما التعليم العالي الذي يحتاج إلى ميزانيات إضافية لتسيير تلك المؤسسات والتي تشتمل على توفير السكن لطلاب الولايات إلى جانب توفير الخبز والوقود داخل مؤسسات الصندوق القومي لرعاية الطلاب،  الأمر الذي انعكس بصورة سالبة على العملية التعليمية، حيث أصبحت هناك أوضاع مأساوية داخل المعاهد والجامعات، إلى جانب التدهور الأكاديمي وسط الطلاب نسبة للعديد من الأسباب والعوامل التي تأتي في سياق التحقيق التالي.

هجرة الكوادر

من أهم عوامل التدهور الأكاديمي داخل الجامعات عدم تثبيت الهيكل الراتبي للأستاذ الجامعي والأوضاع الاقتصادية التي يعيشها، والتي جعلت الأبواب مشرعة للهجرة الجماعية الكوادر العاملة في هذا المجال، آلاف  من الأساتذه وأصحاب الدرجات العلمية التحقوا بالعمل خارج البلاد، الأمر الذي أدى إلى تدهور الوضع الأكاديمي، إضافة إلى عمليات إيقاف عدد كبير من الأساتذه بحجة إزالة التمكين، فقط لكونهم تم تعيينهم في فترة النظام السابق، حيث يرى البعض ضرورة فصل التعليم عن السياسة، إلا أن الفترة الانتقالية لم تراع مصلحة المؤسسات التعليمية العليا وأطاحت بعدد كبير من أصحاب الخبرات والتجارب .

بيئة طاردة

فيما يرى  المحاضر بجامعة السودان كلية الهندسة المهندس  عوض يوسف، أن البيئة طاردة والأوضاع غير مستقرة، وهناك ضعف في الإمداد الكهربائي والمائي داخل الجامعات، إلى جانب أزمة الوقود التي أثرت في تشغيل المولدات الكهربائية إن وجدت، إضافة إلى الوضع الاقتصادي  الذي اعتبره غير مساعد لاستمرار عملية التعليم العالي، حيث أصبح الأمر معقداً جداً، ويحتاج إلى توفير المال الذي هو عصب الحياة، وأشار إلى أن الوضع الاقتصادي للأستاذ الجامعي جعله يلجأ إلى تدريس الطلاب خارج القاعات بالمراكز الخاصة وبيع الملازم حتى يتمكن من توفير قوت يومه في ظل الأوضاع الاقتصادية والتأخر المستمر للراتب غير المجزي في الأساس، وأشار إلى وجود ظواهر أخرى تصدر من بعض الأساتذة، وأرجع ذلك إلى الأزمة الاقتصادية والتي تؤثر على الأخلاق .

ظواهر سالبة

وفي ذات الاتجاه، تحدث لـ (الصيحة) عدد من الطلاب عن ظواهر غريبة تحدث داخل قاعات الدراسة، وأشار طلاب إحدى الكليات الأمدرمانية العريقة إلى أن نجاح الطالب في أي مادة يعتمد على شراء الملازم من أستاذ المادة والتي تكون بثمن مرتفع من سعر نسخها أو الحصول عليها من المكتبة إلا أنهم يتحصلون عليها من الأستاذ مباشرة لضمان تسجيل أسمائهم في قائمة الحضور، وبالتالي النجاح في المادة .كما تحدثوا أيضًا عن عدم جلوس بعض الطلاب للامتحانات ويلجأون إلى دفع مبالغ مالية للمرور .

تأخير مستمر

ظلت مرتبات العاملين بمؤسسات التعليم العالي في تأخير مستمر، وقد تعتبر إحدى العوامل التي أثرت على  استقرار الدراسة،  انتهى شهر فبراير ولم تتسلم الجامعات مرتبات العاملين من وزارة المالية والتي لوحت بعدم دفع الفصل الأول على أن تعتمد الجامعات على مواردها في توفير كافة المستلزمات بما فيها مرتبات العاملين والتي تصل إلى ملايين الجنيهات وهي ليست في مقدور بعض مؤسسات التعليم العالي، التي تعاني من نقص في الموارد رغم دعم المالية لها، الأمر الذي يؤدي إلى توقف الحوافز والمكافآت والمعامل وغيرها من البنود .

وفي حديثه للصيحة قال رئيس هيئة الهيكل الراتبي للأستاذ الجامعي  دكتور عمر بلولة، إن الأستاذ هو من أهم عوامل نجاح العملية التعليمية، إلا أنه مهمش من قبل الدولة، وأشار إلى أن أزمة الهيكل بدأت منذ العام 2012م   حتى العام 2021م.

وقال عمر إن وزارة المالية أخطرت الجامعات بالتزام بالفصل الأول والذي يتجاوز 17 مليون جنيه للجامعة الواحدة فقط، والذي يعد فوق طاقة أي جامعة مهما كانت مواردها مما يحدث نقصاً أكثر من 25%  من ميزانية الجامعات، ويرى أن هذا القرار سوف يؤدي إلى انهيار مؤسسات التعليم العالي في القريب العاجل.

اصطدام بالواقع

فيما يرى المحاضر بجامعة النيلين دكتور موسى المصباح، إلى أن أساتذة الجامعات والطلاب هم طليعة التغيير الذي حدث في البلاد، وهم كانوا وقود الثورة وأكثر من ضحوا فيها بالأرواح  والزمن، حيث كان يحدوهم الأمل في أن يكون الاهتمام بالتعليم من  أول  أولويات حكومة الثورة.

حيث اصطدموا بالواقع المرير، ولم تُعط الحكومة أي اهتمام بالتعليم عموماً والجامعي خصوصاً.. بدءًا من تعيين مديري الجامعات وجاء التعيين على أساس الولاء لا الكفاءة، فالبدايات الخاطئة تقود إلى نتائج عكسية.

فالناظر إلى الجامعات اليوم يغنيه واقع الحال عن السؤال.

فلا بيئة مهيأة حيث تفتقر قاعات الدراسة لأبسط المقومات، مقاعد، إضاءة، أدوات صوت، تهوية، وعن انقطاع التيار الكهربائي حدث ولا حرج.

سابع المستحيلات

أما الجانب البشري، قال المصباح: هنا تظهر قمة عدم المبالاة، فالهيكل الراتبي لا يكفي الأستاذ لمدة أسبوع.. ورغم ذلك أصبح الحصول عليه في موعده من سابع المستحيلات.. نتيجة لتلكؤ وزارة المالية في الوفاء به .

صعوبة التنفيذ

وأضاف دكتور موسى، أن  محاولة وزارة المالية التنصل وتحميل الجامعات جزءاً منه خصم على مواردها الذاتية.. وهذا الاتجاه من وزارة المالية من الصعب أن يتحقق على أرض الواقع، فمعظم الجامعات الآن عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها التي تعتمد فيها على مواردها الذاتية… الورق، الأدوات المساعدة… وحافز العاملين وغيرها… فهناك بعض الجامعات منذ قيام الثورة وحتى اليوم لم تفِ بمستحقات العاملين بها التي تصرف خارج الفصل الأول .

فكل ما ذكر يشكل عقبة في سبيل الجامعات لأداء رسالتها.. المتمثلة في إعداد وتخريج الكوادر المؤهلة.. لقيادة دفة العمل ودفع عملية الإنتاج في الوطن.. والنهوض به مبنى ومعنى.. وهو ما لا يتوفر للجامعات في وقتنا الحاضر..

لذلك حتماً هذا الواقع المعاش سينعكس على مخرجات الجامعات سلباً ويضعف منافستها في سوق العمل الداخلي والخارجي.

فيما أشار أحد الأساتذه الذين يعملون متعاونين في عدد من المعامل ومراكز الأبحاث، أن هناك العديد من تلك المعامل خرجت عن دائرة العمل نتيجة الأهمال وانعدام الأموال بعد أن شحت الموارد وتوقفت الدراسة وهجرة الطلاب المجلات العلمية للدراسة بالخارج، لا سيما الطلاب الأجانب الذين يسددون رسومهم بالعملة بالعملة الأجنبية، وشدد على ضرورة النظر في قضية التعليم العالي من قبل الجهات المسئولة.

عدم استجابة

فيما اتصلت (الصيحة) على وكيل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بروفيسور سامي شريف لمعرفة رأي الوزارة في التدهور الأكاديمي بالجامعات نتيجة لتوقف المعامل وضعف البنية التحتية وقضية الفصل الأول الخاص بالمرتبات والتي تتجه المالية إلى تسديده من الموارد الخاصة لأي جامعة إلى جانب مشكلة الهيكل الراتبي والذي يعد من أكبر التحديات التي تواجه الأستاذ الجامعي، وتحد من أداء مهامه، فضلاً عن الظروف الصحية والاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد، إلا أن هاتف الوكيل ظل لا يستجيب، كما اتصلنا بمديرة إدارة التدريب دكتورة سامية عبد الله والتي أيضًا لم تستجب  .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى