تحت مباضع التشريح .. قانون مكافحة الفساد.. نِقَاشٌ في الهواء الطلق..!

 

الخرطوم- علي الصادق البصير

*جراحاتٌ مُؤلمةٌ

إعادة مسودة مشروع قانون المفوضية القومية لمكافحة الفساد، لوزارة العدل من قِبل مجلس الوزراء وإخضاعه لمزيد من التشاورات، قاد وزارة العدل لوضع المسودة تحت مباضع تشريح خُبراء ومُختصين ومعنيين بأمر مكافحة الفساد، وهي مُراجعات كشفت الكثير من الثقوب والثغرات، وبرغم من أنها جراحات على قروح مُتقيِّحة بالفساد، إلا أن هناك بارقة أمل لانتشال البلاد من ذيل قوائم الفساد الدولية والإقليمية.

عمليات عصف ذهني ألهبت قاعة وزارة العدل الرئيسية رغم رطوبتها العالية وتباعُد المناقشين من محامين وأعضاء المنظومة العدلية من قضاة ووكلاء نيابة وأساتذة الجامعات وممثلين للجنة تفكيك نظام 30 يونيو والمراجع القومي.

وزير العدل نصر الدين عبد الباري، أمّن على مبدأ ديمقراطية التشريع موضوعاً ومنهجاً وإرساءً لمباديء الدولة الدولة الحديثة: مسألة مكافحة الفساد مهمة من لأي مجتمع يصبو إلى التغيير ويتّجه لبناء نظام ديمقراطي، وهو ما تسعى إليه الانتقالية التي وضعت هذا الهدف في الوثيقة الدستورية، التي أشارت لمُحاربة الفساد لبناء مجتمع قائم على العدالة الاقتصادية ومحاربة الفساد، تسير باتّجاهين، رأسي خلال بناء مجتمع ديمقراطي يستطعون فيه مُحاسبة الحُكّام والمُؤسّسات الحاكمة بصورة مُستمرة، وأفقي من خلال قيام المُؤسّسات التي تُمكِّن من مُراقبة الحوكمة الرشيدة بصورة مُستمرة.

*البحث عن تعريف الفساد

مستشار وزير العدل للحوكمة، هشام عبد الله كاهن، أعدّ تقريراً نظر فيه للفساد من ناحية شاملة وليس من نظرة جنائية بحتة، وأوضح أنه بدأ العمل بتعريف الفساد، حيث قوانين السودان المُتعدِّدة تجرم الفساد، إلا أنها تخلو من تعريفٍ مُحدِّدٍ، لذلك تعريف الفساد بأنه إساءة استخدام الموظف العام للسلطة أو التأثير عليه لتحقيق مصلحة شخصية وذاتية وهذا التعريف مُهمٌ، بالنسبة لنا قضية الفساد هي قضية المال العام والتأثير على الموظف العام لتحقيق مصلحة ذاتية للموظف أو أي شخص آخر.

حدّد تقرير الوزارة وضع السودان من حيث الفساد بناءً على مؤشرات عالمية من جهاتٍ مختصةٍ، وجاء السودان بحسب تقديرات تلك الجهات في مُؤخِّرة الدول، وجاء ترتيب السودان رقم (173) من (180) دولة، إضافة للتقارير الوطنية التي أكّدت الاعتداء على المال العام ومُخالفات الوزارات المُختلفة في الإجراءات المالية فتبين أن الفساد هو سرطان التنمية.

هذا الوضع، جعل القائمين على أمر صياغة المسودة أمام تحدٍ كبيرٍ ومُراعاة ذلك عبر محاور الوقاية والرقابة والردع، في وقتٍ ظل فيه السودان مُحتفظاً بمُؤسّسات تعمل على مُحاربة الفساد وليست لديه إشكالات في القوانين.

*ضعف الإرادة السياسية

بالتالي أين تكمن المُشكلة؟ وهو سُؤالٌ أجاب عليه مستشار وزير العدل بتحديد نقاطٍ، جعلت الفساد مُستشرياً، وكانت النقطة الجوهرية تتمثل في ضعف الإرادة السياسية وهذا هو مَربط الفرس، وعلى تاريخ السودان السياسي لم تكن هُناك إرادة سياسية حقيقية لردع الفساد وهذا قبل الإنقاذ، أضف إلى ذلك عدم استقلالية المفوضية وعدم قُدرتها على إحراج أي منصب سياسي، كما أن ضعف الخدمة المدنية أضاف عُنصراً آخر لاستشراء الفساد وعدم استقلالية الأجهزة المعنية برقابة الفساد، ولحل هذه العقبات، تَمّ وضع خارطة طريق لمُكافحة الفساد بتقوية ولاية المالية على المال العام وتقوية دور الأجهزة الرقابية مع تجنُّب تضارُب الاختصاصات مع الجهات المعنية بالرقابة، حتى لا تَظهر (دَولة داخل دَولة).

*مطلوبات دولية

المُستشار د. ابتسام سنهوري مندوبة الأمم المتحدة “البرنامج الإنمائي” والمُشارِكَة في إعداد المسودة، اهتمت بالمطلوبات الدولية لمكافحة الفساد، وقالت إنه من مطلوبات البنك الدولي للسودان للنظر في ديونه وفق برامج ديون الدول الفقيرة ذات المديونيات العالية أن يعمل في مكافحة الفساد، لذلك اهتمت الوزارة بوضع القانون وإنشاء المفوضية.

*تقاطُعات صارخة

حُظيت نقاشات المُختصين بمُداولات هادئة وعميقة، معظمها مبنيٌّ على الخبرات التراكمية، وهو ما أكّده مولانا عادل عبد القادر بالسلطة القضائية، الذي قال: منوط بنا كسُلطة قضائية تطبيق نصوص القانون، وما جاء في بعض بنود المسودة فإنه يتصادم بتقاطُعات تحُول دون تطبيقها ويصبح وقتها (القانون حبراً على ورق)، فمسألة ردع الأساليب الفاسدة وردت في القانون المدني، في حين أوردتها المسودة على أنها جرائم فساد وأضاف إليها جرائم أخرى، فهذا القانون يتعارض بتصادُم مع قانون المُعاملات المدنية، مثلاً اعتبر القانون الجديد الإثراء بلا سبب جريمة، والقانون المدني لا يعتبرها جريمة، بل مُعاملات مدنية (إيجار الباطن)، وهذا يُحْدِث تقاطعاً كبيراً، فإذا تمت إحالته للنيابة فإنها تعتبر الاختصاص مدنياً، حيث ورد نص لجريمة وهي أصلاً مدنية، ومسألة (تعارُض نصوص قانون المفوضية مع قوانين أخرى تسود أحكام هذا القانون)، هذه العبارة لا تعطي الخصوصية للقانون الجديد، فالخصوصية لقانون تفسير القوانين وهي المصلحة التي يحميها القانون.

*ما هو الفساد؟

أيضاً التعدي على الأراضي، وهذا يتعارض مع مبدأ قانون المُعاملات المدنية المادة (559) تنص: (الأرض لله والدولة مستخلفة عليه)، هذا القانون جعل الحيازة حقاً في الكسب للملكية وفق القانون الجديد اعتبره فساداً، كذلك تتحدّث قانون المفوضية عن الأموال العامة والخاصة، المال العام محمي والخاص كيف تحميه؟ وهو لا يليك لو اعتبرته جريمة يتقاطع ذلك مع قانون آخر وهذا تزيد، أيضاً من المُلاحظات المُهمّة أنّ المادة (8 د) لا بُدّ من تعريف الفساد والممارسات الفاسدة، وهي غير معرفة، إضافةً إلى أن الأجهزة الواردة في المادة (5) لم تتحدّث عن المقصود.

قاضٍ آخر اعتبر القانون الجديد فيه جُهدٌ مقدرٌ وغطى جوانب أساسية في ما يلي مكافحة الفساد، وقال: هناك فساد اجتماعي وسياسي وأخلاقي وما توقفت به المواد من 22 الى 28 غطّت جوانب مهمة مثل شهود النيابة واسترداد الأموال، وأعتقد أن القانون غطّاها بطريقة مُرضية، واقترح أن تكون الآليات فيها نيابة وفيها محكمة متخصصة.

*تحديد السُّلطات

الأستاذ نبيل أديب المحامي، طالب بتوضيح سلطة التحقيق وكافة السُّلطات للمفوضية، بالتحديد سلطة التحقيق، فهل هو تحقيق جنائي؟ وهل لها سلطة قبض؟ وما هي الضمانات؟ لأن هذا يمكن أن يؤدي للفساد، لأنّنا ننظر إلى السُّلطة الممنوحة للمفوضية وأنها لا تتجاوز حدود حقوق الأفراد في القبض والاحتجاز ومدته، وقال: قانون المعاملات المدنية ليست فيه جرائم، فهل هذا يقود إلى الوساطة المدنية وهذه تحتاج قانوناً واضحاً ومفصلاً، واقترح أن تقدم المفوضية لرفع دعوى مدنية وهذا يتطلب الشك المعقول للاشتباه وتقديم البيِّنات للفساد.

مُعالجات أخرى

وكيل أول نيابة الثراء الحرام والمشبوه إشراقة، تناولت جوانب إجرائية قد تحدث ربكة عند تداخل الاختصاصات في إشارة للمادة (10 د) الخاصة بطلب فحص إبراء ذمة من النائب العام إذا اقتضى التحقيق ذلك، وقالت انّ قانون الثراء الحرام فيه إبراءات الذمة وإن النيابة تتلقّى الإقرارات من الفئات وفقاً للمادة 15 وتودع مستقلة وفيها لجنة فحص فيه رئيس القضاء ووزير العدل وهذه فرصة لتعديل شامل لقانون مكافحة الثراء الحرام وفيه نصوص كثيرة تحتاج إلى مراجعات، إذ نتلقى الإقرارات وهذا إقرار ابتدائي، وهناك إقرار في منتصف الخدمة وآخر في نهاية الخدمة، وعلينا أن نقارن بين الإقرارات والعقبة في لجنة الفحص، النص طلب فحص إقرار الذمة من النيابة العامة وليكون النص مُفعّلاً نحتاج لتعديل هذا القانون أولاً وبدون تقاطعات.

وتناولت وكيل النيابة ما جاء في المادة (20) والتي تناولت وحدة التحقيق بعدد مناسب من ذوي الخبرة في التحري الجنائي، هذه المادة تحتاج إلى تنسيق مع السلطات الأخرى، خاصة في مسائل الاختصاص النوعي، ولا بد أن يكون هناك تفصيلٌ لاختصاصات المحقين في قضايا المفوضية.

*خطوة مُتقدِّمة

الأستاذ الجامعي والكاتب الصحفي الدكتور عبد اللطيف البوني، اقترح للمفوضية ألا تتوسّع في مهامها واختصاصاتها طالما هناك أجهزة تقوم بذات العمل، والاهتمام بالفساد السياسي والتهافُت على الوزارات والاهتمام بدور المُواطن العادي وكيف ينتصر لمفوضية مكافحة الفساد. وهذه تكون خطوة متقدمة والبحث عن كيفية حماية الصحفي ليلعب دوراً كبيراً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى