سيناريوهات مُتكّررة.. الحركات المُسلحة والسلطة.. هل يصمد المحاربون؟ 

تقرير – نجدة بشارة

تم تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة والتي أعلنها رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك مؤخراً في نسختها الثانية، في إطار تنفيذ بنود اتفاقية السلام الموقعة أكتوبر الماضي بجوبا؛ بين حكومته وشركائها من حركات الكفاح المسلح.. وفقاً لتقاسم الثروة والسلطة، والشاهد أن تجربة إشراك الحركات المسلحة في الحكومة السودانية لم تكن الأولى حيث سبقت هذه  التجربة، تجارب وشراكات مع النظام السابق وفقاً لاتفاقيات  (نيفاشا، أبوجا، الدوحة)، لم تصمد وانهارت الشراكات في وسط الطريق، ورجع القادة من حيث أتوا.. ووفقاً لقرائن الحال والأحوال، تتولد المخاوف من تكرار ذات التراجيدية والسيناريو مجددًا ..

أدوار جديدة

ويرى مراقبون أنه ليس سهلاً وضع الحركات المسلحة في إطار ثابت، فقد ظلت الصفة الملازمة لها منذ عشرات السنين هي القفز في منتصف الطريق، ما يجعل استمرارها في الشراكة مع الحكومات أشبه بالمعجزات .

فيما يتساءل متابعون عن نسبة الاستمرارية على الاتفاق.. وهل ستلعب الحركات المسلحة دوراً جديدًا في السودان؟ في ظل نظام جديد؟ بعد أن استعانت بها الحكومة الانتقالية وأتاحت لها فرصة المشاركة الكاملة وتهيئة ملعب السلطة.

وبنظرة إلى الوراء نجد أن أهم أسباب فشل الديمقراطية في السودان بعد ثورة 1964 التي أطاحت بنظام الرئيس السابق الفريق إبراهيم عبود وانتفاضة 1985 التي أسقطت حكم الرئيس السابق المشير جعفر نميري أسبابها استمرار الحرب في الجنوب، لأن الحرب عامل أساسي في عدم استقرار الديمقراطية  في البلاد.

ولهذا السبب تبنّت الحكومة الانتقالية وحاضنتها السياسية قضية السلام كأولوية قصوى، وعمدت إدراجها  في الوثيقة الدستورية.. وسعت جاهدة للوفاق مع حركات الكفاح في جوبا إلى أن اكتمل الاتفاق مع الفصائل المسلحة، وتوج بتشكيل الحكومة الجديدة.

شركاء ولكن؟

حيث سبق أن وقعت الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومة السودان مجموعة اتفاقيات للسلام الشامل سميت بـ (نيفاشا) 2005م، نصت الاتفاقية على  تقاسم السلطة والثروة وقتها.. والتي ضمت جزءاً من فصائل انشقت عقب انفصال الجنوب وكونت الحركة الشعبية قطاع الشمال التي تشارك الحكومة الانتقالية اليوم.. وكمثال مشاركة رئيس الحركة مالك عقار مع حكومة الإنقاذ واليًا لولاية النيل الأزرق.. لكنه عاد مجددًا إلى الميدان وتحالف مع حركات دارفور تحت مظلة الجبهة الثورية.

وهنالك مشاركة حركة العدل والمساواة التي وقعت  اتفاقاً لوقف الأعمال العدائية مع الخرطوم في 2010 ضمن مفاوضات الدوحة للسلام, ونصت الاتفاقية على تقاسم السلطة على المستوى الوطني: ويحق بموجبها للحركات التي توقع على الاتفاقية ترشيح وزيرين وأربعة وزراء دولة على المستوى الفيدرالي؛ إلا ان الاتفاق سرعان ما انهار وانسحبت الحركة من هذه المفاوضات؛ ثم اتفاقية سلام دارفور لعام 2006، والمعروفة أيضًا باسم اتفاقية أبوجا، والتي وقعت من  قبل حكومة السودان السابقة إلى جانب فصيل من حركة تحرير السودان بقيادة مني مناوي. الذي أصبح  مساعداً للرئيس المعزول، لكنه عاد إلى القتال متهماً الحكومة بعدم تنفيذ بنود الاتفاق.

تغيُّر المناخ السياسي

المحلل السياسي والمراقب للعملية السلمية عبد الله آدم خاطر قال في حديثه لـ(الصيحة): صحيح أن عددا من القيادات المشاركة في الحكومة الحالية سبق وشاركت في حكومة الإنقاذ السابقة، وفقاً لتسويات سياسية، وأردف: لكن الآن تغير المناخ السياسي والمشهد بالبلاد، وتحولت إلى مرحلة بناء ديمقراطية تقوم على الشراكة وليس تسويات فردية، كما كان يحدث سابقاً.. وأوضح أن المناخ الدولي مساعد ومبارك للشراكات، بالتالي سيفرض على الشركاء الجدد خط سير واحد دون السماح لتعرجات فردية.

فيما يقول المحلل السياسي د. الفاضل عباس في حديثه لـ(الصيحة): لا مانع من زيد أو عبيد أن يشارك في الحكومة، وأردف: كلهم، مع استثناءات بسيطة، يتساوون في الحيرة وفي الإقدام على مهام لا يدرون تماماً كنهها، ولم يفصحوا عن منهجية معينة ينوون اتباعها. وما من شك فيه، بسبب عمل النظام السابق على تفتيت الحركات، وهو ما جعل كل فصيل يأتي بأجندة ومطالب خاصة، مما شكل عبئاً كبيراً.

كما شكلت مسألة انعدام الثقة بين الطرفين عاملاً آخر للفشل، فالنظام السابق كان ينظر للحرب مع الحركات على أنها حرب دينية وإيديولوجية، في حين كانت الحركات تعتبر نفسها حركات عسكرية تطالب بالتنمية المتوازنة أو إعمار المناطق المدمرة والمهمشة.

اختبارات صعبة

بيد أن الفصائل المسلحة بدأت مرحلة جديدة في العمل من الداخل، تقوم على المشاركة السياسية في السلطة الحاكمة، بعيداً عن استخدام السلاح الذي كان أداة رئيسية لمجابهة نظام الرئيس السابق عمر البشير.

ويرى خاطر أن الشركاء من رفاق الكفاح سيخضعون  لاختبارات سياسية صعبة لضمان استمرار علاقتهم بأصحاب المصلحة الذين عانوا ويلات الحروب طيلة السنوات الماضية.

وأكد أنه تقع على عاتق قادة الحركات المسلحة أدوار فاعلة لتخفيف صعوبة الأوضاع المعيشية في أقاليم الهامش، لأن تخليهم عن حمل السلاح سوف تكون له آثار إيجابية على توجيه ميزانيات الحروب لصالح التنمية في مناطق الحروب.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى