التجاني عبد الوهاب يكتب : الحق فوق القانون (السودان وأثيوبيا)

لا نود أن نتحدث عن الحقائق التاريخية والجغرافيا في العصور القديمة والحديثة عن المنطقة  الواقعة جنوب مصر، والمعلوم أن هذه المنطقة وقعت تحت سيطرة الاستعمار الإنجليزي والفرنسي والإيطالي، وقد مزقت الى دويلات عديدة ورسم الاستعمار حدوداً معترفاً بها وثبتت خرائطها بمنظمة الأمم المتحدة، وصارت مرجعية يلجأ اليها المتخاصمون عند النزاع، بغض النظر عن رضا الدول الآن بهذه الخرائط أو غير ذلك، ولكن الخروج عنها يفتح ناراً يصعب إخمادها بين الدول والشعوب، ولكن تؤكد الحقيقة الإيمانية أن الأرض لله وأن أصل الإنسانية واحد ولذلك جعلت هذه الخرائط تداخلاً لا يمكن  إنكاره بين الشعوب مما يقتضي التعايش والتواصل بين  الشعوب، رغم الحدود الجغرافية للدول، وأن حسن الجوار فضيلة قِيمية ودينية معلومة .

ولكن أطماع الانسان إحيانا تخرج عن ما هو معلوم ومألوف، فالذي  له تسع وتسعون نعجة  يطمع في النعجة الواحدة التي عند غيره،

ندلف الى الأمر الذي نعنيه وهو الصراع القائم الآن بين السودان وأثيوبيا، وقعت اتفاقية الحدود في العام 1902م بين الملك منليك ملك الحبشة آنذاك، والحبشة دولة مستقلة  بكامل إرادتها وحريتها وطوعها وقعت على الحدود القائمة وفق خط قوين ووقع عن السودان(الذي لا يملك إرادته ولا حريته آنذاك) المستعمر الإنجليزي، وأرسلت الخرائط وثبتت في المحافل والمنظمات الدولية والإقليمية، بالرغم من أنها لم تراع حقًا معلوماً لدى السودان، وذلك بنزع منطقة بني شنقول التي هي واحدة من الأسباب التي دفعت خديوي مصر الى إرسال الجيوش إلى السودان من أجل الحصول على  الذهب، دفعت بها الاتفاقية الى أرض الحبشة، ونحن الآن احتراماً للاعراف الدولية ومن أجل أن يسود الأمن والاستقرار العالمي نعترف بهذه الخرائط ونرضى بما قسم الله لنا، وعلينا أن نحافظ على هذه الأرض لنا وللأجبال القادمة والذود والدفاع عنها واجب يمليه الدين والوطنية .

منذ  فترة طويلة نلاحظ تمدد الاثيوبيين في أراضي الفشقة ووصل بهم الأمر إلى قتل السودانيين على الحدود وطردهم إلى الداخل بل وحرمانهم من ورود نهر عطبرة للحصول على ماء الشرب وتكررت هذه الأحداث، وكنا نحسبها واحدة من مثالب الإنقاذ لتساهلها تجاه هذه الخروقات وعدم الالتفات إليها وحسمها وتناولنا هذه القضية في ندوات متعددة وخاصة في منابر مدينة الأبيض وكان من ابرز المتحدثين أخونا البصيلي حفظه الله محذراً من عواقب خطورة هذا التساهل والتفريط، وقد صدقت نبوءته. فها هي القوات الأثيوبية تصنع الكمائن داخل حدودنا وتقتل جنودنا ومن عبط الرأي أن يقول الناس هذه شفتة بل قوات مدربة ومؤهلة تدفع بها الحكومة المركزية في اديس أبابا وتتوارى خلف ما يسمى بالشفتة، لا نود الخوض في تعريف الشفتة في هذا المقال والكل يعلم الشفتة وصفاتها وهل بمقدورها أن تقيم شوارع الأسفلت والمدن العمالية الضخمة  وحراسة الآليات التي تحرث الأرض وتحرك الأساطيل لنقل المحاصيل الى بورصة أثيوبيا فبئس الفهم والرأي ممن يصدق هذه الهراءات، نسمع من حكومة حمدوك همساً خجولًا يقول نعمل على تأجير هذه الأرض إلى الإثيوبيين كيف تؤجر أرضًا أو منزلاً لشخص يدعي ملكية هذه الأرض أو هذا العقار ويعلنون صراحة عدم اعترافهم باتفاقية 1902م، إذاً على ماذا نحاورهم أليس فيكم رجل رشيد! وعلى أي الثوابت يجري هذا الحوار الفهلوي ومن أي قاعدة ينطلق .

نحن لا نريد الحرب وقوم نحسن الجوار نتصدق بحقوقنا التي تحت أيدينا ونقدمها للجار دون من أو أذى كما فعلنا  للأمة المصرية .

قدمنا أرضاً يعز علينا فراقها لنا فيها تاريخ ومآثر وآثاراً أغرقناها وشتتنا أهلنا ودمرنا مدينتنا الشامخ مآذنها والكريمة أرضها والعظيم شعبها والخصيبة تربتها من أجل إسعاد شعب مصر لإقامة السد العالي عليها.

ننصح الإخوة الإثيوبيين بعدم دفع أخوتهم في الجوار للدخول في حرب، وعليهم أن يعلموا أن أهل السودان لن يتنازلوا عن هذه الأرض وليس لأهل الحاضر حق التصرف في هذه الأرض فهي ليست لهم وحدهم.

يلاحظ أهل السودان بحذر شديد تساهل الحكومة مع حملة الجوازات المتنازع ولاؤهم عدم اهتمامهم وغياب الإرادة القوية عندهم تجاه هذه الأرض (التي يموت الآن جنودنا ذوداً عن حياضها)، بل ونرى تثبيط الهمم بالقول لن نحارب نيابة عن مصر (كلمة حق يراد بها باطل)، نحن لسنا وكلاء أو عملاء لمصر ورغم ما أسديناه من جميل لها  تحتل الآن جزءاً عزيزاً من أرضنا، ولا يوجد ما يدفعنا للقتال نيابة عنها، هذه فرية يريد القوم قتل الروح وتثبيط الهمم إذا دعا داعي الدفاع عنها. نؤكد أن ما يجمع بين الشعبين (السوداني والأثيوبي) كبير وكثير ونكره الدخول معهم في حرب، ولكن إذا فرضوها علينا نرتجز بشعر سويد ونقول

إن أهل السودان ليوث تتقي عرتها * ساكنو الريح إذا طار الفزع

وزنوا الأحلام إن هم وازنوا * صادقو الباس إذا الباس نصع

فبهم   ينكي عدو  وبهم   *  يراب الشعب إذا الشعب انصدع

نزجي التهانئ للأمة السودانية وللقوات المسلحة مصحوبة بالدعوات الصالحات وهي تحرر كامل الأراضي المغتصبة ولا شك ما قامت به من صميم واجبها الوطني، وهي حماية الأرض والعرض، وقد أوفت بما عاهدت عليه . وعلى شعبنا أن يحمي ظهرها ويقدم الدعم والإسناد اللازم لها  وعلى الحكومة الانتقالية عدم التساهل والتهاون والتفريط في هذا الجهد الذي بذل والإسراع بوضع خطة مارشال سريعة للنهوض بهذه المنطقة بدءاً بتوفير الخدمات الضرورية وإقامة مشاريع التنمية لتصبح أرض خير تطعم الشعب والجار.

دمت يا وطني مدثراً بثوب العزة والفخار.

التجاني عبد الوهاب إبراهيم

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى