محمد محمد خير يكتب.. فواز حـداد.. علامة فـارقة في الرواية العربية

لم أكن أعرفه قبل عام 2008، إلا عندما احتلت روايته (المترجم الخائن) المركز الثاني لجائزة البوكر العربية. في تلك الرواية تحسّست عالماً يختلف عن عوالم الروائيين العرب كافة، محيط روائي أركانه المثقفون والسلطة والأجهزة الأمنية وانكسارات المثقف وتهويماته وانفصامه وقلة حيلته العملية وزحمة الأوهام المحيطة به.

روايات فواز حداد تدور حول المثقفين اليساريين وأجهزة المخابرات والحركات الإسلامية السورية وفساد السلطة وعنفها المنفلت.. وتنبّأ حداد بأن أمر السلطة سيحسم مُستقبلاً لصالح الإسلاميين من خلال ضوء باهر وكثيف يكشف عبره الفساد اللا متناهي في جهاز الدولة السوري ابتداءً من الرشوة حتى حماية العاهرات باسم القومية العربية.. ويصور عجز اليسار الماركسي وقِلّة إلمامه بالتفاصيل والميكانزمات المُسيِّرة للدولة والعوامل المستقلة التي تُهيئ للإسلاميين مواقعَ في حركة المجتمع دون أن يبذلوا الجهد الكافي للوصول إليها.

أشار حداد إلى (الشبّيحة) قبل عشر سنوات في روايته (مشهد عابر)، ووطّن هذا المصطلح في أدبه قبل أن يصعد كمفردة جديدة في القنوات ووكالات الأنباء والصحف في العامين الماضيين (الأشباح تظهر في الليل، والشبِّيحة في الليل والنهار.. الأشباح مشكوك في وجودهم.. والشبِّيحة لا شك في وجودهم، الأشباح يظهرون للقلة، الشبِّيحة يظهرون للجميع، الأشباح تخيُّلات غير حقيقية، الشبِّيحة واقع حقيقي)!!

البطولة في روايات حداد ليست للأشخاص، إنّها للفكرة، فروايته (عزف منفرد على البيانو) كان بطلها الفكر العلماني. أخضع فواز هذه الفكرة لمختبر الواقع وناقش عبر متبنيها في الرواية الأستاذ فالح تناقُضات جوهرها وتشابُكات مقاصدها وحُمولتها الثقيلة على مُعتنقيها، خاصة الشِّق النسائي الذي تبنّى العلمانية من خلال محاضرات أستاذ فالح وفسّرنها على أساس الحريات الجنسية، فخُنَّ أزواجهن وتلذَّذْن وتهتَّكنَ، لكنهنَّ استغفرنَ وتُبنَ وعُدنَ للصلاة والبكاء.!!!

لحداد قُدرة غير مُجرّبة في تصوير الحيرة الإنسانية وتفكيكها وإحالتها لكل العناصر المُساعدة على وجودها بصلابة فلسفية تمنح فكرته ثقلاً جدلياً.

يُثير فواز حداد، سؤالاً في منتهى الرجاحة، لماذا كان الإرهاب فيما سبق يتمتّع (بسُمعة طيبة) أيام المد اليساري والسحل الذي تم باسم البروليتاريا والعنف الذي صاحب حركات اليسار الجديد في أمريكا اللاتينية والتلويح بصور جيفارا ولينين وماركس؟ ولماذا تحوّل الغرب بكلياته ليصير رقيباً للحركات الإسلامية ووظّف كل اليسار للعمل في منظماته الاستخباراتية الأصل في مجالات الديمقراطية.. وحقوق الإنسان ومراكز الدراسات ومع الختان، مراكز تهتم بكل شيءٍ، بدءاً من السياسة حتى جنون البقر!

يُناقش فواز برشاقة طازجة فكرة الدولة المركزية القابضة التي تحتكر كل شيء لصالح مُؤيِّديها وترسل إشارات لمُخالفيها بالحوار، فلا يجعلها التقدميون تتقدّم، ولا تجبرها مواقف الرجعيين على التراجُع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى