صلاح  الدين عووضة يكتب : جميــل!!

رحمهما الله..

الحردلو… وكمال حسن بخيت..

وما جعلني أتذكّر الأول – رغم أن الكلمة تخص الثاني – مفردة مشتركة بينهما..

وهي مفردة (الجميل)؛ فكلاهما كانا يكثران من ترديدها..

كما أن كليهما كانا جميلين… ويعشقان الجمال… ويشع إبداعهما جمالاً جميلاً..

وحين مات الجميل مصطفى سيد أحمد كتب الحردلو ناعياً:

تانــي قـــام واحد جميـل في بلـدنا مـــات…

وكان بغني للمساكين والمسولتين والحفاة…

وكان بغنـي للمنافي والعصافير والرعـاة…

وكذلك كان كمال حسن بخيت؛ نثراً صحفياً… ودفقاً إنسانياً… وتفاعلاً اجتماعياً..

وآخر مؤانسة بيننا كان عنوانها (عصر الانحطاط)..

انحطاط في كل شيء؛ اقتصادياً… وأخلاقياً… وغنائياً… ورياضياً… وإعلامياً..

فكل شيء سائر إلى الوراء… والعالم من حولنا يتقدم..

وكل شيء صائرٌ إلى استلاب حتى كادت تضيع هويتنا؛ ثقافةً… ولساناً… ومظهراً..

كان محبطاً إحباطاً جميلاً..

وصابراً – على مرضه – صبراً أجمل؛ وعتابه لمن تنكر له لا يخلو من جمال..

وهكذا الجميلون في بلادي؛ لا نذكرهم إلا عند موتهم..

إلا حين ينعي الناعي أحدهم صادحاً؛ وقد يجوز في النعي الصداح… كما النواح:

تاني قام واحد جميل في بلدنا مات…

كان يعيش غربة (انتمائية) لعصر صحفي بدت غريبةً عليه ملامحه… وطبائعه..

فالمكان (ما زي بقية الأمكنة)… ولا الزمان (البينا ولَّف)..

وهو قد عاش أمكنة صحفية عديدة؛ و(ولَّف) الزمان بينه وبين عديد المشاهير..

وما بين الشام… والخليج… والمغرب… كانت (اللقيا بلا انتظار)..

وفي حواري اللقيا حاور غادة السمان… وجالس نزار قباني… وجادل نجوم المربد..

مع كل رمز عربي – في مجال الأدب – له حكاية… ورواية..

ومع بعض رموز السياسة العربية له حكايات… وروايات؛ وعلى رأسهم صدام..

وتلاقت أفكاره مع أفكاري فكانت الحكاية… والرواية..

وخلاصتها أننا نعيش عصر الشو المنحط في أبشع معانيه؛ ولا نبرئ صحافتنا..

كل واحد يريد أن يكون الكل الواحد… أو الكل في واحد..

فالسياسي – مثلاً – يريد أن يكون كاتباً… ومذيعاً… وأديباً… ونجم أضواء المناسبات..

والمطرب يريد أن يكون ممثلاً… ومقدم برامج تلفزيونية..

ورجل الأعمال يريد أن يكون شاعراً… وملحناً… وصحفياً… ورئيس نادي قمة..

وصاحبة الكوافير تريد أن تكون مذيعة… ونجمة مجتمع..

والصحفي؛ وهنا مربط الأسى الذي ننيخ عنده خيول إحباطنا… كيلا تجمح..

وتجمح روح كمال – أخيراً – ليكف خياله عن جموحٍ خلاق..

ويكف لساني عن مواجهته بعبارة (الرجل الجميل)… ويرد هو التحية بجمال أجمل..

ولكنا نقولها الآن في غياب جسده… وحضور روحه..

فمن كان له مثل روحه – جمالاً – لا يموت؛ وتظل ذكراه مترعةً بكل أنيق..

وجميـــل!!.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى