الصّناعات الدفاعيّة.. ما وراء مُحاولات التدمير

 

التخطيط: ما لم يتم التشبيك مع الجهاز التنفيذي ستنهار ركيزة الأمن القومي

توظيف خُطُوط إنتاج الصناعات الحربية للصناعات المدنية، بنسبة (20%) فقط

البنوك السودانية لا تُموّل الصناعات العسكرية وتصريحات د. البدوي كارثية

دخول المنظومة في المجال المدني للمحافظة على الميزان التجاري وتوظيف فائض الطاقات

طائرات الجيش كانت تُرحّل في حاويات لروسيا بغرض الصيانة

 

الخرطوم: علي الصادق البصير

كَشفت قيادات رفيعة بمنظومة الصناعات الدفاعية، حقائق خطيرة ومُثيرة عن مُحاولات لتدمير المنظومة السودانية العاملة في مجال الصناعات الدفاعية (التصنيع الحربي سابقاً)، فيما قلّلت من تأثير معلومات مغلوطة تبثّها دوائر بغرض إضعاف المنظومة الدفاعية بالبلاد وتفكيكها، وكشف تنوير  خاص للإعلاميين بمقر رئاسة المنظومة معلومات مثيرة وخطيرة، ذات علاقة وثيقة بالإمداد العسكري للقوات المسلحة في ما يتعلق بالصناعات الحربية، وولاية وزارة المالية على المال العام…

(الصيحة) رصدت أهم نقاط التنوير الذي قدمه كل من المدير الإداري للتخطيط الاستراتيجي بالمنظومة، المهندس عبد الجبار إبراهيم نائب المدير المدني الجيلي تاج الدين أبو شامة.

*قصة المنظومة:

المدير الإداري للتخطيط الاستراتيجي بالمنظومة، المهندس عبد الجبار إبراهيم: قدم شرحاً حول نشأة وتطور منظومة الصناعات الدفاعية وهيكلها ونشاطاتها ودخولها في عدد من المجالات، وقال إن الهدف الأساسي هو توفير احتياجات القوات المسلحة من الدبوس إلى الدبابة والطائرة، وأن كل الدراسات تشير إلى أنه لا توجد آلية للاستمرار في تحقيق هذا الهدف ما لم تتوفر بدائل أخرى، ولا بد أن يكون هناك مصدر تكوين يخدم المدخلات ويقلل الصرف خاصة وأنه حال شراء الدولار من السوق الأسود فإن المنظومة ستسهم في زيادة التضخم، ورفع سعره في السوق الموازي، والسؤال الذي فرض نفسه في ذاك الوقت: كيف نستمر في توفير مدخلات الإنتاج في ظل غياب تام لعمليات الدفع المقابل للقوات المسلحة في تلك الظروف؟.

إجابة السؤالين لا بد أن نستثمر ونبحث ونطور الكادر البشري الموجود وفوائض الطاقات التي يمكن استخدامها في نواحي الاقتصاد لنحقق غايتين بما لا يخل في الميزان التجاري، وهذه النقطة جعلتنا نفكر في الجانب المدني والسؤال كيف وبأي آلية دون أن نؤثر في الاقتصاد ونربكه.

*خطوط إنتاج عسكري ومدني

عملنا (فورم) برئاسة المنظومة حددت أولويات الصناعة والتنمية التي يجب أن نقوم عليها، لتقليل الخلل في الميزان التجاري ونوفر تكاليف المدخلات مع استمرارنا لإرجاع الفائض ونوفر للقوات المسلحة احتياجها، وذلك عبر عدد من المحاور: ترتكز على الدخول في المنتجات المدنية بما نملك من خطوط إنتاج، وهو ما حدث في خطوط إنتاج الطائرات وجياد لصناعة السيارات، مثلاً مجمع صافات تم إنشاؤه لتوطين صيانة وعمرة الطائرات العسكرية، وهو أول جسم للدولة عمل صيانات كاملة، وقبله كانت هذه العمليات تتم في الخارج حيث يتم حمل الطائرة في حاوية لروسيا وتعود مرة أخرى والهدف من التأسيس هو تقليل هذا الجهد.

وتم تدريب الكوادر بالخارج والداخل.. هذا النموذج موجود وشغال نطوره ونكسب منه ونوظفه في الأعمال المدنية، بنسبة لا تتجاوز الـ(30%) من النسبة الكلية للمشاريع ونركز أن تكون خارج حدود الدولة ليكون هناك عائد صادرات، فالطائرات الموجودة في مطار الخرطوم هي طائرات مدنية يقوم بصيانتها ذات الكادر، أما النموذج الثاني جياد لصناعة المركبات وهي في الأصل لا تصنع مركبات مدنية بل تصنع المحركات العسكرية وناقلات الجنود بذات الخطوط وبنسبة بسيطة للتصنيع المدني، هذا الوضع بالنسبة لنا حل وللدولة وقتها حل.

أما بخصوص الشركات التي تتبع للمنظومة، فإن هناك شركات انهارت مثل المسلخ، المحالج والطماطم والنسيج وغيرها، وكان دورنا قبل أن ندخل بمقدراتنا الصناعية وعلاقاتنا الخارجية كان تفكيرنا أن نعيد تأهيل هذه الشركات الصناعية، وهذا واضح في المسلخ والنسيج وهو برنامج للاستفادة من فائض الطاقات.

تقييم الصناعات غير الموجودة في السودان كصناعة الحديد والسبب كان أن لنا مصاهر للمواد الخام العسكرية وتم توظيف هذه المصاهر والخطوط لسد العجز وبعدها انطلقت صناعة الحديد بالبلاد.

*خيارات صعبة

يقول مسؤول التخطيط: كان أمامنا خياران لنحقق عائد صادر خارج السودان ونستفيد منها في مدخلاتنا: لابد من إيجاد مصدر تكوين يحافظ على هذه المدخلات ويقلل من  صرف المدخلات على الميزان التجاري، فالدولار الذي نجلب به مدخلات إنتاج عسكري ومعروف أن (70%) من منتجاتنا  مستغل عسكرياً والبنوك السودانية لا تعطي أي تمويل للصناعات العسكرية.

والمنظومة تتمتع بمركز مالي قوي، ولا نقصد به الكتلة النقدية وإنما الضمانات والعلاقات المالية للشركات العالمية والتي يمكن أن تضمن المنظومة ولا تضمن وزارة المالية، بالإضافة إلى امتلاك المنظومة لنظام حوكمة ومراقبة محكمة مالياً وفنياً لنساعد في تحقيق رؤية الدولة.

*صلاحيات تنفيذية

وفي ما يتعلق بعلاقة المنظومة بالجهاز التنفيذي، يقول عبد الجبار: قدمنا تنويراً للسيد رئيس الورزاء ورئيس المجلس السيادي وأخبرناهما أننا قادرون على التحرك حسب خطة الدولة، وشرحنا لهما الهيكلة التي تضم مجلسين لهما صلاحيات مجلس الأمناء، مجلس أوليات الصناعة والتنمية، وهذا منوط به وضع سياسات الأولويات في الاستثمار المدني، وعضويته وزير الصناعة والتجارة والبنى التحتية، والمجلس الآخر للتمويل والاستثمار، يرأسه وزير المالية، ويضع أوليات الصرف بما يتسق مع توجهات الدولة.

داخلياً لنا المفتش العام، وهي الإدارة العامة للحوكمة، وهي سلطة الرقابة والتفتيش على كل مؤسسات المنظومة وتراجع دفاترها وماليتها بواسطة المراجع العام، وكل شركاتها ملزمة بتقديم إبراء ذمة سنوي من الضرائب والزكاة وكل الرسوم المالية الرسمية، ويسري على شركات المنظومة كل ما يسري على الشركات العامة في لوائح وقوانين الاستثمار والشركات، والإعفاء فقط لمدخلات الإنتاج العسكري.

قدمنا هذا التنوير لقيادة الدولة للعمل بهذا النسق، والتزمنا أن نقلل الصرف على الواردات العسكرية بأقل ما يمكن وإعادة تأهيل ما هو وجود، والمحافظة عليه.

*مخاوف انهيار

قال مسئول التخطيط الاستراتيجي: “ما لم يتم التوافُق والتشبيك مع المُكوِّن المدني بالجهاز التنفيذي ستنهار الركيزة الأساسية للأمن القومي وستلحق المنظومة بقائمة المشروعات الكُبرى التي انهارت بالبلاد”، وأوضح، مقدرات المنظومة الدفاعية لإسناد الاقتصاد الوطني، وشرح النموذج السوداني في هذا المجال ومحاوره لتوطين الصناعات كافة. وسرد تفاصيل دقيقة حول نموذج المنظومة وهيكلها وخطوط إنتاجها وسعيها لتقليل العجز في الميزان التجاري، من خلال توظيف خُطُوط إنتاج الصناعات الحربية للصناعات المدنية، وقال إنّ الصناعات المدنية تشكل فقط (20%) والعسكرية (80%)، وجزءاً بسيطاً من الصادرات وعلى مستوى الدخل تمثل الصناعات المدنية أقل من (13%)، مما يؤكد أن العمل المدني غير مؤثر في عملها وهو مكمل فقط.

*معلومات مضللة

تناول التنوير معلومات مضللة وصفتها المنظومة بـ(الضارة) وقال جابر: هناك حديث عن إعفاءات وامتيازات وعدم دفع لعوائد الصادر، وخروج شركات المنظومة عن ولاية المال العام، وفي ذلك نقول: عوائد الصادر لمن لا يعرفها أمر مضلل ودعمنا للدولة بتخفيف الخلل في الميزان التجاري بزيادة الصادرات، والأرباح تكون أولويتها للدولة سواء للقوات المسلحة أو المالية، أما مسألة ولاية المال العام: يتم تداولها بشكل منقوص في تقديري وللحديث حول هذه الجزئية علينا تحديد ما هو النظام الاقتصادي المتبع في البلد؟ رأسمالية، اشتراكية، مزج بينهما، أم رزق اليوم باليوم أم ماذا؟ لا أحد يستطيع أن يجيب على هذا السؤال؟ فالمنظومة تتشكل وفق سياسة اقتصاد البلاد…

وتساءل جابر: ما المقصود بولاية المالية على المال العام، أهي الرقابة أم الالتزام بالإجراءات المالية والمحاسبية؟ وكلا المطلوبات موجودة وإثباتها سهل جداً، لأن المنظومة تعمل بنظام أوربي متقدم جداً، المعلومات المغلوطة مضرة جداً، وقد تتسبب في تعثرات كثيرة (خنقة)، والدخول في دوامة تفقدنا دعم القوات المسلحة في مجال الصناعات الدفاعية، وقد تؤدي إلى حل المنظومة كما حدث لسودانير ومشروع الجزيرة وغيرهما من المشروعات الكبيرة، لذلك نحن على استعداد للجلوس مع أي جهة ومناقشتها لتحقيق ما يفيد البلاد وأمنها واقتصادها، أو إخبارنا بنموذج أفضل من الذي عندنا.

 *حديث دعم العجز

نائب المدير المدني الجيلي تاج الدين أبو شامة، التضارب في تصريحات بعض المسؤولين حول ما أُثير مؤخراً بشأن المنظومة، وقال إنّ الكارثة الكبيرة التي وقعت فيها وزارة المالية إبان فترة د. إبراهيم البدوي هي تصريحاته الغريبة حول ما تم في مُبادرة (سودان الخير)، وكشف أن أول لقاء لهم كمنظومة بالبدوي عندما تولّى حقيبة المالية، وأكدوا له أنّهم يريدون دعم الفترة الانتقالية بتحسين الميزان التجاري، ورحّب بالمُبادرة وتحمّس لها وكوّن لها لجاناً سياسية واقتصادية فيها عضوية من الحرية والتغيير وعدد من الشخصيات والفنيين بالمالية، وتمّت (4) اجتماعات سُميت (سودان الخير)، وتساءل الوزير وقتها عن حجم الدعم للعجز البالغ (9) مليارات جنيه سوداني، يملك منها (3) مليارات فقط، من صادرات الذهب وبعض المحاصيل، وأضاف: قلنا له يا دكتور أوقفنا كل الإنتاج لدعم المشروعات القومية ولنا (14) مشروعاً بقيمة مُضافة. وبعد الترحيب بالفكرة كوّن لجنة تسهم في الميزان التجاري بـ(19%) وتقلّل العجز بنسبة (25%)، لكنه طالب بزيادة التحسين في الميزان لـ(2) مليار جنيه “قلنا له مستحيل واعتذرنا”. وقال إنهم تفاجأوا في اليوم التالي بتصريحات غريبة وكارثية، أدخلت البلاد في أزمة دولية وأثّرت كثيراً في بعض الملفات الخارجية، وذلك عندما قال إن المنظومة ستدعم المالية بـ(2) مليار دولار، وهو حديث خارج النص ولا علاقة له بالواقع، وأضاف “الجن ركب العالم كله، فكيف لمنظومة تصنيع حربي تدعم بمبلغ ملياري دولار وهو ما لم تقم به أكبر المؤسسات العالمية، وهذا الحديث قاد إلى الحديث حول أنشطة المنظومة وطبيعة عملها، بحساب أنه ولطالما هناك مليارا دولار للدعم، فإن الأرباح تتجاوز الـ7 مليارات دولار”.

وقال أبو شامة، إن هذا الحديث جعل البلاد في وضع حرج للغاية، واعتبر صندوق النقد الدولي أن السودان لا يحتاج لدعم مما اضطر الصندوق لاستجوابه في اجتماع مباشر وأجاب بالنفي، وهذا جعلهم يطالبون بالقوائم المالية للمنظومة وهذا ما حدث.

عائدات الصادر

وحول ما أُثير في المالية عن عدم إيفاء المنظومة بعائدات الصادر، قال أبو شامة: أي شخص أو جهة اعتبارية تريد التصدير تقوم بملء أورنيك تصدير من بنك السودان ونشر الوسائل عن الميزان التجاري صادر اللحوم والذهب والسمسم ووارد البلاد من بترول وقمح، وظهر العجز في الميزان أكثر من (3) مليارات دولار، وهذا يتم في بنك السودان، ولا يتم في وزارة المالية، والمالية في ولايتها للمال العام تسعى لضبط المال العام والتأكد من تحصيل الصادر وفق الإجراءات المتبعة، وهذا ما تم ويتم للمنظومة، إذ نتبع نظاماً أوروبياً للحوكمة وبه نظام رقابة ومراجعة دقيقة تتم بالمراجع القومي وبملف ضريبي يمكن لأي شخص الاطلاع عليه.

أصوات نشاز

وقلل أبو شامة من إثارة بعض الأقاويل والأصوات التي وصفها بالنشاز، وقال إن الجهاز التنفيذي متوافق ومتفهم لما يدور في المنظومة، وقد تم تنوير رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بما يدور في المنظومة وأعجب بالورقة المقدمة، وقال إن هذا نظام عالمي ويريد نقل النموذج على الأرضية المدنية وتعميم التجرية وتنوير كل الجهاز التنفيذي وهذا ما حدث، فهناك توافق على مستوى الحكومة المدنية، “أما ما يخص بعض الأصوات على مستوى الحاضنة السياسية فهذه لا يعنينا كثيراً طالما هناك قناعات راسخة داخل مركز القرار بمجلس الوزراء”. وكشف أبو شامة، عن اتجاه لطرح (21) شركة تتبع للمنظومة للمساهمة العامة من بينها (ساريا).

أيضاً ما يثار حول الدخول في المجالات المدنية وحتى لا نضيع أموال البلد، فإن الدخول في المجالات المدنية هو توظيف لخطوط الإنتاج في مجالات تخدم الاقتصاد القومي وتقلل في ذات الوقت الفارق في الميزان التجاري، مثلاً اليروموك أن أوظفها للإنتاج المدني ستتحمل الدولة تكاليف باهظة جداً في الإنتاج العسكري، المبني على طلبيات محددة ومتباعدة في أزمانها.

بالنسبة للصادرات كانت هي حلول وابتكارات جديدة توازن ما بين مطلوبات الإنتاج العسكري في ظل ظروف اقتصادية معقدة وما بين الدخول في الصناعات المدنية بنسبة بسيطة، وما ندخل فيه يأتي في أطار المشاركة العامة في دفع عجلة الاقتصاد والتنمية، وربما يفهم بعض الناس هذه المسائل بطريقة مغلوطة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى