محمد محمد خير يكتب.. نساء على درب المعاني

سبع وعشرون امرأة طاف حولهن الدكتور عمر عبد العزيز مدير الثقافة بالشارقة، طوافاً سندبادياً منجمياً باحثاً عن رشحات الديمومة لدى هذه المرأة أو تلك، راغباً في كل منحى أكاديمي أو دراسة نقدية مسؤولة منصرفاً إلى ما هو أصل من أصول الكيان التكويني الذي جبلت منه وبه النساء.

كانت انطلاقة عمر عبد العزيز قائمة على محورية المرأة في الوجود، لأن المرأة مستودع الأسرار التي تختزن مصائر البشر.

1

زرقاء اليمامة

جاء فيها جمال هيئة وذكاء حاد وبصر وبصيرة ثاقبة لا مثيل لها، دخلت عالم الأسطورة بسبب نفاذ رؤيتها البصرية إلى ما يزيد عن ثلاثة أيام مسير في الصحراء، وهذا من جملة ما تتمتّع به الحياة الصحراوية من طاقات جسدية تجمع بين الضخامة والرشاقة والسرعة الفائقة في العدو، ومن ما جاء عنها نفاذ بصرها إلى مُهاجمين لقومها بحيلة تمويه وهم يتّجهون إلى قوم زرقاء اليمامة، فتدثّروا بأوراق الشجر ولحائها لعلهم يفسدون على الزرقاء حقيقة وجودهم.

ومع ذلك، استطاعت الزرقاء رؤيتهم وأبلغت قومها بحقيقة الأعداء فلم يُصدِّقوها، لا بل سخروا منها وظنوا ذلك خرفاً وشيخوخة، لأنّ الأشجار لا يمكن أن تتحرك.

ومن تلك استعان عمر عبد العزيز برأي بن خلدون في مقدمته التاريخية (حيوانات البراري تتميّز بالرشاقة والقوة والانتباه والحذر، فيما تكون حيوانات المُدن كسولة ثقيلة الأجساد بليدة الغرائز).

(2)

مي زيادة (كمال الذات من كمال الصفات)

أديبة لبنانية واسعة الثقافة، هائمة بآفاق النجاح، وصاحبة صالون أدبي لا مثيل له في محيطنا العربي، جعلته مي واحة انصهار ثقافي نهضوي رائد بفضل الأجواء الحميمية التي أسهمت في إشاعتها على مدى حقبة طويلة من الزمن، أبرز رواد هذا الصالون عباس محمود العقاد وطه حسين وسلامة موسى.

كانت مي زيادة امرأة فاتنة، جامعة للخِصَال المُؤدية إلى مراتب عالية المقام في فضاءات المعاني المُجرّدة ومن هذه الخِصَال، سعيها الدائم إلى حُضور أدبي إنساني متألق وإدارة ظهرها بكل متطلبات الأنثى المتمثلة بالزواج والأمومة والطفولة، فأوصدت الأبواب أمام مشاعر الإعجاب والعشق المتنامي لدى معظم الحاضرين.

غامت في فضاءات المعاني المُجرّدة وأدارت ظهرها وفطرتها الأولى، فأصبح كمال الذات لديها موازيًا لنقص الآخرين.

(3)

الحب في زمن الكوليرا

العنوان من رواية شهيرة للكاتب الأشهر مارتيز، وفي أحشائها وما بين دفتيها قصة مُعبِّرة لزوجين عاشقين رغم اختلاف شديد في نزعتهما وعلاقتهما مع الحيوان.

الزوج مصاب بداء الوسواس تجاه الحيوان، والزوجة ترعرعت في بيئة ريفية جعلتها شديدة الإلفة والارتياح لكل أنواع الصخب الطبيعي ومواء القطط ونباح الكلاب، تطور الخلاف إلى الذّروة التي مكّنت الرجل من طرد وإبادة كل الحيوانات من بيته وحديقة منزله بحجة أنه لا يريد البقاء إلا لما هو ناطقٌ، فتتدخّل الأقدار وتدخل المنزل ببغاء أمازونية خضراء جميلة فتكسر إرادة الزوج ويسقط في يده وهكذا سارت متوالية أيامهما السعيدة لتؤكد دومًا أن للمرأة أدوات لا يمتلكها الرجل، وأن الرجل مهما تمتّع بالمعرفة وقوة الشكيمة لا يُمكنه مُلاحقة التفاصيل الصغيرة والصبر على مقارعة الحجة بالحجة ومُغالبة ذاكرة الأنثى التي تتسع لأدق التفاصيل وتحاصر الزمان والمكان.

(4)

أنديرا غاندي (غالبت السلطة وصرعها التطرف)

هي ابنة زعيم الهند في النصف الثاني من القرن العشرين جواهر لال نهرو وريث مجد غاندي وحكمته الإنسانية المناهضة للعنف، كل هذا الإرث تحطم وتبدد على صخرة التطرف في سلوكيات طبقات كثيرة للمجتمع الهندي الذي يشبه المحيط البحري المتلاطم الأمواج والأعاصير رغم كل المناخات الإصلاحية والثقافة الصوفية التي عانقت الحق والحقيقة.

ولَعلّ أنكد ما صادفته وسامة زوجها فيروز غاندي فارس أحلام النساء أو كما لقب كازنوف الهند، ما جعلها تتعصر غيرة ونغصاً مزمناً وهي الزوجة الجميلة القائدة الصارمة سليلة النسب.

حاولت الإمساك بالمعادلة الصعبة للزعيمة السياسية والأم والزوجة وأفلحت في كل ذلك، لكنها لم تتمكن من مغالبة النزاعات المتطرفة فكان الموت التراجيدي مصيرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى