النيجر.. تحوّل ديمقراطي وانتقال سلمي للسلطة في  أفريقيا

تقرير: الغالي شقيفات

أعلنت المفوضية الوطنية للمستقلة للانتخابات بالنيجر فوز السيد محمد بازوم مرشح الحزب الحاكم بالانتخابات الرئاسية بينما زعم أنصار مهمان عثمان بوجود تلاعب وأحرقوا إطارات السيارات، وتم نهب بعض المحلات التجارية في العاصمة نيامي يعود بعضها لتجار عرب، وقالت المفوضية إن محمد بازوم البالغ من العمر ٦١ عاماً وهو وزير سابق للداخلية فاز بنسبة ٥٥،٧٥% من الأصوات في الانتخابات التي جرت الأحد الماضي، وفاز بازوم علی الرٸيس السابق مهامان عثمان الذي أطيح به في انقلاب عام ١٩٩٦، وتعد هذه الانتخابات أول انتقال سلمي للسلطة في النيجر من رٸيس منتخب ديمقراطيًا إلی آخر مع تنحي  الرٸيس المنتهية ولايته محمدو يوسفو بعد فترتي ولاية مدة كل منهما خمس سنوات.

رئيس لكل النيجريين

تعهد الرئيس المنتخب محمد بازوم ان يكون رئيسا لكل النيجريين والعمل مع مرشح المعارضة مهمان عثمان رئيس الجمهورية الاسبق لخدمة الشعب ومواجهة التحديات التي تمر بها البلاد، وقال بازوم في تغريده له إنه ممتن للغاية لشعب النيجر علی الثقة التي أبداها له بانتخابه رئيسا للجمهورية، وأكد أنه سيكون خادماً ومخلصاً للشعب لمواجهة كافة المشاكل التي تواجه البلاد .

وبازوم المولود في منطقة ديفا علی الحدود التشادية، تربی في منطقة زندير وسط البلاد ذات الكثافة السكانية العالية، فهو ممثلها فی البرلمان لأربع دورات برلمانية ۔

الرئيس يوسفو.. التزام بالعهد والدستور

في الوقت الذي يتمسك فيه العديد من رٶساء الدول الأفريقية بالسلطة والتجديد لأنفسهم لفترات رئاسة متعددة وجدت خطوة التزام الرٸيس المنتهية ولايته في النيجر محمدو يوسفو ترحيباً دوليًا وإقليمياً، وكان قد تعهد بتسليم السلطة لرئيس منتخب ديمقراطياً كسابقة أولی في تاريخ النيجر بعد انقضاء ولايتيه الدستوريتين، وسيكون الانتقال مهماً ليس فقط في نيامي بل في أفريقيا بأكملها، ويفتخر الرئيس المنتهية ولايته بأنه أول رئيس منتخب ديمقراطياً في بلاده وأنه قادر علی تسليم السلطة لرئيس منتخب آخر.

حزب فوق الإثنيات والعرقيات

باختيار حزب النيجر من أجل الديمقراطية والاشتراكية الحاكم لمحمد بازوم رئيسا للحزب ودعمه للانتخابات التي توجت بالفوز في أغلب مقاعد الجمعية الوطنية ورئاسة البلاد، وبازوم الذي ينتمي للأقليات العربية في النيجر يتم اختياره وفقاً للكفاءة والعطاء الحزبي والوطني يعد تقدماً كبيراً في إفريقيا، ويقول الباحث عبد المجيد صالح رئيس المنتدی الأفريقی للحقوق للتنمية(بافرد) بنيويورك Pan African forum on Right and Development )PAFRD(  والباحث بجامعة برانديز Brandeis  لــ(الصيحة)، إن فوز محمد بازوم نموذج للديمقراطية خاصة في الدول الأفريقية، وإن الأقليات اصبح لها صوت مسموع والنهج السلمي الديمقراطي أفضل من البندقية، ويمكن لأي حزب حزب في أفريقيا أن يقدم مرشحاً من الأقليات غير الرئيس سواء كان في تشاد أو أفريقيا الوسطی أو غيرها وكمراقب اعتبر هذا مؤشرا جيداً نحو التداول السلمي للسلطة في أفريقيا، وندعم التحول الديمقراطي وحقوق الأقليات في المشاركة السياسية كدعمنا للتحول السلمي الديمقراطي للسلطة في السودان. ويضيف السيد محمد علي مسار لــ(الصيحة).

فوز بازوم رسالة أمل…

محمد بازوم أو (أبو عزوم) تعود أصوله إلى قبيلة أولاد سليمان العربية التي تتوزع في عدة دول أفريقية متجاورة من بينها ليبيا، حيث يوجد غالبية أفرادها في سبها ونواحيها، وكذلك في تشاد والنيجر وغيرهما من الدول. فوز بعزوم بالرئاسة في النيجر بعد ماراثون وسجال انتخابي طويل مؤشر مهم في اتجاهين، الأول؛ هو أن الديمقراطية تظل الخيار الأفضل لإدارة التنافس بين المكونين العربي والأفريقي في المنطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى والذي اتخذ منعطفات متصاعدة في العقود الأخيرة، وتسبب في سلسلة من المآسي أهمها انفصال جنوب السودان وأقساها الحروب في دارفور وأفريقيا الوسطى ومالي وإلى حدٍ ما في دولة تشاد.

الأغلبية التي انتخبت بعزوم هي ـفريقية بامتياز، مما يعني سقوط الشعارات التي تستبضع في أسواق إذكاء النعرات الإثنية والتناحر القبلي بين الأفارقة والعرب لاحتكار السلطة ورغبة هذه الأغلبية في التحرر والانعتاق من تلك الشعارات لتلمس آفاق جديدة للعيش المشترك بحثاً عن الاستقرار السياسي والمجتمعي والاقتصادي.

هذا واقع جديد يمكن تلمسه في السودان بعد توقيع اتفاقية سلام جوبا خاصةً فيما يتعلق بالتغيير الكبير في خطاب الفرقاء الذي أصبح أكثر هدوءًا وميلاً للعقلانية والمصالحة والاستيعاب، فيما يبدو أنه محاولة جادة للفكاك من اسر الخصومات الإثنية والجهوية استشرافاً لواقعٍ جديد يبشر بإمكانية التعايش والشراكة في وطن أوشك أن تعصف به الأيدلوجيات والنعرات والجهويات التي تغذيها الأطماع الخارجية.

وثانيها؛ انتباه النخب المدني منها والعسكري إلى أهمية تفويت الفرصة على دعاة دق الأسافين بين المكونين العربي والأفريقي في هذه الدول لإذكاء النزاعات والحروب وتغذية العنف المجتمعي خدمة لأجندات ضيقة الخاسر فيها هو الشعوب والأوطان، وإذا استمر هذا التوجه حتى أوصل الشعوب إلى صناديق الاقتراع ستكتمل رسالة انتخاب بعزوم، وتكون الدول جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى قد وضعت أرجلها على أولى عتبات سلم الاستقرار السياسي والمجتمعي الذي لا شك سيترجم إلى استقرار ونماء اقتصادي.

انتخاب بعزوم يجب أن يكون خريطة طريق لشعوب المنطقة للخروج من ضيق النزاعات والحروب والمآسي التي يغذيها الصراع الإثني الصفري والعبثي بين المكونين العربي والإفريقي وبين النخب الذي قعد بالمنطقة عن التطور، إلى سعة التعايش السلمي والاندماج المجتمعي، والتشبث بالديمقراطية كخيار مهم لصناعة الأمن والاستقرار والنماء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى