الشلة

محمد محمدخير يكتب :

لتوفيق زياد ديوان شعر قديم (طلب التحاق بالحزب) أيام كانت الأحزاب الشيوعية في عنفوانها وشأوها الاجل. أيام مهرجانات الشبيبة وتجمُّعات صوفيا وموسكو التي كانت البورة النقية. عصر لوركا وناظم حكمت وبول ايلوار ومسرح بريخت والواقعية الاشتراكية ومدرسة بلخانوف النقدية والمراكسة العرب من حسين مروه حتى زكي مراد ولطفي الخولي.
تمدد هذا التيار القوي المسنود بمنظومة اشتراكية أممية نحو السودان فنما أكبر حزب شيوعي في المنطقة العربية والأفريقية على السواء، غير أنه لم يحافط على تلك القوة بسبب الانقسامات التي شهدت أوجها في فترة حكم مايو وضاعفت عوامل التعرية الفكرية التي اجتاحت تجربة الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي من الوهن الذي اصاب معظم الاحزاب الشيوعية في العالم.
كانت هذه العاصفة الكونية هي الأساس الذي بنت عليه (الشلة) مداميك فكرتها وهي الرباط الذي وثق العلاقة بين أطرافها سواء بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أو المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي الذي انعقد بقاعة الصداقة بعد اتفاقية السلام.
أعرف مِن هذه الشلة الدكتور الشفيع خضر منذ الثمانينات، فقد قضى نحواً من ست سنوات في معتقلي شالا وكوبر، وتعرّفت عليه هناك، ثم جمعتنا القاهرة، ثم فرّقتنا الدروب واختلاف المواقف، وفي كوبر أيضاً عرفت صلاح عوض وتعاشرنا بعد الانتفاضة وظلت صلتنا طيبة وندية، وبالطبع الدكتور حمدوك الذي لم أخف تعاطفي معه تأسيساً على معرفة أتاحت لي قراءته من جوفه حين لم تكن رئاسته للوزارة غير فكرة في خاطر العدم. وكان متاحاً لي معرفة الشيخ الخضر، فقد تم اعتقالنا عام 89 في نفس اليوم، غير أن اختلاف موقعي الاعتقال حال دون أن تتم المعرفة، لكنني أعرف منذ أمد أنه (قنع) من خير الماركسية وبات يبحث في أفق المُتاح عن عدالة جديدة منذ العام 93، عام خروجه من الحزب الشيوعي.
سراب الماركسية الذي لن يصبح ماءً هو ما قوّي الصلة بين الشيخ الخضر وحمدوك، وأعاد العلاقة بينهما على نحو أعمق، فقد تزاملا في كلية الزراعة بجامعة الخرطوم وعملا معاً، وصلاح عوض في صفوف الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية، وفي العام 77 عقب المصالحة الوطنية، اجترح الحزب الشيوعي تنظيم المُحايدين الذي تتحالف داخله كل التنظيمات السياسية لتكوين اتحاد الطلاب، وكان عبد الله حمدوك المفاوض باسم الجبهة الديمقراطية لأكثر من 12 تنطيماً ورابطة طلابية.
هذا التراث من العمل الطلابي هو الذي جمع بين حمدوك والخصر وصلاح عوض، ثُمّ امتدّ لعملٍ مشتركٍ آخر تجلى في رؤية سياسية واقتصادية من خلال كتيِّب صغير كتبه صلاح عوض وقدّم له حمدوك وتبنّاه الشفيع خضر.
تتعرّض هذه الجماعة اليوم لحملة ستبلغ حَدّ الضراوة والفتك والاغتيال المعنوي، باعتبارها هي الآن السُّلطة الفعلية الحاكمة، وما يفتح الباب لأكثر الاحتمالات تشاؤماً أن المستهدف الرئيس الشيخ الخضر ظلّ في الظل منذ تسنمه منصب كبير المستشارين بمجلس الوزراء بما يجسر الطريق سالكاً لكل الاتهامات المُرسلة ويفتح مسالك الخيال بما يُعيد ما أُحيط بالمجلس الأربعيني وبهاء الدين محمد إدريس وسطوة طه وراسبوتين في شق شهوة السلطة بعيداً عن نساء القياصرة.
من الطبيعي أن يعين رئيس الوزراء من يثق بهم وأرى أن اختياراته كانت موفقة فتلك علاقة تمتد لأربعة عقود تخلّلتها هُمُوم فكرية وسياسية ومواقف نبيلة تجاه شعب، ومن هنا فالشيخ الخضر دون غيره مُطالبٌ بالظهور العلني والإجابة على أسئلة الناس برفع السرية عن طبيعة وظيفته، وشرح كل ما أُثير بإحلال الضوء الباهر مكان الضباب، خاصةً أنّ الجميع في قفص الاتهام والاتهام هذه المرة ليس قطع أراضٍ ولا قروض الاتهام، هذه المرة سرقة ثورة لم تكن في حرز!!!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى