ريبيكا هاملتون يكتب :نصر الدين عبدالبارئ طالب جامعة “جورجتاون” الذي أصبح وزيراً للعدل  (2-3)

 

كان يستعد لحياة أكاديمية، إلا أن الحكومة الجديدة في وطنه كان لها رأي آخر

 

ريبيكا هاملتون أستاذة في كلية القانون بالجامعة الأمريكية في واشنطن. نُشر هذا المقال في مجلة واشنطن بوست في الخامس من فبراير ٢٠٢٠، وذلك بدعم من مركز بوليتزر للإبلاغ عن الأزمات.

ترجمه إلى العربية عبد الخالق شايب وهو قانوني سوداني يقيم ويعمل بمملكة البحرين.

وقد نجحت آخر جهود لتأسيس حكم ديمقراطي في السودان في البقاء في السلطة لثلاث سنوات فقط، أعقبها تولي عمر البشير لمقاليد السلطة إثر انقلاب عسكري (مسنود من الجبهة القومية الإسلامية) عام 1989م، فيما عرف بثورة الإنقاذ. فرضت الجبهة الإسلامية الوطنية (والتي أعيدت تسميتها فيما بعد بحزب المؤتمر الوطني) قوانين الشريعة، مما أدى إلى عزل غير المسلمين في البلاد، ناهيك عن العزل الذي طال أيضًا الكثير من المسلمين المعتدلين. سرعان ما حَلّ البشير اتحادات النقابات المهنية – بوصفها مصدراً منافساً على السلطة وأنشأ نظاماً للمراقبة من خلال جهاز المخابرات والأمن الوطني الذي أصبح سيئ السمعة بسبب وحشيته. وفي تسعينيات القرن الماضي، أدى قرار حزب المؤتمر الوطني باستضافة أسامة بن لادن إلى دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى وضع السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب، كما رزَحَ تحت وطأة العقوبات الاقتصادية المختلفة التي وضعته خارج النظام المصرفي العالمي منذ ذلك الحين.

لقد عمِلَ حزب المؤتمر الوطني، خلال فترة حكمه التي استمرت 30 عاماً، على ارتكاب عددٍ كبيرٍ من الجرائم ضد الشعب السوداني. فقضى الملايين في المناطق الطرفية من البلاد نَحْبَهُم على أيدي حكومتهم. ولا تعكس مذكرة توقيف البشير في عام 2009م، التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي، سوى جزء ضئيل من العنف، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية، بسبب الفظائع التي ارتكبت في إقليم دارفور في غرب السودان.

طوال تلك الفترة، لم تتم مُجابَهة التحديات الجوهرية التي تواجه مشكلة الحكم في السودان. لعل من أهمها إيجاد إجماع وطني حول معنى أن تكون سودانياً في مجتمع متعدد الثقافات. وما زال من الصعب معرفة ما ينبغي فعله لبناء نظام حُكْم يعمل على توزيع الموارد بشكل عادل، وليس على أساس الهوية العرقية أو الدينية أو الانتماء الجغرافي. كما لم تكن هناك سابقة أو رؤية لحكومة يمكن لها أن تستخدم الموارد الطبيعية والبشرية للدولة للمصلحة العامة، بدلاً من توظيفها لتحقيق مصالح شخصية. في السنوات الثلاثين الماضية، أضحى الفساد متجذراً، وأصبحت الكليبتوقراطية (نظام الحكم الذي يسيطر عليه اللصوص) هي المنظومة.

على الرغم من أن الإطاحة بالبشير كانت استثنائية، إلا أنها لم تكن أمراً جديداً في تاريخ السودان. لقد نجح الشعب السوداني مرتين قبل ذلك في الإطاحة بحكامه. وإذا كان يمكن النظر إلى الماضي باعتباره توطئة لما بعده، فإن الاحتمالات ضعيفة أن تؤدي هذه الثورة إلى ديمقراطية. لقد ظل السودان عالقاً منذ فترة طويلة في نفق مظلم، حيث يستبدل حاكماً يفشل في نَذْر نفسه لخدمة السواد الأعظم من السودانيين بآخر يعاني من ذات الفشل. والسؤال بالنسبة لعبد الباري وغيره من أعضاء الحكومة الانتقالية التي تقود البلاد الآن هو: هل يمكنهم كسر هذه الصورة النمطية؟

لقد مَهَّد السودانيون العاديون الطَّريقَ لعبد الباري ليصبح وزيراً للعدل في السودان. منذ ديسمبر 2018م، وبعد أن تضاعفت أسعار الخبز ثلاث مرات بين عشية وضحاها، خرج النَّاس إلى الشوارع مطالبين بإسقاط النظام. وفي أبريل 2019م، أطاح الجيش بالبشير، وأسس مجلساً عسكرياً كان حاكماً للبلاد لعدة أشهر. لكن لم تكن تلك هي المحصلة النهائية التي من أجلها ضحى المتظاهرون.  لقد بقوا في الشوارع للمطالبة بالحكم المدني واستمروا في التظاهر حتى بعد الهجوم الوحشي الذي وقع في يونيو، والذي يعرف الآن بمذبحة القيادة العامة، وأودى بحياة أكثر من 100 شخص.  تم انتشال جثث المتظاهرين، التي أُثْقِلَتْ بالطُّوب حتى لا تطفو في وقت لاحق من نهر النيل. تقول إحدى الجداريات العديدة المنتشرة في شوارع الخرطوم: “أولئك الذين لا يستحقون الموت قُتلوا على أيدي الذين لا يستحقون الحياة”.

في خاتمة المطاف، أفضت المفاوضات بين المتظاهرين ــ  الذين اِنْتَظَمَوا في إطار تحالف يطلق عليه قوى الحرية والتغيير (قحت) والمجلس العسكري ــ إلى اتفاق استطاعت قحت من خلاله تسمية أعضاء مجلس الوزراء لإدارة الحكومة التنفيذية في البلاد لفترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات. كان عبد الباري أحد مرشحي قحت (من كتلتي تجمع المهنيين السودانيين ومبادرة المجتمع المدني) لوزارة العدل. ويقع على عاتق مجلس الوزراء الانتقالي، الذي أصبح عبد الباري الآن جزءاً منه، مسؤولية وضع الأسس لإجراء انتخابات ديمقراطية في عام 2022. وتدعو الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية إلى تشكيل دولة تحترم حقوق الإنسان.

ومع ذلك، لم يؤدِّ الاتفاق بين الطرفين إلى سيطرة مدنية كاملة على الحكومة، حيث أن رئيس الدولة الشرفي خلال الفترة الانتقالية هو مجلس السيادة المكون من 11 عضواً، خمسة منهم أعضاء عسكريون. وإلى أن يتم تشكيل مجلس تشريعي، فإن جميع التعديلات التي تطرأ على القوانين تتطلب موافقة مجلس الوزراء ومجلس السيادة في جلسة مشتركة بالإجماع، أو في حالة عدم توفره، بأغلبية الثلثين.

*أثرت والدة زوجة عبد الباري عليه لقبول شغل المنصب في مجلس الوزراء: “لقد قالت لي: “هذه فرصة تاريخية لا تتأتَّى للجميع. بدلاً من كتابة مقالات بحثية حول ما يجب القيام به، سوف تتمكن من إنزال ذلك على أرض الواقع بنفسك”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى