عبد الحفيظ مريود يكتب.. القرّاااااي

الخبر الصغير فى صحيفة “خيار الشعب”، قال إنَّ قياديّة في قوى إعلان الحريّة والتغيير، قالتْ إنَّ حمدوك، رئيس الوزراء رفض استقالة القرّاي، مدير المناهج. وإنَّ القرّاي يباشرُ مهامَه بمكتبه بالوزارة. التفصيلة الثالثة، هي أنَّ الوزارة شرعتْ في توزيع الكتاب المدرسي، ذاك الذي يتضمنُ المنهج الذي جمّده رئيس الوزراء وشكّل لجنةً لمراجعته. والذي حمل وزير التربية لكتابة مذكّرة، يُفهم منها أنَّه سيغادرُ في حال إصرار رئيس الوزراء على الرّضوخ لقوى الرّدّة “والظّلاميّة”.

وبغضّ النّظر عن صحّة ما يراه الخبراء في المنهج، قدحاً أو مدحاً، فأيُّ عاقلٍ يصرُّ في هذا التوقيت على توزيع منهجٍ جمّده رئيس الوزراء، ويصرُّ – بالتّالي – على تلقينه؟ الرّعيلُ الأوّلُ من المتعلّمين السّودانيين، تعلّموا استناداً إلى منهجٍ وضعه الخواجات استعمارئذٍ. رأتْ نخبتُهم أنّه يوافق دين، ذوق، تقاليد المجتمع السّوداني. ثمَّ ما وجدَ غالبهم – من اللاحقين – بأساً في الاحتفاء بالتجاني الماحي، مكّي شبيكة، المحجوب، الأزهري، عبد الله الطيّب، محمود محمد طه، الصّادق المهدي، صادق عبد الله عبد الماجد، التّرابي، حتّى شيخ الهدية، وغيرهم من الذين رضعوا مناهج الإنجليز، ولم “تطمس” بصيرتهم. وجّهَ أولئك الغردونيون نقدهم للمناهج تلك، على شاكلة ما فعل عبد الله الطيّب، نافياً “البركة” عن مناهج بخت الرّضا. وثم جاءنا بعضُهم بمناهج أخرى، تقطر “بركةً”. تلقّفناها، مثل أي “خادم فكي مجبورة على الصّلاة”، وخرجنا نعيبها، أو نباهي بها، في مقابل آخرين، درسوا في ظلّ مناهج الإنقاذ. لم “تطمس” المناهج بصائرنا، كما لم تطمس بصائر من هم قبلنا. ولن تطمس بصائر من درسوا في ظلّ نظام الإنقاذ، أو من سيدرسون مناهج القرّاي. لكنْ لماذا كلُّ هذا؟

الكثيرون ممن نازلوا نظام الإنقاذ الوطني، وجدوا في ثورة ديسمبر عزّاً، وتُكأةً، لا تتوفّر بغرس أيديهم. ذاك الذي حملَ الإمام الصّادق المهدي – له الرّحمة والمغفرة – للقول بأنَّ الكثيرين لم يكنْ لهم شَعرٌ، واتّخذوا “اعتصام القيادة باروكة”. في وضعٍ كهذا، سيعملُ أولئك على تصفية حساباتهم مع الإنقاذ، والإسلاميين، حتّى ولو أدخلهم ذلك في تنكُّب الصّراط. حتّى لو ركبوا حمير الظّلم والجور العرجاء، أو ارتكبوا حماقاتٍ كبرى في حقّ الشعب السّوداني، والأجيال القادمة منه. المهم، في اللحظة الرّاهنة، أنْ تشفي الفعال غلَّ صدورهم. وإلّا فما الذي يدفعُ القرّاي على الإصرار على أنَّ ما رآه هو المنهج الصّحيح، الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ومن خلفه، وهو نفسه، القرّاي، لم يدرس ذات المنهج. ولم يدرسه محمود محمّد طه؟ زميله وزير الإرشاد قدّم ملاحظاته الرّافضة له، مجمع الفقه الإسلامي فعل ذلك، وجميعهم ليسوا إنقاذيين، ولا تربطهم رابطة بالإسلاميين. بل عطّل رئيس الوزراء العمل به. فكيف لا يلتفتُ القرّاي لإمكانية أنْ يكون هناك صحيحٌ في، مقالاتهم واعتراضهم؟

علّق بعضُهم بأنَّ مايكل أنجلو نفسه لم يسمع به الكثيرون قبل منهج القرّاي، دعْ عنك لوحة خلق آدم. أنْ تصر الوزارة على توزيع المنهج الذي أرجأ رئيس الوزراء العمل به، لهو خطأٌ مكينٌ متعمّد. ليس لأنَّ المنهج معيب، وهو أمرٌ دقيقٌ وحسّاسٌ لا ينبغي لأمثالنا الفتيا حوله. ولكنْ لأنَّ إرساء قواعد الدّولة الحديثة، المدنية، عمليةٌ مستمرّة ولا تتجزّأ. يتوجّب النّظر فيها إلى سلطات وصلاحيات رئيس الوزراء بذهنٍ منفتح. وتؤخذُ تقديراتُه بعين الاعتبار، بلا “حَرَدٍ”، كما فعل القرّاي – الذي لا يقرأ، كما وصفه عبد الله علي إبراهيم في سجالٍ قديم – أو تهديداتٍ جوفاء غير تربوية كما فعل وزير التّربية.

شخصيّاً لا أرى أنَّ لوحة خلق آدم عمل له قيمة. وذلك لأنّني – وهو الغالب – شخصٌ قادمٌ من نيالا. وفي نيالا لم نسمع بمايكل أنجلو. أو كما قال الإمام أبو حامد الغزالي “اعلمْ أنَّ لله خلقاً كثيراً عظيماً لم يسمع بأنَّ الله خلق آدم وإبليس”.. فلا تفلقنا يا القرّاي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى