الثنائيات في الغناء السوداني(1) ختم وحسن .. ثنائي بانت

 

وثّق لهما: سراج الدين مصطفى

(1)

عبد العزيز محمد داؤد أو أبو داؤد كما نحب أن نطلق عليه.. إذا أردنا القول بأنه فنان فربما نكون حصرنا الرجل في أضيق مساحة للتعريف، فهو حالة أشمل وأوسع، فهو كل التعريفات تتقاصر دون قامته، لأنه كان نسيج وحده في كل تكويناته الإبداعية وربما هو حالة من الألق اللامتناهي.. ورغم رحيله قبل أعوام عديدة خلت، ولكنه مازال يشكل حضوراً طاغياً ونكاد لا نحس بغيابه إلا جسداً.. وسر هذا الحضور الدائم لا يمكن تفسيره على أوجه كثيرة ..فصوته المشحون بالتطريب يكاد يكون سبباً كافياً لخلوده وتمدده على مساحة كبيرة من الوجدان والذهن.

(2)

تعامل عبد العزيز مع الكثير من الملحنين والشعراء، إلا أن أكثر من ارتبط اسم عبد العزيز به كان الأستاذ المرحوم برعي محمد دفع الله، والأستاذ بشير عباس عازفي العود المجيدين. رحل أبوداؤود ولم يترك غير هذا التراث الضخم وهذه السيرة العطرة وما تزال قفشات أبوداؤود ونكاته تثير البهجة في نفوس كل السودانيين وما زال أبوداؤود يطرب كل من عشق وعرف معنى التطريب وما برحنا نسمعه يقول (مناي في الدنيا قبل الرحيل أخلي العالم طرباً يميل).

(3)

رحل عبد العزيز محمد داؤد قبل أعوام طويلة، وترك سيرة ناصعة من الجمال والألق اللامتناهي، ولعل ارتباطه الوثيق بالملحن البارع (برعي محمد دفع الله) شكل ثنائية باذخة العطاء وقدما سوياً مزيجًا من الإبداع الغنائي العاطر، ولعل تلك الثنائية الشهيرة رفدت المكتبة الغنائية السودانية بالعديد من الأغاني. ولكن بعيداً عن ارتباطه ببرعي محمد دفع الله، تغني عبد العزيز محمد داؤد لغيره من الملحنين مثل الموسيقار بشير عباس ولكن أغنيته ذائعة الصيت (الفينا مشهودة) هي أيضاً ثمرة لتعاونه الفني مع الأستاذ والفنان والملحن (ختم الطيب) ..

(4)

 ويحكي العم ختم عنها قائلاً (ذهبت ذات اليوم للشاعر الكبير محمد علي أبو قطاطي في منزله بالخليلة، وقلت له إن الوسط الفني هذه الأيام مليء بالأغاني التي تمجد ثورة مايو وقائدها جعفر نميري، وأنا أريد منك نصاً شعرياً يحكي عن عظمة الشعب السوداني ويمجده ولا يمجد الأشخاص، لأن الوطن باقٍ والأشخاص زائلون، ويضيف الأستاذ (ختم الطيب) قائلاً (في تلك اللحظة نادى الشاعر محمد علي أبوقطاطي ابنه وطلب منه أن يحضر قلماً وورقة .. وحينما أحضرهما، كتب أبوقطاطي هذا المطلع:

الفينا مشهودة عارفانا المكارم أنحنا بنقودا

والحارة بنخوضا

الزول بفتخر يباهي بالعندو

نحن أسياد شهامة والكرم جندو

ما في وسطنا واحداً ما انكرب زندو

البعجز بيناتنا بنسندو

الليلة بنخوضا

وقام أبوقطاطي بقراءة النص الشعري وقلت له (يلا واصل) فكتب مواصلاً في النص الشعري قائلاً:

ركابين علي الناصع أب غرة

نتباشر وقت نلقى الكلام حرّ

ما بنفز يمين إن متنا فد مرة

الخواف ما حر منو نتبرا

الليلة بنخوضا

للجار والصديق عشرتنا تتمنى

بنصون الأمانة السيدا أمنا

المغرور ندوسو ونعدمو الطنة

شافعنا بيرى الموت في الركاب سنة

(5)

ويسترسل الأستاذ ختم الطيب قائلاً( بعد أن انتهى من كتابة قصيدة (الفينا مشهودة) طلب مني أن ألحنها على إيقاع (الدلوكة) ليتغنى بها ابن خالي المطرب الشاب وقتها (الطيب عبدالله) .. وبالفعل قمت بتلحينها اللحن المعروف للشعب السوداني، ولكن الطيب عبد الله لم يتغن بها نسبة لظروف سفره للسعودية وقتها، وطلب أبوعركي البخيت وخليل إسماعيل التغني بها، ولكني قلت لهما إن الأغنية لا تشبهكم في طابعها اللحني، وذات يوم سمعها الملحن (أحمد زاهر) في واحد من زياراته لي في (حوش بيتنا) الوسيع الذي ضم العديد من المبدعين وأشهرهم محمد وردي والذي لا يذكر التاريخ بأنني أول من قدمت له يد المساعدة في الدخول للإذاعة، المهم في الأمر أن الأستاذ الملحن (أحمد زاهر) قابل الفنان عبد العزيز محمد داؤد في بوابة الإذاعة وحكى له عن أغنية (الفينا مشهودة) وبالفعل حضرا لي في المنزل واستمع أبوداؤد للأغنية وأعجبته وقمنا بتحفيظها له أنا وأحمد زاهر بالعود وبعد يومين من البروفات تم تسجيلها للإذاعة.

(6)

الجدير بالذكر أن الأستاذ ختم الطيب كان يشكل ثنائياً مع رفيق دربه وابن أخته (حسن إسماعيل ) الذي مات مقتولاً في إحدى المناسبات في مدينة أمدرمان، وكان يطلق عليهما وقتها (ثنائي بانت) لارتباطهما بحي بانت غرب – أمدرمان، وكان ثنائي بانت (ختم وحسن) يتميزان بطابع صوتي جميل وشكلا ثنائياً حميماً في بنية الأغنية  السودانية وظهر ذلك  بوضوح في تبادل منسجم مع اللحن الموسيقي على الخط الأساسي الميلودي وشكلا وقتها بعثاً جديداً متباعداً عن الخط اللحني لأغنية الحقيبة المتسم بالدائرية والنمطية، ويظهر ذلك بوضوح في أغاني مثل أغنية (لوعة العشاق) أو (حسدونا ليه في الحب) –  كلمات الشاعر  محمد الطيب عربي – ألحان الموسيقار د. عبد الماجد خليفة وأغنية (غاب حبيبي) – للشاعر كباشي حسونة.. ألحان الموسيقار : علاء الدين حمزة.. وجاءت تلك الثنائية المتفردة  بلونية جديدة في الأغنية السودانية تتميز في التوافق بين الكلمة البسيطة المعنى واللحن الخفيف المطرب دون أن تحيد عن السلم الخماسي الذي تقوم عليه الموسيقى السودانية.

(7)

ثنائي بانت (ختم وحسن) وتمتد جذورهما ما بين مدينة شندي ومنطقة السروراب .. حيث ذكر ذلك الشاعر سيف بريقع ابن الفنان ختم حسن بقوله (الثنائي ختم وحسن ولدا بمدينة شندي أوائل الثلاثينيات . ثم انتقلا إلى مدينة أمدرمان أواخر أربعينات وبداية خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت الأغنية السودانية وقتها في مرحلة التشكل الموسيقي أو مرحلة ما بعد حقيبة الفن، بدآ نشاطهما الفني منتصف الخمسينيات وكان ظهورهما الفعلي والحقيقي في بداية ستينيات القرن الماضي، حيث أجيز صوتهما كثنائي في العام 1960 واستمر نشاطهما الفني لمدة عشرة أعوام كاملة حيث رحل بعدها حسن إسماعيل مقتولاً مطلع السبعينات  في إحدى ليالي المولد بأمدرمان.. بعدها توقف نشاط الثنائي الفني..

(8)

بغير أغنية الفينا مشهودة التي اشتهرت، قدم الثنائي العديد من الأعمال الغنائية .. وهي مسجلة كلها بالإذاعة السودانية مثل:

1/ أغنية (لوعة العشاق) أو (حسدونا ليه في الحب) –  كلمات الشاعر : محمد الطيب عربي – ألحان الموسيقار د. عبدالماجد خليفة.

2/ أغنية (غاب حبيبي) – للشاعر كباشي حسونة .. ألحان الموسيقار: علاء الدين حمزة

3/ أغنية (الحقيقة) .. للشاعر كمال محيسي.. ألحان الموسيقار علاء الدين حمزة.

4/ نشيد (ثورة الحق).. ألحان  ختم الطيب .. كلمات الشاعر محمد علي أبوقطاطي.

5/ أغنية (فرحة عمرنا ) للشاعر عباس أحمد .. ألحان الموسيقار علاء الدين حمزة.

مما يجدر ذكره أن الأستاذ ختم الطيب هو ابن  خالة  الأستاذ الفنان  الطيب عبد الله وابن عمة الدرامي سليمان حسين الشهير بـ( جحا) والذي كان يطل عبر برنامج الأطفال بتلفزيون السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى