عبد الحفيظ مريود  يكتب.. البصيرة الانتقاليّة

حاولتْ شعبةُ مصدّري الذّهب إثناء الشركة السُّودانيّة للموارد المعدنيّة عن قرارها، ولكنّها فشلتْ. لنْ تفعلَ أكثر من ذلك، قطعاً. لسببٍ بسيط، وهو أنْ ليس لديها ما تفعلُه. في هذه الأثناء تكونُ المخابراتُ المصريّة قد جهّزتْ حمولاتها من العملة السُّودانيّة. يمكنُ لمخابرات دولةِ تشاد ودولة إريتريا أنْ تفعلا الشئ نفسه، وتتوجّه ركائبُها إلى السُّودان، حيث “يقومُ الفقّوس للذي ليس لديه أسنان”، كما يقولُ أهلُنا البقّارة. ستجرى المعاملاتُ كفاحاً، أو مواربةً، عبر الوسطاء لشراء ما يقع في أيديها من ذهب المعدّنين السُّودانيين. ذلك أنّهم لن يجازفوا بإرسال الذّهب إلى الخرطوم، ليباعَ في برج الذّهب بالسُّوق العربيّ.

سيكونُ لدى بنوك الدّول الثلاث المذكورة احتياطيّات من الذّهب. أو تبيعه في أيّ بورصاتٍ عالميّة، وتعيدُه عملةً صعبة إلى خزائن بنوكها المركزيّة. حدث ذلك من قبلُ في ثلاث سلعٍ استراتيجيّة، هي السمسم، الصّمغ العربيّ والثالثةُ نسيَها الرّاوي، كما يحدثُ في روايات الحديث. صارتْ إريتريا الدّولة الأولى في صادر الصمغ العربيّ في منتصف التسعينات، بسبب سياسات شركة الصمغ العربيّ في السُّودان، مثلما صارتْ مصر مصدّراً، لا يُقارَع، للسمسم. وذلك بسبب رعونات السّاسة والوسطاء وفرض أسعار وهميّة للقنطار.

وإذا كانتْ عمارةُ الذّهب تستقبل في الأيّام العاديّة ما يُقَارِبُ المائة كيلو، وفي أضعف الأحوال سبعين، فإنّها منذ يومين تشكو قلّة الوارد من مناطق الإنتاج، بسبب الرُّسوم التي فرضتها الشركة السُّودانيّة والتي تبلغُ ألف جنيه عن الجرام، في مناطق التعدين. وحين أرادتْ شعبة المُصدِّرين “تخفيف الحكم”، لم تجدْ قبولاً من الشّركة. وهو ما سيجعلُ الكميّات الواردة تقلُّ شيئاً فشيئاً، إلى أنْ تتلاشى. وذلك لأنْ لا شئ سيضطرُّ المعدّنُ للدّفع بهذه الطّريقة، في مقابل أحدٍ ما، يأتي حاملاً أمواله جديدة، ويدفع بأعلى من السّعر المضروب للجرام. ولا يهمُّ بعد ذلك أنْ تكون العملة المستلمة مزوّرةً أم أصليّة.

من المهمّ جدّاً أنْ تتلافى الحكومةُ الانتقاليّة ما كانتْ تتبعه الإنقاذ في مسألة الذّهب، تحديداً. فقد فقَدَ السُّودان بسببها أطناناً من الذّهب، خرجتْ تهريباً أو بيعاً لمخابرات دولٍ مجاورة من مصلحتها أنْ تشارك السُّودان في ثرواته النّادرة، إنْ لم تهلكها وتدمِّرها. وهي سياساتٌ لا يمكنُ وصفها لشدّة غبائها. تُشبهُ سياساتها في مسألة الصّمغ العربيّ الذي لا يزالُ ملف تحقيقه موجعاً. في الوقتِ الذي كان يمكنُ له – ولوحده – أنْ يكونَ مرّاقةً للسُّودان من كثير من الأزمات.

تحتاجُ الحكومةُ الانتقاليّة إلى الكثير من الذّكاء فى مُعالجة الكثير من قضايا الصّادرات السُّودانيّة. وبدلاً من مكافحة التهريب، يُمكنها أنْ تقوم بتقديم حوافز حقيقيّة للمُنتجين في كافة المجالات، حتّى لو لم تتحصّل فى عامٍ أو عامين على ربطها المُقدّر، لكنّها ستتحصّل على أضعافه في مُقبل الأعوام، من خلال إرساء تقاليدَها الوافرة الاحترام للمُنتجين في كَافّة المجالات، الشئ الذي سيعلِي من قيمة الإنتاج، ويرسي تقاليدَ جديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى