الشيوعي…(ركّاب سرجين وقّيع)

تقرير: صلاح مختار

تظل مواقف الحزب الشيوعي السوداني تبعث الحيرة لكثير من المراقبين لهذا التنظيم، ففيما يراه البعض أنه حدة في الذكاء، فإن البعض الآخر يراه مكراً لحزب خبِر العمل السياسي لسنوات، ويعتبر واحداً من أعمدة السياسة السودانية. ورغم أن صوت الحزب الشيوعي بعد الثورة كان هو الأعلى، إلا انه لم يسلم من الانتقاد والانتقاد المضاد حتى من الأطراف التي شكلت معه الحاضنة السياسية، فوجد الحزب الشيوعي نفسه أمام خيارات ما بين الحكومة والمعارضة الآن هو بين المعارضة والمشاركة، ولكن يسأل البعض عن شكل الحكومة التي يريدها ولماذا يضع نفسه دائمًا في خانة المعارضة؟.

في آخر تصريح للحزب الشيوعي، أعلن فيه اعتزامه عدم المشاركة في الحكومة المقبلة، ولا بقية مؤسسات الحكم خلال الفترة الانتقالية، بما فيها المجلس التشريعي. وقال السكرتير العام للحزب، محمد مختار الخطيب، خلال مؤتمر سابق، إن “تغيير الوزراء لن يغير في الأمر شيئاً ما لم نغير السياسات التي تمضي فيها الحكومة، حزبنا لن يشارك في الحكومة ولا مؤسسات الحكم، بما في ذلك المجلس التشريعي”، وفق مراسل الأناضول. وأضاف أن “الوثيقة الدستورية منحت العساكر تلك القوة (لم يوضحها)، وهذه ليست حكومة مدنية، ولن نشارك فيها”. واتهم حكومة الفترة الانتقالية، برئاسة عبد الله حمدوك، بالارتهان للخارج وانتهاج سياسات النظام السابق، واستخدام العنف المفرط والوقوف ضد الحريات. وسبق وأن أعلن الحزب الشيوعي، في 7 نوفمبر الماضي، انسحابه من “قوى إعلان الحرية والتغيير” (الإئتلاف الحاكم). وقال الخطيب: “ما دامت الحكومة تمضي على نفس سياسات النظام البائد التي قادت للثورة، ستكون النتائج نفسها بتكرر الأزمات التي نعيشها حالياً، وسيقع صراع بينهم، كما حدث في الأيام الأخيرة للنظام السابق”.

تطلعات مشروعة

بطبيعة تكوينه، فإن الحزب الشيوعي كما ينظر إليه المحلل السياسي بروفيسور الفاتح محجوب، لديه تطلعات بعضها عقائدي وبعضها مسائل أقرب للجهوية، لأن لديه تحالفا مع مجموعة أقليات. وقال لـ(الصيحة): الحزب الشيوعي كان يريد أن يتم إخراج المكون العسكري من المعادلة وإعطاء الشيوعي دوراً أكبر في إعادة تشكيل الدولة، وذلك بالاستفادة من الوضع الذي خلفته الثورة للحيلولة دون رجوع الأحزاب العقائدية والطائفية والإسلامية للحكم، ولكن فإن قسمة السلطة تمت وفق الوثيقة الدستورية حالت دون إعطاء الحزب ما يرغب فيه من السلطة رغم وجوده في السلطة السابقة، كما قال أحد قياداته بـ (13) مسؤولاً كبيراً كانوا أعضاء سابقين غير ناشطين اليوم في الحزب.

تقاسم سلطة

يقول محجوب: كان الحزب الشيوعي من خلال تشكيل الحكومة يرغب في إدخال عبد العزيز الحلو وعبد الواحد نور في الحكومة بدلاً من أركو مني مناوي ومالك عقار وجبريل إبراهيم، وبالتالي ما تم من تقاسم للسلطة جعلته يتجه إلى تكوين معارضة قوية للحكومة من خلال إعطاء حجم أكبر وتمثيل أوسع في المجلس التشريعي، ولذلك يضغط بشكل كبير لمنح المعارضة تمثيلاً أكبر في التشريعي، ولذلك يريد إعطاء تجمع المهنيين الجناح الموالي له أكبر نصيب بالإضافة إلى لجان المقاومة بجانب الواجهات الأخرى، ولذلك يمارس الحزب الشيوعي دور المعارضة لتنفيذ معادلة تشكيل المجلس التشريعي بالتالي يفرض أجندته خاصة مع اقتراب أجل رئاسة العسكريين لمجلس السيادة وتحويله للمدنيين، لذلك يحاول إدخال عناصر يمكن أن تساعده على خطة التغيير، لهذا يظهر بمظهر المعارضة، ولكن هنالك فرق ما بين التخطيط والواقع، لأن حكومة المحاصصة رغم إجازة خطة الحلو وعبد الواحد نور بإلحاقهما بالسلام، غير أنه في الغالب لا مكانة لهما في الحكومة الحالية.

تخطيط الحزب

بهذا الوضع السابق، فإن محجوب يتوقع من خلال تخطيطات الحزب الشيوعي أنها غير قابلة للتنفيذ في ظل وجود مجلس شركاء يعتبر الحاضنة السياسية للحكومة الجديدة والتي باتت بديلة لقوى الحرية والتغيير، وقال: كان الحزب الشيوعي يريد أن يسيطر عليها، ولكن لم يعد ذلك ذا جدوى إلا من خلال المجلس التشريعي، ولكن لن يتم ذلك بسهولة، وسوف يسعى الشيوعي إلى إدخال الحلو وعبد الواحد نور في الحكومة لضمان وجوده أو تمثيله، ولكن العداء المستحكم بين الأطراف الحلو وعبد الواحد نور من جانب، وحركات دارفور وعقار من جانب آخر، يصعب من احتمالية تنفيذ أجندة الشيوعي في الحكومة الحالية.

مواقف مبهمة

ورفض القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار اتهام حزبه بأن مواقفه مبهمة، لا هو حكومة ولا هو معارضة واضحة، مبيناً أن الحزب الشيوعي خرج من الحاضنة السياسية منذ نوفمبر الماضي بعد أن أعلن أنه لم تعد هنالك نقاط التقاء مع الحرية والتغيير، ودعا في حديث مع (الصيحة) الشارع للخروج لتصحيح مسار الثورة، وهو موقف واضح وليس مبهماً.. الحكومة الانتقالية فوّضها الشعب لإنجاز برنامج معين وانحرفت عنه ومن حق الجماهير أن تطالب باستقالتها أو إسقاطها. ونفي أن يكون الشيوعي حزباً مكتوباً عليه أن يعارض فقط، الحزب الشيوعي لم تكتب له المعارضة فقط، لكنه لن يحني رأسه للعاصفة أو يشترك في مخطط إجهاض الثورة أو تمييع القضايا. وقال إن فشل الحكومة الانتقالية لا تخطئه العين ولذلك  لن نشارك، ببساطة لأنها حكومة قوى الحرية والتغيير وقوى سلام جوبا، وقد انحرفوا عن الثورة، والسياسات أيضاً لا تعبر عن الشعب، بل تزيده ضنكاً، كما نرى أن القضية عندنا ليست كراسي ومحاصصة، بل برنامجاً يستند على ميثاق الثورة، ولا يتنكر لدماء الشهداء ولا يأبه بالضغوط الخارجية، وهو برنامج قوى الثورة التي تضغط الآن من أجل تنفيذه، وأي سلطة انتقالية تحيد عن هذا البرنامج تبقى بلا تفويض ووجب إسقاطها. ورفض كرار إلصاق تهمة فشل الحكومة بالشيوعي، وقال الذين يرمون بالفشل على الشيوعي.. هم يطبقون المثل (رمتني بدائها وانسلت)، لم يكن الحزب الشيوعي أصلاً في الحكومة الانتقالية، ولا يوجد أي شيوعي في منصب وزاري أو سيادي.. ولو كان الشيوعيون في جهاز الحكم لكان الحال غير الحال، ولكن الشعب واعٍ يعرف مكامن الفشل والقوى التي من خلفه.

تعقيد موقف

واعتبر كرار تغيير الأسماء لا يضيف جديداً للحكومة الانتقالية، بل يعقد الموقف، ولكن السياسة الراهنة للحكومة الانتقالية أوصلتنا لعمق الأزمة، وما لم تتغير فإن الفشل سيلاحق أيضاً الحكومة الجديدة (المعدلة وراثياً)، ونقول، إن لم تكن أجندة الثورة في المقدمة.. فهي في نظر الشعب فاشلة وسيسقطها والأجندة تشمل إعلان نتائج التحقيق في مجزرة فض الاعتصام وحوادث الاغتيال جميعها، ومجلس تشريعي يعبر عن الثورة وبرنامجها، وقوانين ديمقراطية للحكم المحلي والنقابات، واسترداد المال المنهوب وتصفية التمكين.. وخلافه.

اتهامات متبادلة

وسبق أن اتهمت قيادات بارزة في «تجمع المهنيين السودانيين» مجموعة محسوبة على الحزب الشيوعي باختطاف «التجمع»، وتسخيره لمصالح حزبية ضيقة، وأهداف مناهضة لثورة ديسمبر وتفتيت وحدة قوى الثورة. وكانت تلك المجموعة قد عقدت في 10 من مايو الماضي اجتماعاً، وانتخبت قيادة جديدة للتجمع، لكن هذه الخطوة وجدت رفضاً كبيراً من النقابات الرئيسية المؤسسة لتجمع المهنيين.

وكشف محمد ناجي الأصم، أحد أبرز قادة تجمع المهنيين، عن المحاولات التي كانت تقوم بها هذه المجموعة لتسخير التجمع لصالح أجندتها الحزبية الضيقة، وتمرير أفكارها عبر التجمع. وتلا الأصم ميثاق «قوى إعلان الحرية والتغيير» الذي أسس لقيادة الحراك الشعبي الموحد للقوى السياسية والكيانات المهنية ضد حكومة النظام المعزول. وقال الأصم، في مؤتمر صحافي، إن محاولات هذه المجموعة بدأت قبيل إسقاط نظام الرئيس عمر البشير، وفي هذا الوقت كانت قيادات التجمع في المعتقلات والسجون. وأضاف موضحاً: «حرصنا على ألا تتفجر الأزمة في ذلك الوقت اعتباراً للظروف التي كان يعمل فيها تجمع المهنيين لإسقاط النظام».

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى