البرنامج الاقتصادي.. الإبقاء أم التعديل

الخرطوم: جمعة عبد الله

تترقب الأوساط مناقشة وإعلان برنامج رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك للحكومة الجديدة الذي من المتوقع أن يكون اليوم “الأحد”، وفي الجانب الاقتصادي من البرنامج يبدو من المرجح اعتزام الحكومة الاستمرار في تنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي بحسب تفاصيل السياسات الاقتصادية التي تضمنها برنامج د. حمدوك للحكومة الجديدة، ويشتمل على رفع الدعم عن الوقود بصورة كاملة، وتحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه وإكمال رفع الدعم للكهرباء، فيما تتمسك قوى الحرية والتغيير برفض البرنامج، لأنه يسعى إلى تحرير الاقتصاد بصورة كاملة وما فتئت اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير تحذر من خطورة الاستمرار في تلك السياسات.

برنامج ملزم

الثابت أن برنامج رئيس الحكومة، هو الأرجح للتطبيق رغم تزايد الاعتراضات عليه من قوى سياسية ومختصين وخبراء اقتصاديين ومن القطاع الخاص، واستبق د. حمدوك تلك الاعتراضات بإعلانه مسبقاً قبل تشكيل الحكومة شرطاً للوزراء الجدد بالموافقة على تطبيق برنامج عمل الحكومة في شتى المحاور اقتصادية وسياسية، وهو ما وافقت عليه الأحزاب المشاركة ضمنياً، وأكد بعضها أن مرشحيها المختارين للوزارات الجديدة سيعملون وفق برنامج عمل الحكومة وليس توجهات أحزابهم.

التزام دولي

وما يزيد من ترجيح استمرار السياسات السابقة، هو التزام الحكومة ببرنامج مع صندوق النقد الدولي مدته 12 شهراً، حيث أعد الصندوق في سبتمبر الماضي برنامجاً للسودان يتابعه خبراء الصندوق كبرنامج مستوفٍ لمعيار الشرطية المطبق على الشرائح الإئتمانية العليا، وكانت الحكومة السودانية طلبت برنامجاً يتابعه خبراء الصندوق لإنشاء سجل أداء قوي فيما يخص تنفيذ السياسات والإصلاحات، وهو مطلب ضروري للوصول إلى تخفيف أعباء الديون.

وفي هذا البرنامج الذي ينتهي في 30 يونيو 2021، تعتزم الحكومة مواصلة العمل لإلغاء دعم الوقود، مما يتيح حيزاً لزيادة الإنفاق الاجتماعي، بما في ذلك الإنفاق على برنامج دعم الأسر، وخدمات الرعاية الصحية، مع توسيع القاعدة الضريبية، وترشيد الإعفاءات الضريبية ويعتبر الضبط المالي الناتج عن ذلك عاملاً أساسياً في الحد من خلق النقود بغرض تمويل العجز وخفض التضخم وتعتزم السلطات أيضاً اتخاذ إجراءات لإرساء سعر صرف موحد يحقق التوازن في سوق الصرف ويؤدي لإزالة التشوهات الاقتصادية، إلى جانب التدابير الرامية إلى تحسين الحوكمة، والحد من الفساد والمساعدة على تعزيز بيئة الأعمال والقدرة التنافسية.

إصلاح بلا بدائل

يشير المحلل الاقتصادي، د. هيثم فتحي، إلى صعوبة تطبيق الإصلاحات الاقتصادية على حساب الشرائح الضعيفة في المجتمع، وقال إنها معادلة بالغة الحساسية أن يتم إصلاح الاقتصاد دون إلحاق الأذى بالفئات الأكثر هشاشة.

وقال فتحي لـ “الصيحة”، إن التحدي الأكبر هو العمل على تحسين الاقتصاد، وتلبية توقعات المواطنين في مجالات التنمية والوظائف والرعاية الصحية والتعليم لولا تلك الإجراءات ستكون الأوضاع الاقتصادية أكثر صعوبة، لأن المحروقات من أهم عناصر النشاط الاقتصادي، ولفت إلى  أن التغير في أسعارها تترتب عليه تغيرات كبيرة في هيكل النشاط الاقتصادي ونسبة نموه.

وأشار فتحي إلى أن المنطق كان يقتضي وجود عمل مبرمج قبل رفع الدعم عن الطاقة لتحفيز العمل في مجال استخدامات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الحديثة ذات الكلفة الأقل، مشيراً إلى تأثير قرار رفع الدعم على طبقة محدودة الدخل، حيث إن له إيجابيات متمثلة في زيادة الإيرادات الحكومية التي تسهم في تحسين وتثبيت سعر الصرف، مما سينعكس بدوره على الإنتاج ومدخلاته، مقترحاً أنه يمكن التدرج في تطبيق الإصلاحات لتكون على دفعات لامتصاص الصدمة لتكون خفيفة خاصة أن أسلوب التدرج اتبعته دول عديدة بتشريع قوانين صارمة للتهريب الذي يرهق كاهل الدولة ومحاربة أسواق المضاربة في العملة بطباعة عملة جديدة تحد من نشاط حركة السوق الموازية بالاهتمام بالإنتاج والاستفادة من الموارد الضخمة التي تتمتع بها البلاد، مبيناً أن القرار يمكن أن يقلل من تهريب الوقود إلى دول أخرى يستفيد مواطنوها من الدعم السوداني للمحروقات، وأن رفع الدعم سيُساهم بصورة محدودة في سد عجز الميزانيَّة, ولكنهُ سيؤدي لارتفاع مُعدلات التضخم بصورة كبيرة، ولن تكون له مساهمة حقيقية في علاج أكبر أزمتين تواجهان الاقتصاد السوداني وهما أزمتا الموارد المالية وأزمة تراجع نمو القطاعات الإنتاجية “الزراعة والصناعة” وقال إن علاج هاتين الأزمتين الرئيسيتين “الموارد المالية والإنتاج” لن يتم إلا بعد الوصول لحل سياسي واستكمال مشروع السلام الوطني، وتوافق سياسي وطني شامل.

أفضلية الاستمرار

بدوره، يرى المحلل الاقتصادي قاسم الصديق، أن سياسة البنك الدولي إصلاحية، وهي ترمي لوضع لبنات حقيقية لبناء الاقتصاد، أما تأثيرها الآني فهو كارثي على رفع معدلات التضخم، لكنه في الأمد الطويل وبحسن استغلال الموارد الاستغلال الأمثل لقروض مؤسسات التمويل الدولية واتفاقيات نادي باريس، وتلك المتعلقة بالدعم الثنائي يزيد من الإنتاج وتمزيق فواتير توريد مواد أساسية مثل القمح والسكر والزيوت النباتية وزيادة إنتاج القطن وزيادة غلة العديد من السلع الأخرى.

وقال قاسم لـ “الصيحة”، إن النجاح في هذه النقاط سيؤدي لتحقيق وفرة في ميزاني التجاري والمدفوعات، ويبدأ التضخم في الانخفاض، بيد أنه قطع بعدم إمكانية تحقيق ذلك إلا بوجود جهاز تنفيذي قوي ومتمكن ومسنود بحاضنة سياسية منتخبة ومتمكنة من إصدار القرارات.

مقراً بأن رفع الدعم الكلي عن السلع وتحرير سعر الصرف هي من مطلوبات البنك الدولي لتمديد قروض بشروط واضحة لاستخدامها في التنمية الاقتصادية، وبذلك نقول إن أي دعم من سلع التنمية الاستراتيجية أو الخدمات حيث لا يتوقع تقديم دعم دولار نقدي سيرفع من تأهيل الاقتصاد طالما سيتم توجيه الدعم أياً كان نوعه في الأخذ بيد الاقتصاد المتهالك والمعلول.

يضيف قاسم: إن اقتصاد السودان أوغل في الانهيار ويحتاج للدعم بحالته الراهنة طالما سيأتي مشروط الاستخدام في مشاريع تنموية مصحوبة بدراسة جدوى محققة بعناية والظروف دائماً تكون مناسبة وملائمة لاستقبال الدعم الخارجي لأن الاقتصاد في حالة تدهور يومي مستمر، ولابد من إبطاء ولا نقول “فرملة” ذلك التدهور بتغيير وتيرة حالة الاستكانة لعوامل الإضعاف اليومية للاقتصاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى