محمد فرح وهبي يكتب : إدريس محمد علي.. أغنية للحب والحرية!!

يردد الناس أغنياته كنشيد لوطن في المخيلة، لبلاد خفية لا يُبصرها إلا القريبون، من يعرفون الأزقة ومن تُقرئهم السلام حيطان المنازل المائلة والمستقيمة على حد سواء، من يعرفون أوطانهم كأنفسهم، من يقاتلون في سبيلها، إنها البلاد، البلاد التي رضي الله عنها، كيف إذن يُغضبها الدكتاتور ولماذا؟!.

في حي (أب خمسة) بمدينة كسلا تداخلت أعراق شتى وتمازجت، لم تكن حلة (أب خمسة)، محض حارة صغيرة يقطنها نفر قليل من الجهتين، إنما هي وطن كامل تذوب في أنحائه الجهات والناس وأشياؤهم، حكاياتهم الطازجة عن ماضٍ لن يعود وحلمهم الدائب بغدٍ أفضل، وأن تكون ابناً للحظة يعني أن تمتلئ بها، أن تكون ابناً لكل أهل الحي فهذا يعني أنك في (أب خمسة).. غناء الحقيبة الأمدرماني من أقصى نقطة في مركز السودان وبقعته البعيدة، تسمعها هنا بإضافة الحنين والتخيُّل، كأنها خيط رفيع يربطهم بآخرين في المكان البعيد، المكان الذي لا يعرف كثيرهم عنه شيئاً سوى ما رسمته الأغنيات، أغنيات

قرية قاجيوا بمنطقة الساحل خلّدت حضورها الجغرافي في إريتريا، حين شهدت منتصف الخمسينيات الميلادية مولد إدريس محمد علي، والذي سرعان ما سيمرُّ بمنعطف هام حين يفقد والديه ولمّا يبلغ العاشرة من عمره. فينشأ في كنف حامد، أخوه الأكبر وأحد مقاتلي الرعيل الأول للثورة الإريترية. ومنه انتقل إلى رعاية أخيه الآخر عبدالرحمن الذي كان له أعظم الأثر في تكوين إدريس الوجداني، قبل أن ينضم هو الآخر إلى قائمة طويلة من شهداء (البحث عن الوطن المغيّب).

إدريس محمد علي إرث حضاري لشعبين إذ لا يعني توزعه بين الجهتين إريتريا والسودان، إلا دالة واضحة على عدالة صوته الموزّع هو الآخر بينهما كنهر. في ستينيات القرن الماضي تأثر المغني بمغنين سودانيين ثوريين ربما مثلّهم الفنان الكبير والرمز حسن خليفة العطبراوي، والتي تقول الروايات إن إدريس احتك به وتعلّم على يديه بعض فنون العزف على آلة العود..

وربما لم يأتِ هذا التماس مع العطبراوي إلا في سياق المقاربات الثورية فكلاهما غنى لشعبه ولأرضه وللحرية: أنا سوداني أنا وغدا نعود ولا لن أحيد.. والكثير الكثير. وبالمقابل بمثلما فُطمنا على صوت العطبراوي، فقد كنا حضوراً طازجاً لحدث تشاركنا فيه جميعاً بالحُلم والصلوات، لم تكن حرية إرتريا غير أُمنية مُهرت بدماء الشهداء وصوت المغني يحلّق عالياً: إرتريا يا جارة البحر يا منارة الجنوب لأجل عينيك الحزينتين يأتي زحفنا من أقدس الدروب.

لإدريس محمد علي العديد من الأغنيات مابين لغة التقراي واللغة العربية وهو تميّز بجانب موهبته الفذة في الغناء، في كتابة الشعر والتلحين والعزف على آلة العود. تعامل مع العديد من الشعراء منهم على سبيل المثال: محمد عثمان كجراي، أحمد سعد، التيجاني حسين دفع الله وجمال الدين شبيكة، سليمان كليم والشاعر والرمز عبد الرحمن شنقب. يقول عنه الفنان موسى أحمد عبد القادر وهو رفيق نضاله وأحد أعضاء فرقته: إدريس جبل من جبال إرتريا وهو قيمة تاريخية كبيرة وهو المُحرض الأساسي لنا لنيل استقلالنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى