تعويم الجنيه.. تأثير خارجي للتعامل مع السودان

 

الخرطوم: مريم أبشر

يبدو أن الحكومة الانتقالية طبقت آخر بند في رشتة صندوق النقد الدولي بتعويمها الجنيه السوداني الذي يعتبر أحد أعمدة خطة الإصلاح الاقتصادي التي أعلنت عنها الحكومة، وذلك في أعقاب تزايد  الفجوة بين أسعار الصرف الرسمية، والمتداولة في السوق الموازية. واستبقت الحكومة قرار التعويم بالرفع التدريجي لأسعار الوقود المدعومة، وصولًا إلى سعرها الحقيقي، بحلول 2022 . و لم تكن خطوة الحكومة أمس الأول بتعويم الجنيه هي الأولى لإنقاذ الاقتصاد السوداني من براثن الانهيار، فقد سعى وزير المالية الأسبق، إبراهيم البدوي، في تطبيق رؤيته القائمة على ضرورة تحرير المحروقات وسعر الصرف على أرض الواقع لكنه لم ينجح  بسبب رفض تلك الرؤية من جانب الحاضنة السياسية للحكومة، ممثلة بقوى الحرية والتغيير حينها.

ولعل تعويم الجنيه مقابل العملات الأخرى يتوقع تبعاً لذلك استجابة المؤسسات الدولية للتعامل المالي مع الحكومة لجهة أن تعاملاتها  مرهونة بتوحيد سعر الصرف.

قرار شجاع

ولأن قرار التعويم كما يراه البعض هو استجابة لروشتة البنك الدولي للإصلاح المالي في السودان بالتالي سارعت بعض الدول للترحيب بتلك الخطوة ووصفت الولايات المتحدة الأمريكية، قرار الحكومة الانتقالية القاضي بتوحيد سعر صرف العملة السودانية في السوقين الرسمي والموازي، بالقرار الشجاع، مؤكدة أنه يمهد الطريق لتخفيف الديون على السودان. وقالت السفارة الأمريكية بالخرطوم في تغريدات على حسابها الرسمي بتويتر أمس “نرحب بالقرار الشجاع للحكومة السودانية بالمضي قدماً اليوم في إصلاح سعر الصرف”. وأضافت “هذا القرار يمهد الطريق لتخفيف الديون ويزيد بشكل كبير من تأثير المساعدة الدولية”. وتابعت “كان لا بد من إنفاق الكثير من قبل بسعر الصرف الرسمي، مما يوفر جزءًا بسيطًا من قيمته المحتملة للشعب السوداني”. وقالت “إن القرار سيساعد الشركات السودانية وجذب الاستثمار الدولي حيث لن تواجه الشركات المحلية والأجنبية على حد سواء صعوبات في ممارسة الأعمال التجارية في السودان بسبب سعر الصرف المزدوج”.

إعلان رسمي

وبرر البنك المركزي التعويم  الجزئي لسعر صرف (الجنيه) مقابل النقد الأجنبي لمواجهة فوارق أسعار الصرف. وقال إن الحكومة الانتقالية استقرت على تبني حزمة من السياسات والإجراءات، التي تستهدف إصلاح نظام سعر الصرف وتوحيده، وذلك بانتهاج نظام سعر الصرف المرن المدار. وعزا البنك المركزي الخطوة، بحسب البيان، باستمرار معاناة الاقتصاد المحلي من اختلالات هيكلية تمثلت في الاختلال الداخلي (ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة)، والاختلال الخارجي (ارتفاع عجز ميزان المدفوعات وبسبب الاختلالات، نتجت صعوبات وتعقيدات في علاقات المراسلة الخارجية للمصارف السودانية وانحسار تدفقات النقد الأجنبي، وتعذر استفادة السودان من المبادرات الدولية الخاصة بإعفاء الديون مثل مبادرة الدول الفقيرة المثقلة. وأصدر البنك المركزي أمس  تعليمات للقطاع المصرفي المحلي، وشركات الصرافة لتنفيذ الرؤية الإصلاحية للدولة اعتباراً من الأحد،  وذلك بتوحيد سعر الصرف بما يساهم في تحقيق توحيد واستقرار سعر الصرف. وتهدف إجراءات المركزي للبنوك إلى تحويل الموارد من السوق الموازية إلى السوق الرسمية، واستقطاب تحويلات السودانيين العاملين بالخارج عبر القنوات الرسمية، واستقطاب تدفقات الاستثمار الأجنبي. فضلا عن تطبيع علاقات السودان  مع مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية بما يضمن استقطاب تدفقات المنح والقروض من هذه الجهات، وتحفيز المنتجين والمصدرين والقطاع الخاص بإعطائهم سعر الصرف المجزي. ويهدف الإجراء لسد الباب أمام المضاربين والمستفيدين من الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازي .

فتح الأبواب

ربما قرار توحيد سعر الصرف يفتح الأبواب أمام السودان للتعامل السلس مع صندوق النقد الدولي والشركات العالمية التي تحتاج إلى عملة موحدة للتعامل معها، بالتالي صندوق النقد يعد أحد أهم شروطه، أن لا يكون للعملة أكثر من سوق، وهي روشتة إلزامية وفق  رؤية السفير الدكتور حسن بشير للبنك الدولي للتعامل مع الدول، ويرى أن بشير في حديثه لـ(الصيحة) أن الخطوة تنطوي على إبعاد كبيرة وتفتح الطريق أمام  السودان للتعامل مع البنوك العالمية، فضلاً عن أنها تجعل السودان أكثر مقبولية لجهة أن العديد من الشركات كالاتصالات والطيران واجهت صعوبات في الفترة الماضية في التعامل النقدي في وجود الأسواق الموازية، وقال إن التعويم يفتح المجال للدخول في مجالات التجارة العالمية التي تشترط “استاندر” محدداً للتعامل مع النقد الأجنبي, غير أن الدكتور حسن بشير نبه إلى أهمية اتخاذ الحكومة الإجراءات اللازمة لقطع الطريق أمام أي جهات من شأنها عرقلة الخطوات .

إجراء سليم

تعويم الجنيه السوداني فضلاً عن أنه إجراء لابد منه بل تأخر كثيراً، فإنه يمثل بحسب الخبير الأكاديمى الدكتور صلاح الدومة أحد وسائل محاربة الدولة العميقة لجهة أنه نزع أحد أهم أسلحتها، وقال الدومة لـ(الصيحة)،  إن تعويم الجنيه يفتح الطريق أمام المجتمع الدولي للتعامل مع السودان.

وشدد الدومة على ضرورة حزم الحكومة وأن تسعى لتطبيق سياساتها النقدية بجدية، ولم يستبعد وجود مشاكل اقتصادية تواجه الشرائح الضعيفة والتي تتطلب معالجات خاصة من الحكومة وتوقع طبقاً لقرار التعويم تدفق الاستثمارات الأجنبية على السودان.

واعتبر الدومة خطوة الحكومة الخاصة بتعويم الجنيه السوداني عمل تصحيحي للاقتصاد السوداني وإجراء سليم لإعادة هيكلته وتنظيمه، مشيراً إلى أن الاقتصاد السوداني ظل طوال الفترة السابقة اقتصاداً عشوائياً لا يستند على المعايير العالمية.

التعامل الآمن

ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد  شرف الدين أن أكثر الوسائل أمناً للاستثمار الأجنبى هو التعامل  مع القطاع المصرفي والصرافات  وحذر من السوق الموازي، وقال لـ(الصيحة)، إن خطوة التعويم تحتاج لودائع من المانحين حتى لا تضطر الحكومة للتمويل بالعجز، وأضاف أن الحكومة يجب أن توظف أموال ودائع المانحين في مشروعات قطاعات الإنتاج الحقيقية ذات العائد السريع كالزراعة والتجارة، لافتاً إلى أن الأمر يتطلب سياسات نفقدية واضحة يجب على البنك المركزي اتخاذها، وطالب بأهمية إعادة بناء وهندسة إدارة للبنوك حتى تتواكب مع النظام الجديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى