عقبات تنفيذ السلام.. من يضع العربة أمام الحصان؟

تقرير / نجدة بشارة

خمسة أشهر مضت منذ التوقيع النهائي بين  الحكومة الانتقالية من جهة، والجبهة الثورية وحركات الكفاح المسلحة من ناحية أخرى على وثيقة السلام في عاصمة دولة جنوب السودان جويا.. وتفيد مصفوفة تنفيذ الاتفاق على البدء  فوراً ومن اليوم الأول للتوقيع النهائي على الاتفاق في تنفيذ البنود وفقاً للجداول الزمنية والتي تشمل جداول تنفيذ مصفوفة الترتيبات الأمنية، وقضايا سلام دارفور، والقضايا القومية، ومصفوفة تنفيذ اتفاق السلام في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وسلام الشرق ومسار الوسط. وتوضح الوثيقة أن بعض مصفوفات التنفيذ حدد لها سقف  60 يوماً، وأخرى  يبدأ تنفيذها خلال 6 أشهر. وربطت بعض بنود التنفيذ الأخرى بإنشاء المفوضيات الخاصة بالإشراف على تنفيذ بنود بعينها ومنها مفوضية اللاجئين والنازحين، ومفوضية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج. لكن رغم الجداول الزمنية الموضحة بالمصفوفة والتي تنتهي آجالها بنهاية الشهر الجاري،  إلا أن  الوقائع على الأرض تشير إلى وجود كثير من النواقص في التنفيذ… فيما يتساءل متابعون عن أسباب تأخير التنفيذ ومن يعرقل مصفوفة الاتفاقية هل الحكومة، أم الجبهة الثورية نفسها، أم جهات أخرى.. فمن يضع العربة أمام الحصان؟

قصور وتقصير

في السياق انتقدت الجبهة الثورية وجود قصور بمؤسسات الدولة، وعدم التزام بتنفيذ استحقاقات اتفاق السلام بكل المسارات، دل عليه عدم صدور مراسيم بتكوين اللجان المعنية بمراقبة وتنفيذ الاتفاق. في ذات الوقت، وجه القيادي بالثورية، بحر الدين كرامة، خلال تصريحات انتقادات لقيام النائب العام ببدء إجراءات استيعاب أبناء وبنات مناطق النزاعات دون الرجوع لما ورد باتفاق السلام. وأضاف أنه لم يتم تشكيل لجنة الخبراء في مسألة الخدمة المدنية، وعدم استيعاب الحكومة لأبناء المناطق المتأثرة بالحرب وتمييزهم إيجابياً، وإعفائهم كذلك من رسوم الدراسة الجامعية حسب ما نص الاتفاق، إلى جانب إصلاح المؤسستين المدنية والعسكرية. وتوقع كرامة أن يفلح نظام الأقاليم في معالجة المشكلة بين المزارعين والرعاة، والنزاع حول الأراضي الذي نتج بفعل الحرب الأهلية، مشيراً لميثاق شرف خاص بالثورية تفاوضت بموجبه للاتفاق على نسب تقسيم السلطة، لافتاً لسعيهم لمعالجة التحاق أطراف أخرى باتفاق جوبا عقب نهاية المفاوضات. وتابع : “أما بالنسبة لحركات الكفاح المسلح، فهي لا تتقيد بتوزيع مقاعد المجلس التشريعي لمنسوبيها بمسارات فقط، لكنها تراعي الجانب الجغرافي لتمثيل عضويتها في الأقاليم الأخرى”.

ضرورات ولكن!

ويجمع العديد من المراقبين على أن عملية السلام التي تنهي الحروب في مناطق النزاعات حققت نجاحات لكنها غير كافية لتحقيق الاستقرار السياسي خلال الفترة الانتقالية، وقال القيادي بالجبهة الثورية إسماعيل أبو في حديثه  لـ(الصيحة): صحيح أن هناك جهات لا زالت تعمل في الخفاء لعرقلة تنفيذ اتفاقية السلام لأنها تعتبر أن التنفيذ سيكون خصمًا على امتيازاتها التاريخية والمستأثرة بفضل ثورة ديسمبر. وأردف: إلا ان اتفاقية السلام أصبحت جزءًا من دستور الفترة الانتقالية ولا أحد يستطيع رفضها أو عرقلة اكتمالها لا الحكومة ولا الجبهة الثورية نفسها، وأردف: وإلا سنقف في وجه كل من يريد عرقلتها. وقال: الجبهة الثورية شريكة في الثورة لها ما لها وعليها ما عليها. ومؤخراً التأم اجتماع للمجلس الرئاسي للجبهة الثورية أمن على  ضرورة  تنفيذ نصوص برتكول المشاركة في الخدمة المدنية، وقد تم تشكيل لجنة للتواصل مع الجهات ذات الصلة في الجهاز التنفيذي وديوان شؤون الخدمة لمتابعة هذا الأمر، ضرورة الإسراع بتشكيل الهياكل العليا لتنفيذ اتفاق السلام ممثلة في لجنة التقييم والمراقبة، واللجنة العليا لمتابعة تنفيذ اتفاق السلام، واللجان العليا لمتابعة تنفيذ الاتفاق على مستوى المسارات وقف الاجتماع على آخر التطورات في ملف تشكيل المجلس التشريعي، وحث الاجتماع اللجنة المعنية بمتابعة هذا الملف مع الحرية والتغيير على تسريع وتيرة العمل حتى يرى المجلس التشريعي النور في أقرب وقت، كما اطمأن الاجتماع على جهازية قوائم مرشحي الثورية للمجلس التشريعي.

تعطيل وعراقيل

ولعل عراقيل التنفيذ جعلت أسامة سعيد  رئيس مؤتمر البجا يحمل حقيبته عائدًا إلى جوبا قبل فترة ووضع مجددًا على طاولة الوسيط أجندة  قال فيها  “توجد صعوبات وعقبات كثيرة تواجه تنفيذ اتفاق سلام شرق السودان، ونحن تقدمنا بشكوى رسمية إلى الوسيط الفريق توت قلواك رئيس لجنة الوساطة، ووجدنا تفهماً كبيراً من الوساطة ومن حكومة جنوب السودان”. وأضاف سعيد “هناك توجه غير مقبول من الحكومة بتجميد اتفاق مسار شرق السودان وعدم تنفيذه، وهذا خلل كبير، لأن الاتفاق هو جزء من الوثيقة الدستورية، ويجب على الحكومة أن تلتزمه. ونحن نقول بوضوح، كل اتفاق سلام جوبا ليس بخير، الحكومة تتقاعس في تشكيل الآليات التي وردت في الاتفاق لتنفيذه من قبل اللجنة العليا الوطنية للاتفاق، وكذلك لجنة المراقبة والتقييم، كما أن اللجان الخاصة بالمسارات لم يتم تكوينها، والوساطة قد رفعت كل اللجان منذ أكثر من شهرين فيما الحكومة لم تنفذ هذا البند المهم”.

غير راضين

وفي ذات الاتجاه ذهبت (ستنا محمود أسرتا) عضو المجلس القيادي للجبهة الثورية السودانية  في إفادتها الخاصة لـ”اندبندنت عربية”،  حيث عبرت عن عدم الرضى وقالت: إننا في الجبهة الثورية غير راضين حيال الإعاقات التي تحدث أمام تنفيذ استحقاقات مسار شرق السودان الذي هو جزء لا يتجزأ من اتفاق جوبا للسلام، لأن أي خرق لجزء من الاتفاق هو بمثابة تهديد وخرق لاتفاق جوبا برمته. هناك تلكؤ متعمد في تنفيذ تلك الاستحقاقات، من بعض أطراف الحكومة الانتقالية. ومحاولة تعطيل مسار الشرق سيضر بالعملية السلمية برمتها، لأن تجزئة تنفيذ الاتفاق تعد مؤشراً خطيراً للارتداد على ما جرى الاتفاق عليه في اتفاقية سلام جوبا. وأعتقد أن الصمت عن هذه المؤامرة التي تحاك ضد مسار الشرق نتيجتها أن تتسبب بالعدوى للمسارات الأخرى، وما الشرق إلا البداية. وهذا لا يجب أن يمر. نعم هناك تعقيدات في شرق السودان، لكن هذه التعقيدات يجب معالجتها بالآليات التي نص عليها اتفاق مسار شرق السودان، وهي المؤتمر التشاوري المنصوص عليه في الاتفاق، دون أي محاولة للالتفاف أو التعطيل أو التجميد، ولهذا يجب تنفيذ اتفاق شرق السودان واستحقاقاته جنباً إلى جنب مع قيام المؤتمر التشاوري”.

تطورات متسارعة

لكن المحلل السياسي والمراقب للعملية السلمية د. صلاح الدومة، حصر العراقيل والمشكلات في أذرع الدولة العميقة ووجه التهم إلى فلول نظام الإنقاذ التي وصفها بأنها ما زالت تعمل على تعطيل مصفوفات السلام وقال لـ(الصيحة)، إن مفاصل الدولة والحكومة الانتقالية تضم قيادات إخوانية  تمارس عرقلة اكتمال ملف السلام لمنع سحب البساط من تحت أقدامها.

تطورات متسارعة:

فيما يعتقد القانوني والمحلل السياسي إبراهيم إسماعيل، أن تأخير تنفيذ اتفاقية السلام مرتبط بالتطورات السياسية التي أعقبت عملية السلام في جوبا والمتعلقة بملف التطبيع والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، أضف إلى ذلك تشكيل الحكومة الجديدة، وقال لـ(الصيحة)، إن انشغال الحكومة بتلك الملفات بجانب تسارع الانهيار الاقتصادي أبطأ وتيرة ملف السلام، أضف  إلى تعقيدات وصراعات  تشكيل المجلس التشريعي،  ومن جانب آخر يريد استيعاب الحركات المسلحة التي ستدفع بمرشحيها للمقاعد التنفيذية والتشريعية. ويتوقع إبراهيم أن السبب في ذلك ليس الحكومة وإنما الحركات التي تأخرت في تسمية منسوبيها في المكان المناسب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى