محمد حامد جوار يكتب: محمود عبدالعزيز.. حكاية سهرة تلفزيونية!!

موازير

محمد حامد جوار

محمود عبدالعزيز.. حكاية سهرة تلفزيونية!!

في ليلة شتوية ونحن في حفل في المزاد طلب مننا الأخ كردفاني (رحمة الله عليه) بل ترجانا بأن نعزف مع أحد أبناء الحي، وعندما صعد الشاب المسرح تفاجأنا بأنه كان صغيراً ونحيلاً يكاد لا يرفع رأسه من الأرض خجلاً.. وعندما بدأ يغني أدهشنا جميعاً بقوة أدائه وثقته في نفسه وعندما انتهت وصلته الغنائية شكرنا بأدب جم. وبعد فترة ليست بالطويلة بدأنا نسمعه في مدينة بحري.. الختمية.. المزاد.. الشعبية.. الخ ومعظمها مناسبات الزملاء والمعارف.. ومن ثم بدأ يشق طريقه بنفسه فالتف حوله أبناء بحري.

(كعادتهم) تشجيعاً ومؤازرة لمبدعيهم تكونت فرقة النورس التي ساهمت كثيراً في أن يظهر مبدعنا النحيف الحريف في أبهى صورة فنية غير تقليدية في التنفيذ الموسيقي الذي شكل توأمة مع أدائه المختلف عن من سبقوه فكان ترديده لأغنيات الآخرين له مذاق مختلف.. كان ابن بحري النحيف الحريف مجاملاً لأقصى حد لا يرفض طلباً معطاء.. متواضع.. مبتسم.. منزله مفتوح للكل وكذلك قلبه.. فدخل قلوب جمهوره من أوسع الأبواب.. التحق بالفرقة الفنية لسلاح المهمات وهو في قمة نجوميته ليس لأنه محتاج ولكن إرضاءً لزملائه أبناء بحري للمشاركة معهم في مهرجانات الإبداع العسكري والتي كانت تشهد تنافساً شرساً، كان يحضر صباحاً مع زملائه في الفرقة الموسيقية وينتظم معهم في البروفات حتى المساء ويذهب معهم (إن كان مشاركاً أو غير مشارك) للتنافس الذي كان وقته يقدم مساءً.

صار التدافع الجماهيري نحوه يسبب له كثيراً من  المشاكل إن كان بسبب الازدحام الشديد أو الخلافات الطبيعية في التعاقدات مع متعهدي الحفلات حتى منع من إقامة الحفلات العامة في ولاية الخرطوم.. وفي تلك الفترة كان هناك برنامج توثيقي بالتلفزيون اتصلت  عليه وكنت وقتها مشرفاً على التسجيلات بالإذاعة  فسألني؛- أنت موجود معنا أجبته بالإيجاب وكانت الإدارة المشرفة على السهرة الشهيرة متخوفة من أن لا يحضر، فبدلاً من تأجير صالة للتسجيل خارج التلفزيون تحوطت بأن تكون السهرة باستديو التلفزيون تحوطا أن لا يحضر.. ولكنه هزم التوقعات السالبة، إذ حضر إلى الإذاعة مبكراً.. استغلينا حضوره لحلقة التلفزيون وسجلنا له أربع أغنيات بالإذاعة هي (بعد الفراق)..(عمري) (وعد اللقياء) وغزال القوز.. وفي المساء كانت السهرة فغنى كما لم يغنِ من قبل وأعادت له جمهور الخرطوم الذي افتقده كثيراً.

كان لا يقبل أن يحرج أصدقاءه.. أتذكر قبل تسجيل تلك السهرة الشهيرة حضر لي في الإذاعة فاتصل على الحرس وقال لي بأن معه عدد كبير من المرافقين فاستأذنته ليدخلهم، لأني كنت أعلم إن رجع واحد ممكن يلغي كل شئ.

اتسعت له الرقعة الجماهيرية وكانت الأطراف السياسية تحاول جاهدة بأن تجعله إلى جانبها حتى يستفاد من ذلك الجمهور.. ولكن شاءت الأقدار أن يرحل ذلك الغمام في عز الهجير وترك فراغاً فنياً كبيراً.. وأعتقد بأنه قدم درساً بليغاً بأن النجومية وحب الناس ليس بالتعالي أو التفاخر والنظرة من أعلى للمعجبين.. فقد كان محمود عبدالعزيز اسماً على مسمى محموداً ومشكوراً.. وكريماً عاش غنياً بحب الناس وعنيداً مشاكساً في الدفاع عن الحق وحق الزملاء.

رحمك الله محمود عبدالعزيز.. ارقد بسلام فالكل يدعو لك بالرحمة والمغفرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى