المختص في دراسات السلام والاقتصادي عثمان عبد الكريم لـ(الصيحة): تجار العملة يملكون أسلحة اقتصادية موازية للحكومة

لا بديل لإصلاح الاقتصاد إلا التعويم، لأنه يُمكّن من السيطرة على النقد الأجنبي

عودة الشركات الأمنية لولاية المالية ضرورة للمساهمة في الميزانية

على (السيادي والوزراء) مزيد من التقشف وتقليل الصرف الإداري

الأزمة الاقتصادية قد تتسبّب في نسف الفترة الانتقالية وإسقاط الحكومة

المجتمع الدارفوري الحالي يعرف حقوقه ويختلف عن مجتمع 2003

أكد الباحث والمختص في دارسات السلام والاقتصاد عثمان عبد الكريم، أن عملية السلام تحتاج لمزيد من التمويل لإنفاذ بنودها التي اتفق عليها ضمن اتفاقية جوبا، مبيناً أن قرار وزارة المالية بتعويم الجنيه  قرار جيد على المدى البعيد، ولكنه يحتاج لمزيد من الإجراءات المصاحبة.

موضحاً أن الانقلابات العسكرية المتكررة والصراع النخبوي وتشاكس العسكر والمدنيين، أكبر آفة أضرت بالسودان منذ الاستقلال، وطالب بضرورة المصالحة الوطنية الشاملة، يكون الأساس فيها وضع خطة تنموية واضحة يلتزم بها الجميع مهما اختلفت الأيدلوجيا بالإضافة لتقديم مرتكبي الجرائم لمحاكمات عادلة وجبر الضرر، ودفع التعويضات للمتضررين وعودة الحواكير.

حوار: النذير دفع الله

* السلام والاقتصاد وجهان لعملة واحدة هل السودان أقرب للسلام أم للاقتصاد؟

المسألة الاقتصادية والسياسية والسلام ترتبط ارتباطاً وثيقا فيما بينها فأي خلل في واحدة من الثلاث تهتز معه بقية الأركان وبالتالي يحدث عدم استقرار في كل المجالات الأخرى، وفي السودان لدينا مشكلة في الاستقرار السياسي طيلة العقود الماضية صاحبته العديد من الانقلابات العسكرية على العملية الديمقراطية، وهي ذات التحديات التي واجهتها البلاد على مر التاريخ بل حتى الاختلاف الأيدلوجي بين الأنظمة السياسية كان له أثر في عدم وجود رؤية واضحة حقيقية في التنمية واقتصاد البلد، بل تفتقد الاسس الموحدة، فكل الأنظمة السياسية كانت تعتمد على الخطط الإسعافية تنتهي بانتهاء فترة الحكم وهو ما طبقته حكومة الإنقاذ طيلة العقود الثلاثة الماضية وأحدث فجوة كبيرة يصعب ردمها في الوقت القريب، حيث تم الاعتماد على الاقتصاد الآني المتعلق بالتبرول والذهب وإهمال القطاعات الهيكلية وإهمال التنمية الاقتصادية المستدامة.

* هل الوضع الاقتصادي يمكن من إنفاذ عملية السلام التي تحتاج لأموال كبيرة؟

ما تم في جوبا إنجاز غير مسبوق، سيما وأن الحرب كانت تكلف الدولة أموالاً طائلة، وميزانية الحرب كانت تصل لأكثر من 70% وطالما تم إسكات صوت البندقية نستطيع بناء الاقتصاد، ولكن الاقتصاد في السودان تواجهه مشاكل عديدة منها جائحة كورونا التي أضرت جداً بالاقتصاد، بالإضافة للأزمة المالية العالمية، وحتى تتم عملية السلام بالطريقة التي اتفق عليها وخطط لها، لابد من تمويل العملية، وهنا لا ننسى تمويل المانحين لإنفاذ البرامج والمشاريع على أارض الواقع.

* في حال عدم التزام المانحين بالالتزامات المالية أو تأخرت عملية التمويل ما هو مصير السلام؟

كان يجب أن تكون عملية التمويل والإنفاق على السلام أكثر وضوحاً، فالتزام الدولة بمبلغ  750 مليون دولار فهذا المبلغ غير كافٍ لتحقيق السلام، ولكن استقطاب الدعم الخارجي يحتاج لخطوة جادة من الحكومة لتقليل الإنفاق الحكومي واتباع سياسة التقشف العام، بالإضافة لعدم صندوق السلام وإعادة هيكلة القطاعات وتقليل الصرف الأمني وبالتحديد تقليل الإنفاق على مجلسي السيادة والوزراء أي التقليل على المستوى الرأسي والأفقي والأكثر اهمية هو عودة الشركات الأمنية والعسكرية لولاية وزارة المالية لمزيد من المساهمة في الميزانية العامة وإفساح المجال للمستثمرين في مناطق النزاعات في النفط والذهب وغيرها والتوسعة الأفقية للزراعة.

* هل طبق مجلسا السيادة والوزراء سياسة التقشف؟

من خلال الاطلاع على قوائم المجلسين وما يدور من حديث في الوسائط هنالك اختلاف كبير، ولكن لمزيد من الوضوح والشفافية، فإن هذه الحكومة هي حكومة ثورة والبلاد تعاني من ضائقة اقتصادية، ومهما كانت المبررات لابد لمزيد من الترشيد على الإنفاق الحكومي وعلى مجلس السيادة أن يبدأ بنفسه حتى يؤكد للناس أن هذه الحكومة هي حكومة ثورة وجاءت لمحاربة ومكافحة الفساد والمفسدين وتقديم مجموعة من التنازلات .

* لماذا فشلت الدولة منذ الاستقلال في إنجاح مشروع اقتصادي؟

عدم الاستقرار السياسي هو الآفة التي عانى منها السودان كثيراً في مجال التنمية والتطور، فماليزيا عندما أرادت النهوض وضعت شروطاً للتنمية الاقتصادية، أما نحن فالصراعات النخبوية لم تترك لنا التفكير في تنمية البلاد وأصبحنا نلهث وراء المصالح الذاتية بينما الصراع التاريخي بين المدنيين والعسكر على مر الزمان هو أحد الاسباب فانشغل الجميع بصراعاتهم الفكرية والأيدلوجية وتركوا المصلحة العامة.

* سياسة تمركز الخدمات والتنمية في (المركز)، الإيجابية والسلبية؟

للأسف كل الحكومات والنخب عمدت إلى تمركز الخدمات وترك الهامش، وللأسف (لا تم تنمية مركز ولا هامش) والخرطوم حالياً لا تعبر عن المركز بأي شكل من الأشكال، وإذا أردت معرفة ذلك انتظر الخريف، والتنمية التي شهدتها الخرطوم تنمية سطحية، وما هو موجود فيها تركة الاستعمار والإنجليز، ولم يضف عليه السودان شيئاً، لذلك لابد من توزيع أفقي للخدمات، وهو ما يحتاج لخطة محددة يمكنها إعادة الهيبة للأقاليم البعيدة وجدلية الهامش والمركز تحتاج لتعمق أكثر.

* معالجة الحكومة الاقتصادية بتعويم الجنيه هل هي الحل؟

لا بديل للتعويم إلا التعويم، هي سياسة ربما على المدى القريب فيها بعض الملاحظات والتأثيرات الاقتصادية، ولكن في المدى البعيد هو السيطرة الكاملة على النقد الأجنبي وأي سياسة اقتصادية نريد لها أن تحقق استقرار لابد من مصالحة وطنية سياسية واجتماعية حقيقية وتقليل عمليات التهريب للسلع الأساسية، الآن السودان بين تيارات متجاذبة من الحرية والتغيير إلى النظام البائد وغيرها، فالتحدي الاقتصادي يمكن أن يعصف بالحكومة الانتقالية وكاد أن يعصف بها عندما صرح رئيس الوزراء أن السيطرة الحقيقية على المال العام لا تتعدي 13% فرد مجلس السيادة أن الحكومة تعلق فشلها على الشركات الأمنية.

* ما مدى نجاح الخطوة التي طرحها جهاز المغتربين مع البنك المركزي في تحفيز المغتربين لتحويل أموالهم عبر البنوك وأثرها الاقتصادي؟

خطوة ممتازة جداً من أجل استقطاب الدعم من المغتربين، ولأن النظام السابق كان يطلق مثل هذه الوعود ولا يفي بالالتزام بها، لكن الآن الوضع والأرض  والأوضاع مختلفة تماماً، والآن الجميع لديه إرادة حقيقية لدعم الدولة وليس لأشخاص وهي نفرة شعبية تحتاج لعملية ثقة من الحكومة وأن تكون النتائج والحوافز حقيقية وعلى الواقع من ناحية الإعفاء من بعض الرسوم لإنعاش خزينة الدولة لسد الثغرات، فكمية الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي كبيرة جداً وما يمتلكه المضاربون من تجار العملة من أسلحة نقدية تكاد توازي الحكومة، وإذا كشفت الحكومة عدم امتلاكها للنقد الأجنبي فهي الكارثة الحقيقية،  لذلك لابد من تبسيط الإجراءات سيما وأن الجهاز المصرفي فقد الثقة في الفترة السابقة لعدم تمكن العملاء من سحب أموالهم متى ما أرادوا ذلك، وتسببت في تذمر كبير وسط المواطنين، وعلى الحكومة أن تلجأ للمشاريع والتمويل الحقيقي ولولا التعويم لبلغ التضخم أكثر من 300% وتجار العملة حالياً في حالة ركود ولا يستطيعون الحركة لأنهم لم يكشفوا أسلحة الحكومة الاقتصادية تجاه عملية التعويم.

* بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على توقيع اتفاق جوبا هل عملية السلام تسير في الاتجاه الصحيح؟

الاتفاقية حتى اللحظة لم  ينفذ منها شيء باستثناء استيعاب قادة حركات  الكفاح المسلح ضمن هيكلة الحكومة الانتقالية، أما البنود الأخرى فلا جديد فيها خاصة فيما يتعلق بالحكم الفدرالي لدارفور واستيعاب أبناء دارفور في الخدمة المدنية، وهذا يعود لإجراءات فنية وهي مسألة وقت.

* هل دارفور على المستوى الأفقي جاهزة لاستقبال قائد يوحد رؤيتها بعد الانقسام الأيدلوجي لأكثر من حركة مسلحة؟

في الوقت الحالي لا يمكن، فقد ساعد النظام البائد على هذا الانقسام، ولكن ما تحتاجه دارفور هو كاريزما قوية للشخص الذي يتولى زمام الأمر في دارفور خاصة النازحين واللاجئين الذين لديهم مطالب لم يتم تحقيقها، وبالتالي هنالك عدم ثقة وسط هذه الفئات، أولها عدم تقديم المتورطين في جرائم الحرب للعدالة، عليه لابد من خطوات حقيقية في عملية التعويضات وجبر الضرر وإعادة الحواكير لأصحابها.

* بعض النازحين واللاجئين والمتضررين لا يعرفون عن اتفاقية جوبا غير اسمها لماذا؟

المجتمع في دارفور منذ العام 2003 يختلف عن المجتمع في العام 2020 وهو خطأ وقعت فيه الحكومة والحركات الموقعة، فكلا الجانبين يتحمل المسؤولية في عدم نشر الاتفاقية على نطاق واسع. الأمر يحتاج لورش وتمهيد وتوعية الرعاة والمزارعين والرحل والنظار والعمد والإدارات الأهلية.

* الوضع العام هل هو مهيأ لتقبل أو لإجراء عدالة انتقالية؟

من الصعب قيام أو تنفيذ برنامج للعدالة الانتقالية في الوقت الراهن لوجود جملة من التحديات، منها الوضع السياسي المعقد لأن معظم الذين ارتكبوا جرائم في حق الضحايا هم من النظام البائد أو من المقربين لهم وهي معادلة في غاية الصعوبة، ولكن حتى إذا أجريت محاكمات بالداخل فإنه سيصاحبها بطء شديد وتعقيد، ولكن المهم حالياً هو أن تمر المرحلة الانتقالية بسلام. والخطوة الأخرى تسليم المطلوبين للعدالة الدولية فوراً لأن الجميع الآن لديه فكرة أن المحكمة الجنائية الدولية لن تتم وهو ما زرعه النظام البائد في أذهان الناس بأنها غير عادلة وذهاب المتهمين للجنائية ليس محاكمة وإنما توجيه اتهام ويمكن ألا يحاكموا حسب الأدلة والدفاع وقفاً لمواد المحكمة الجنائية، ولأجل إعادة الثقة للمتضررين يجب أن يخضع هؤلاء للمحاكمة.

* بعض الأصوات انتقدت وجود قوات الحركات المسلحة وانتشارها في الخرطوم؟

عموماً انتشار القوات الكثيف بأسلحتها أمر غير جيد مهما كانت طبيعة تلك القوات، لأن البلدان المتطورة لا ترى فيها هذا المنظر، “عسكر وسلاح”، فدائماً تترك عملية التأمين الداخلية في المدن لأجهزة الشرطة، ولكن انتشار قوات الحركات الموقعة على عملية السلام فرضته ظروف محددة وهو منظر لن يدوم طويلاً، لأنه تم باتفاق محدد، وطالما أن تلك القوات موجودة في أماكن مخصصة وغير منتشرة في الطرقات فلا بأس في ذلك، ولكن الحديث الذي تم حول تلك القوات هو الأصوات المعادية للسلام، لأن الكثير داخل وخارج الحكومة لا يريدون لعملية السلام أن تتم ويريدون نسفها، وهذه القوات حالياً تعتبر ضمن القوات الحكومية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى