كل أغنية عنده تمثل فكرة فلسفية بالغة التعقيد.. مصطفى سيد أحمد.. حكاية فنان يصطفي نصوصه بعبقرية!!

(1)

مصطفى سيد أحمد .. هذا العبقري الذي تحول لأسطورة .. كل أغنية عنده تمثل فكرة فلسفية بالغة التعقيد .. كان بمثابة مفكر عميق قبل أن يكون صوتاً غنائياً .. الأغنية عنده تمثل حالة شعورية تتوغل في تفاصيل الحياة اليومية .. لذلك تفرد مصطفى لأنه لامس الواقع وكان مباشراً رغم رمزيته .. شاعرية مصطفى سيد أحمد جعلته حاذقاً في اختيار ما يغنيه من شعر .. فكانت مدرسة مصطفى الغنائية .. هي مدرسة تنحاز للشعر المغاير والمختلف .. وبما أنه كان خارقاً .. سنحاول أن نضيء بعض تجارب أغنياته قبل خروجها للناس ..

(2)

الحكاية الأولى لأغنية (ليه غبتي يا القمرا)،  كتبت هذه الأغنية لمسرحية “أربعة رجال وحبل” تاليف ذو الفقار حسن عدلان ومن إخراج قاسم أبوزيد.. وهى واحدة من أغاني المسرحية وكلها من ألحان الراحل المقيم مصطفى سيد أحمد، مقدمة الأغنية أو الجزء الأول منها إلى المقطع “نشرب بواقي السيل” كتبه الاستاذ قاسم أبوزيد ويقول المطلع

الحال وقف/ وقفت معاهو كمان بلود

نار الفرح ما ولعت/ ساق الحراز كضب

شرب موية المطر/ دلوكة العز والعزاز

ما خنقت/ ليه غبت يا القمرة

نركب جياد الليل/ إنشرّ بينّا صباح

سفر العتامير.. ليل

وبجرأة الفنان الواثق من أدواته التعبيرية يستلف مصطفى من ” محمد الحسن حميد ” بعض السطور والمفردات الشعرية ويمارس القص واللصق ليكمل القصيدة من أشعار”حميد” بالمقاطع التالية:

صُدْ لى ملامحك يا حراز

ريح العوارِض … غرّبتْ

فرتِق ضفايرك .. فى الرزاز

جية العصافير .. قرّبتْ

عبقرية مصطفى قادته إلى دمج نصوص من شعراء مختلفين في التناول والأسلوب دون أن يختل المعنى العام للنص أو تحس أنت كمستمع بأن هذا النص أو الأغنية لشاعرين، وأنا أعتقد جازماً وإلى اللحظة أنه لم يكن لأحد أن يشك أن هذه الأغنية لنصين مختلفين لشاعرين هما حميد وقاسم، والذى قام بالدمج هو مصطفى لوحده وليس الشعراء.

(3)

الحكاية الثانية، حيث يقول الراحل  محمد الحسن حميد (أذكر أنه أحضر شريطاً عليه قصيدتي – الضو وجهجهة التساب – واداره فجاء الصوت هكذا : (ديك كورتن في الدشى غبشى مشكنة) فما كان منه إلا أن صاح في وجهي :- (ليه كورتن؟ لفتن ماله) وكان بعد ذلك أن ركن الشريط ولم يهدأ باله إلا بعد أن طمأنته أنها لفتن وستظل كذلك وليست كورتن. وبعدها انطلقنا في ذم الشعراء والكتاب الذين يخجلون من نوار البرسيم والويكة البالغ الروعة فيغنون للياسمين الذي لم يرونه أصلاً.

(4)

ومن هنا يتضح أن مصطفى كان واعياً ومدركاً لمصدر النص. وأيضاً إصراره على كلمة (عنب ) في رائعة بشرى الفاضل (حلوة عينيك زي عنب طول معتق في الخوابي – وباءت محاولاتي معه بالفشل لتغيير كلمة ( عنب ) إلى ( تمر) برغم استنجادي بالشاعر إسماعيل حسن حين يقول:-( ريقن يمة زي خمر التمور المن زمن طامرنو فى جوف الخوابي) وأننا نزرع التمر ونخفضه إلى خمر ولا نزرع العنب بل نراه في الأسواق، بعد كل هذه المرافعة عن التمر إلا أنه لجمني هاشاً هذه المرة قائلاً : (لو إسماعيل حسن كان عاش في روسيا لا من عرس منها زي بشرى الفاضل كان قال أكثر من عنب, فشيل عليك تمرك آ الشايقي) فسكت أنا بعد أن أدركت عمق عناده فهو مصطفى لا يصطفي نصًا ما لم يقنعه النص ودائماً ما كان يردد أن النص الجيد لا يحتاج إلى عناء في التلحين أو الغناء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى