كان في مُهمّة رسمية النيل الأزرق تتوشّح بالسواد.. رحيل والٍ..!

 

الخرطوم- النذير إبراهيم العاقب

نعى رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ورئيس مجلس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك المغفور له بإذن الله والي النيل الأزرق الأستاذ عبد الرحمن نور الدائم التوم، الذي لبى نداء ربه صباح أمس وهو قادمٌ إلى الخرطوم من ولاية النيل الأزرق في مُهمّة عمل رسمية تلبية لدعوة اجتماع اللجنة العليا لجمع السلاح، وامتدح البرهان، جُهود الفقيد في تعزيز السلام وترسيخ دعائم النهضة الاقتصادية والاجتماعية بالولاية، ووصفه حمدوك بأنه اتّسم بحُسن الخُلُق وطيب المعشر ودماثة الأخلاق والتفاني والإخلاص في العمل.

فاجعة الرحيل

ورحل عبد الرحمن نور الدائم صباح أمس الأحد، إثر حادث سير مروع وهو في طريقه إلى العاصمة الخرطوم، ووقع الحادث بالقرب من منطقة كمبو حليمة نحو 4 كيلو مترات من مدخل مدينة ود مدني، نتيجة لمحاولة سائق عربة الوالي تفادي طفل حاول قطع الطريق بالاتجاه الشرقي ونتجت عن الحادث وفاة والي النيل الأزرق في الحال وإصابة ثلاثة من مُرافقيه من ضمنهم ابنه، وكان الوالي في طريقه إلى الخرطوم في مُهمّةٍ رسميةٍ، وتم تعيين نور الدائم في المنصب ضمن حزمة 18 والياً مدنياً، عيّنهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في الثاني من أغسطس المنصرم.

ميلاد ومسيرة

وُلد الراحل بمدينة قيسان بولاية النيل الأزرق، في العام 1961م، ودرس المراحل بمدرسة قيسان الابتدائية، ومدرسة الروصيرص المتوسطة، مدرسة الدندر الثانوية، ومن ثَمّ انتقل للدراسة بمعهد المنصورة التجاري جمهورية مصر، وعاد الى السودان لدراسة القانون بكلية الحقوق جامعة النيلين، وتحصّل فيها على بكالوريوس قانون، وهو متزوجٌ وأب لأربعة أطفال.

نور الدائم صحفيٌّ معروفٌ، بدأ مسيرته في المجال الصحفي بصحيفة “الهدف السياسية”، التي كان يصدرها حزب البعث العربي بالخرطوم، ومن ثم كاتباً صحفياً ضليعاً، شارك بمقالاته الثرّة في أغلب الصُّحُف السودانية، متناولاً قضايا النيل الأزرق الحيوية كافة، عمل ناطقاً باسم قوى الحرية والتغيير في الولاية، وعقب التضييق الكثيف الذي انتهجته حكومة النظام البائد وتأميمها لكل الصحف السودانية، عمل نور الدائم معلماً للعلوم التجارية في الفترة من يوليو 1991م وحتى نهاية العام 2006م، ومن ثم تم تعيينه مديراً للمدرسة الإنجيلية التجارية بنين بأم درمان في الفترة من يناير 2001م وحتى 2003م، لينتقل منها مديراً لمدرسة حي الضباط التجارية بنات بأم درمان لمدة عامين، وفي العام 1996م ترك مجال التدريس ليعمل مُوظّفاً بإدارة الموارد البشرية بشركة آيات للطرق والجسور، ومُوظّفاً بإدارة التجارة بمحلية قيسان، ومنذ ولوجه المرحلة الثانوية، نشط نور الدائم في مجال العمل الطوعي والإنساني، وكان منافحاً ومدافعاً عن حقوق إنسان النيل الأزرق، الأمر الذي عرَّضه للاعتقال من قِبل السلطات عدة مرات، ولتثبيت تلك المطالب وتحقيقها على أرض الواقع، لم يَتوانَ في البحث عن موطئ قدم راسخ للانضمام للعمل في منظمات المجتمع المدني، والتي عبرها وجد منفذاً لمعالجة العديد من القضايا المُلحّة والمتعلقة بخدمة إنسان المنطقة ودعمه مادياً ومعنوياً وخاصةً طلاب الجامعات والمعاهد العليا، لاسيَّما وأنه المؤسس لرابطة طلاب قيسان بالجامعات والمعاهد العليا في نوفمبر 1993م، ومن ثمّ رئيساً لاتحاد خريجي المنطقة ديسمبر 2012م، وكذلك عمل مديراً للهيئة الشعبية لتنمية قيسان فبراير 2004م، ومديراً لمنظمة تُـمَـتْ للتنمية والتعمير سبتمبر 2017م، وعضو مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان باعتباره ناشطاً حُقُوقياً ضَليعاً في مكافحة الفساد، ومن المُؤسِّسين لأول قروب بالنيل الأزرق لكشف وفضح الفساد بمُؤسّسات الولاية عامَّة في العام 2015م، فضلاً عن أنّه يُعتبر العضو المؤسس لمبادرة دعم السلام والتي عُرِفت بـمُسمَّى الصوت الثالث في نوفمبر 2015م.

هُمُوم الولاية

نور الدائم ومنذ تسنُّمِه منصب والي ولاية النيل الأزرق، وفي ظروف بالغة التعقيد، لا سيَّما المشكلات الجمَّة التي تُواجه مواطني الولاية في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما تعج به الولاية من مشكلات أمنية وحدودية مُعقّدة، من لحظة أدائه لقَسم التكليف، وعد مواطني الولاية بتقديم كل الجهد لإنسان النيل الأزرق، وبالفعل شرع في إنفاذ العديد من المشروعات وحلحلة الكثير من القضايا العالقة، بدءاً من مُعالجة مسألة الترهُّل الوظيفي المُخِل بمعظم المؤسسات والوزارات الحكومية، بجانب العمل الجاد لأجل مُعالجة القضايا السياسية عبر إطلاقه لمُبادرة لَمّ الشمل والرامية للمصالحة بين فصيلي الحركة الشعبية المُختلفين بقيادة الفريق مالك عقار وجوزيق تُكَّة، والتي بالفعل شرع في إنفاذها بمُقابلته للطرفين في عاصمة جنوب السودان جوبا، والتواصُل المُثمر مع الطرفين لأجل الوصول الى حلولٍ ناجعة تفضي للمصالحة بينهم، ووضع أيديهم معاً للعمل خلال الفترة القادمة لتحقيق المصلحة العامة لولاية النيل الأزرق، وظلّ في حالة توجيه دائم لكافة القوى السياسية ورجالات الإدارة الأهلية والقيادات الشعبية بالولاية بأهمية العمل من أجل توحيد كافة المبادرات الداعمة لترسيخ دعائم السلام من خلال التوجُّه نحو حشد إرادة الجميع خدمةً لقضية السلام، والعمل على مُعالجة القضايا المُتعلِّقة بمُبادرة لجنة الإصلاح والتواصُل والمُؤاخاة الرامية لدعم الجهود الجارية لاستكمال مسيرة السلام في النيل الأزرق، والمساهمة في دعم التواصل مع كافة الأطراف المعنية بقضية السلام بالولاية في مقدمتها حركات الكفاح المسلح.

مسيرة السَّلام

ولعلّ تعيين عبد الرحمن نور الدائم كوالٍ للنيل الأزرق، وجد قُبُولاً واسعاً من قِبل جُل مُواطني الولاية ومُكوِّناتها السياسية، وأشاد الكثير من القيادات البارزة بتجربته على قِصَر مُدَّتها، فيما وصف آخرون أداءه بالضعف وأرجعوه لحداثة تجربته في المنصب، وعزا آخرون تأخير إنفاذ الوالي للمشاريع التنموية التي سبق وأعلن عنها من قبل إلى الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، بجانب عدم التفاعُل الإيجابي من قِبل الحكومة الاتّحادية مع المطالب التي رفعها الوالي، وتأخير الاستجابة لها وتسريع حلِّها، الأمر الذي قُوبل بتذمُّرٍ واضحٍ من قِبل إنسان الولاية، واعتبره فشلاً للوالي في إدارة الأزمة، وهو الأمر الذي نفته سياسات الوالي الراحل وقراراته الإيجابية الرامية إلى الإصلاح العام في مجالات العمل بالولاية، وبالأخص تركيزه على معالجة كافة المشكلات والقضايا التي تعيق مسار السلام ومعاش الناس بالنيل الأزرق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى