يمثل جزءاً من مرحلة هامة في تاريخ الشعر الغنائي.. محمد نجيب محمد علي.. شاعر “بتذكرك”

بورتريه

وثق له سراج الدين مصطفى

(1)

الشاعر محمد نجيب محمد علي، يمثل جزءاً من مرحلة هامة في تاريخ الشعر الغنائي في السودان، فهو من الشعراء الذين أحدثوا انقلاباً في مسار الأغنية السودانية، حيث تميزت إضافاته بالجرأة والتنوع، يكتب بلغة رفيعة فيها الكثير من البراعة والحداثة، يكتب الشعر بمهارة عالية لا تتوافر لدى غيره.. فهو موهوب حتى النخاع.. ومفرداته الغنائية تؤشر على أنه شاعر عميق المفردة.. جزل العبارة.. صاحب خيال متسع يحلق في الفضاء بلا قيود.. ومن يتمعن في أغنياته يجد أنه ينحاز للفلسفة الشعرية رغم بساطة ذات المفردة التي تخرج في حلة زاهية وبهية.

(2)

أغنية بتذكرك هي الأغنية التي حررت له شهادة الميلاد والحضور ضمن الشعراء الذين يكتبون الشعر الغنائي.. فهو قال عنها (أذكر أن قصيدة  بتذكرك لأحمد شاويش نشرتها في مجلة الإذاعة والتلفزيون واستمعت لها بتلفزيون السودان ذات أمسية من أحمد شاويش ولم يكن يعرفني ولم أكن أعرفه..! والتقيت به بعد ذلك وقدمت له نفسي واعتذر لي بأنه نسي اسم الشاعر وأصبحنا أصدقاء وأعتقد أن الراحلة الأستاذة ليلى المغربي لعبت دورا كبيراً في توصيل هذه الأغنية من خلال برنامجها الصباحي.

(3)

الشاعر  محمد نجيب محمد علي ولد عام 1953 في أرقو وحاصل على ليسانس من كلية الدراسات الفلسفية – جامعة القاهرة – فرع الخرطوم 1980.. عمل صحفيّاً, ومشرفاً على صفحات أدبية, ورئيساً لقسم التحقيقات في صحف: الأضواء, والجريدة, والأيام, ومجلة الإذاعة والتلفزيون, كما عمل مدرساً للفلسفة بمدارس اليمن, ثم مديراً لمصنع أحذية الخيرات بأم درمان. وشارك في مهرجان المربد ببغداد 1987.

(4)

ذكر الشاعر محمد نجيب محمد علي في حوار له مع الصحفية (أماني شريف) وبطريقته العميقة في الردود، أن أول من اكتشف موهبته هو (الجوع).. الذي قادني لأن أكون الطالب الأول في مادة اللغة العربية والتي درسها لنا الأستاذ المقبول.. أتذكر أني من خلال نجاحي في مادة اللغة العربية وإحرازي للدرجة الكاملة إلا نصف درجة كانت تخصم رغم أني استحقها.. أول حروف كتبتها شعراً ولم أكن أعرف أنها شعر إلا بعد أن قالوا ذلك وكتب لي أستاذ اللغة العربية في مادة الإنشاء ممتاز سيكون لك شأن في دنيا الكتابة لا أذكر ماذا كتبت… لقد فقدت ذاكرتي تلك في اليوم التالي مباشرة.. وكتبت كلمات أخرى وثالثة ورابعة وعاشرة لا أذكرها أيضاً ولكني أتذكر أن إحداها كانت عن الشهيد أحمد طه القرشي.. الذي بكيته ومسحت دموعي في حائط المدرسة حتى لا يراني أحد وأنا أبكي.

(5)

وذكر محمد نجيب عن أول مرة قرأ فيها شعراً كان في برنامج جنة الأطفال الذي كانت تقدمه الأستاذة صفية الأمين.. وحصدت فيها الجائزة الأولى كانت القصيدة عن النيل.. وكان جمهوري ماما صفية والمخرج والمصورون ومن يشاهدونني من خلال التليفزيون أبيض وأسود.. كنت طالباً في السنة الأولى بمدرسة بيت المال الوسطى.. أول إلهام لا أتذكر تماماً ولكني أتذكر أول هيام… وكتبت عنها كانت تلميذة مثلي في الوسطى طفلة تركب المرجيحة وتسكن حي الأمرا… همت بها قبل أن أراها وهامت بي قبل أن تراني وكتبت لي وكتبت لها وأهدتني صورتها وأهديتها صورتي.. لم نلتقِ إلا من خلال الصور فقط… من خلال الصور فقط رأينا بعضنا.

(6)

مجلة الإذاعة والتلفزيون كانت في وقتها منبراً للشعراء كما كانت أيضاً معبراً لهم لدنيا النجومية، حيث أن الكثير من الأغنيات السودانية تم نشرها في هذه المجلة، نذكر منها الطير المهاجر التي نشرت في تلك المجلة ووجدها محمد وردي وهو راجع للخرطوم من مدينة كوستي، كما أن أغنية (الأبيض ضميرك) للشاعر إسحاق الحلنقي وجدها الفنان الطيب عبد الله في مجلة الإذاعة والتلفزيون وكانت سبباً في تقديم الشاعر الغنائي الكبير إسحاق الحلنقي للمستمع السوداني، وشاعرنا محمد نجيب محمد علي لم ينفصل عن تلك المجموعة.

(7)

حيث قال (كانت مجلة الإذاعة والتليفزيون هي أول مطبوعة تنشر له قصيدة.. وقال (ومما يضحك أن أول قصائدي نشرت باسم أختي وليس اسمي.. كنت أبعث نصين للمسؤول عن الملف الأدبي واحدة باسمي وأخرى باسم أختي كانت التي باسم اختي تنشر بينما التي باسمي أجد ردها في البريد الأدبي ونصيحة بمزيد من الاطلاع والمثابرة.

(8)

الناقد الأدبي والقاص صديق الحلو واحد من المهتمين بتجربة الشاعر محمد نجيب محمد علي، حيث كتب في مدونة له عن الشاعر، كتب فيها (السوداني المتميز محمد نجيب محمد علي.. ولد في أرقو أقصى شمال السودان في شتاء العام 1953. درس الفلسفة بجامعة القاهرة فرع الخرطوم. كتب عدة دواوين شعر منها: شرفات الليل. ضد الإحباط. الزا وذاكرة المدينة. بنات شعر… فكان متفوقاً. شارك بفعالية في مهرجانات ثقافية في الوطن العربي. وكان لديه إلقاء متميز. ترجم للإنجليزية. وتغنى له عدد من المطربين. عمل بالتعليم والصحافة ومهن أخرى كزوربا اليوناني تماماً. تحدث عن شعره الشاعر القدير عالم عباس وأشاد بتجربته. زامل الشعراء التجاني سعيد. سعد الدين إبراهيم. القاص سامي سالم. أثرت قراءة الفلسفة في منجزه الشعري. يكتب الشعر بماء الورد ودماء القلب. كتب قصائد ضد الإحباط فكان رائعاً.

(9)

في مقدمة حوارها الصحفي مع الشاعر محمد نجيب محمد علي ذكرت الصحافية أماني شريف مزمل مجموعة من أغنياته في مستهل مقدمة الحوار (بتذكرك وحلم الصبا ومع السلامة أبقى زي ما قلت ليك وغيرها من أغنيات أطربت مستمعيها وقصائد شعرية ألهبت الأكف تصفيقاً وإعجاباً..

نستضيف كاتبها اليوم الشاعر المجيد محمد نجيب محمد علي سيرة ومسيرة إبداعية ثرة لموهبة أدبية مبكرة، حيث تنبأ معلم الفصل بالمدرسة بأنه سيكون له شأن في دنيا الكتابة وقد كان فها هو قامة أدبية شعرية تحتفي به المحافل المحلية والعربية والعالمية بعد أن شارك في مهرجان المربد بالعراق عام 1987.

(10)

أغنية بتذكرك هي من الأغاني التي ساهمت في ذيوع شاعرية الشاعر محمد نجيب محمد علي، وهي من ألحان وغناء الفنان أحمد شاويش، حيث قال عنها شاعرها (كانت قصيدتي (بتذكرك) للفنان أحمد شاويش ومن ألحانه أول أجر أتلقاه  كان نظير نشر نص شعري من جريدة الصحافة من أستاذي نور الدين مدني وكان المبلغ ١٢ جنيهاً وأنا طالب بالجامعة وأغنية فرصة سعيدة للفنان الشعبي الراحل فضل محمد فضل سجلت بالإذاعة وكان ١٨ جنيهاً.. وأول قصيدة جعلتني نصف مشهور هي أغنية “حلم الصبا” لمجذوب أونسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى