اقتصرت على يومٍ واحدٍ ..حمدوك في أديس.. ملفات ساخنة وعودة مُفاجئة!!

 

الخرطوم- مريم أبشر

على نحوٍ مُفاجئٍ، عاد رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك ووفده المرافق إلى الخرطوم من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بعد مُباحثات مع الجانب الإثيوبي.

وحسب مجلس الوزراء، فإنّ حمدوك ووفده دخلا فور وصوله في اجتماع مشترك، أعقبه اجتماع مغلق بين حمدوك ونظيره الإثيوبي د. آبي أحمد. واتفق الجانبان على عدد من القضايا في مسار علاقات البلدين، ومنها استئناف عمل لجنة الحدود واستئناف مُفاوضات سد النهضة خلال الأسبوع المقبل، كما اتفق الجانبان على عقد قمة عاجلة للإيقاد.

وقلّصت الزيارة التي أعلن أنّها ستمتد ليومين لساعاتٍ، رافق حمدوك خلالها وزير الخارجية المُكلّف عمر قمر الدين، ومدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول ركن جمال عبد المجيد ونائب رئيس هيئة أركان قوات الشعب المسلحة للعمليات الفريق ركن خالد عابدين الشامي، ومدير هيئة الاستخبارات العسكرية اللواء ركن ياسر محمد عثمان.

قضايا عديدة

الزيارة التي جاءت مُباشرةً بعد إعلان أديس بشكل رسمي إنهاء تمرُّد إقليم التقراي، هَدَفت لبحث مختلف القضايا الإنسانية والاقتصادية والسياسية والأمنية ذات الاهتمام المُشترك على الساحة الإقليمية وعلى مُستوى القارة وسُبُل تعزيزها والتنسيق حولها، بما يخدم أمن واستقرار الشعبين الشقيقين.

وقال حمدوك عقب وصوله، إنه يتطلّع لمباحثات بنّاءة مع آبي أحمد حول القضايا ذات الاهتمام المشترك لخدمة السلام والاستقرار في البلدين والمنطقة الإقليمية.

وتمّت الزيارة في توقيتٍ مُهمٍ للخرطوم وأديس، فقد تمت بعد حرب وتوتر أمني بالغ الخُطُورة شهده إقليم التقراي المُتاخم للحدود السودانية، وخلّفت آلاف اللاجئين الإثيوبيين الذين فرُّوا من ويلات الحرب للحدود السودانية، حيث استقبلهم السودان رغم الضائقة الاقتصادية، وتأتي أيضاً وقد صوّبت لجنة تحقيق شُكِّلت في إثيوبيا خلال تقريرها أصابع الاتهام لقوات سودانية بتلقِّي رشاوى من مُقاتلي التقراي للاعتداء على اللاجئين بالحدود، وتتم الزيارة أيضاً وقد أعلن السودان لأول مرة موقفًا مُختلفاً وانسحب على إثره من مُفاوضات سد النهضة التي ظلّ دائماً طوال مسار المُباحثات يلعب إلى جانب حَقِّه الأصيل في أن يكون طرفاً مُهماً في المُفاوضات، دور المسهل والوسيط كلما اشتد الخلاف بين دولتي المنبع والمصب.

رسائل حمدوك

مراقبون نوّهوا الى أنّ زيارة حمدوك حملت جُملة من الرسائل في عدة اتجاهات، أبرزها ملف الحدود الذي برز للسطح بعد تقدم الجيش السوداني وفرض سيطرته على أراضٍ سُودانيةٍ على حدود إقليم الأمهرا في توقيت تستعر فيه الحرب بجبهة التقراي، أمّا الرسالة الثانية تمثّلت في مفاوضات سد النهضة وأن توافق الخرطوم وأديس على الاستعانة بعدد من الخبراء والفنيين من الاتحاد الأفريقي وذلك على أعقاب سحب السودان وفده المُفاوض، والملف الثالث الحرب التي تدور بين الحكومة الإثيوبية وجبهة إقليم التقراي وتزايد أعداد النازحين الإثيوبيين على الأراضي السودانية.

وتوقّعت مصادر أن تتحوّل الحرب إلى حرب عصابات طويلة الأمد، ولفتت إلى أنّ العمليات مُستمرة، وبجانب الجيش الإثيوبي هنال مليشيات الأمهرا والجيش الإريتري.

فيما استبعدت مصادر أن تكون زيارة حمدوك بغرض التوسُّط، ولفتت إلى أن الحكومة الإثيوبية رفضت أيّة وساطة، وأكدت أنّ ما يحدث شأن داخلي.

أهمية التوقيت

ما من شك أنّ التوقيت الذي تمّت فيه الزيارة يُعد مهماً لكلا البلدين، حسب ما يرى البروفيسور عبده مختار موسى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات، يعتقد في حديثه لـ(الصيحة)، أن مشاكل الحدود وسد النهضة واللاجئين ستُشكِّل الملفات الأبرز المتوقع أن يبحثها الزعيمان حمدوك وآبي أحمد، ويتوقّع أن تكون هنالك قضايا أمنية غايةً في الأهمية تتطرّق لها الزيارة، خاصةً وأنّ الوفد المرافق لحمدوك خلاف وزير الخارجية المكلف يضم قيادات الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وأن حرب التقراي الأخيرة ألقت بظلالٍ سالبةٍ في سماء الخرطوم وأديس، في وقتٍ حصد السودان فيه الإشادات الدولية بإيواء اللاجئين الإثيوبيين الفارّين من حرب التقراي رغم أوضاعه الاقتصادية الضاغطة، فقد مثلت الاتّهامات التي نُشرت في الوسائط حسب نتائج اللجنة التي شكّلتها الحكومة الإثيوبية بوادر توتُّر جديد ومُحاولة لتعكير سماء البلدين، ومعلومٌ الدور الكبير الذي لعبه آبي أحمد في دفع الثورة السودانية وصولاً لغاياتها المنشودة، فقد قاد تحرُّكاً ناحجاً ومثل وسيطاً مقبولاً بين شركاء الفترة الانتقالية بشقيه العسكري والمدني أفضى في النهاية للتوصل إلى اتفاق انتهى بتوقيعه الوثيقة الدستورية التي تشكل الهادي لمسار الفترة الانتقالية، ويعتقد مختار أنّ حمدوك سيضع آبي أحمد في الصورة حيال آخر التطورات والعقبات التي تعترض مسار التحول الديمقراطي والاتّهامات التي تظهر بين الحين والآخر بين المكونين المدني والعسكري.

أجندة الساعة

وتربط السودان وإثيوبيا، إلى جانب الجوار المُشترك، علاقات تاريخية ضاربة الجذور، وهنالك تداخلٌ قبليٌّ وتصاهرٌ بين السودانيين والإثيوبيين، وظلت كل بلد تمثل الملاذ الآمن لمواطني الدولة الأخرى كلما ادلهمت الخُطب ونشبت الصِّراعات والاختلافات سواء بين القبائل أو الصراعات بين الحكومات ومُواطنيها، ومثلما احتضنت أديس أبابا، اللاجئين السودانيين في كل حقب التوترات التي عاشها السودان إبان الحكومات العسكرية، فقد بادر السودان بفتح حدودها أمام اللاجئين الإثيوبيين الذين فَرُّوا من ويلات الحرب التي اشتعلت خلال الأيام الماضية بين الحكومة وإقليم التقراي، واقتسم السودان رغم ضِيق ذات اليد والصُّعوبات الاقتصادية المُتفاقمة، لقمة العيش مع مَن رأوا أن السودان الأقرب لهم مكاناً ووجداناً من اللاجئين الإثيوبيين. ولذا يعتقد خبير دبلوماسي تحدث لـ(الصيحة)، أنّ ملف اللاجئين الإثيوبيين الذين دخلوا السودان وكيفية إيوائهم وإعادتهم لاحقاً لبلدهم ومُعالجة أوضاع مُعارضي الحكومة الإثيوبية، إن ثبت أنّ بعضهم دخل السودان ضمن اللاجئين سيكون من القضايا البارزة المُتوقّع مُناقشتها بين حمدوك وآبي أحمد، أضف لذلك فإنّ موضوع سد النهضة وأهمية إحكام تنسيق مواقف السودان وإثيوبيا كما كان الحال في السابق إن وجد لذلك سبيلاً يُعد ملفاً على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية خَاصّةً من الجانب السوداني في الوقت الراهن، حيث اتخذ السودان مَوقفاً مُخالفاً، رأى فيه أنّ تغيير الطريقة النمطية التي ظلّت عليها مُفاوضات سد النهضة طوال الفترة الماضية أمرٌ ضروريٌّ وابتدار نهج جديد للتفاوض، مع الأخذ في الاعتبار منح خبراء الاتحاد الأفريقي حيِّزاً مُعتبراً في مسار التفاوض، باعتبار أنّ المُفاوضات تمضي تحت مظلة الاتحاد الأفريقي.

بجانب ذلك – حسب الخبير الدبلوماسي -، فإن قضايا القرن الأفريقي عامة وتعقيدات الأوضاع في جنوب السودان وإريتريا، خاصةً وإمكانية تعاون دول المنطقة لما فيه خير شعوبها، ولم يستبعد أن يكون موضوع استرداد الجيش السوداني لجزء كبير من أراضي الفشقة حاضراً في مباحثات الطرفين.

اتّجاهات خاصّة

من جانبه، اعتبر سفيرٌ مخُضرمٌ، أنّ الزيارة ذات شقين؛ ثنائي وإقليمي، وقال لـ(الصيحة)، إن العلافات بين السودان وإثيوبيا فيها الكثير من الملفات الكُبرى العالقة والتي من شأنها – إن بقيت دُون تسويةٍ مُرضيةٍ لطرفيها – أن تكون محل توتُّر ونزاعٍ مُستمرٍ، وأبرز ملفين في هذا هما سد النهضة والأراضي السودانية التي تحتلها مليشيات إثيوبية مدعومة من الجيش النظامي.

أما فيما يلي الشق الإقليمي من الزيارة، يأتي لكون السودان وفي شخص رئيس الوزراء يرأس الدورة الحالية لمجموعة الإيقاد، والتي تضم بجانب السودان، إريتريا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال وكينيا وأوغندا، وبصفته رئيساً للإيقاد، يتعيّن على حمدوك التعامُل مع النزاع الداخلي في إثيوبيا بين الحكومة الفيدرالية وإقليم التقراي، فالنزاع وإن كان شأناً داخلياً، إلا أنّ آثاره بدأت تتمدّد ليصبح إقليمياً وربما يتم تدويله إن لم تتم تسميته، ذلك أن التقارير الدبلوماسية أضحت تُشير بشكلٍ مُتزايدٍ إلى تورُّط دولة إريتريا فيه بشكل مباشرٍ، فضلاً عن تأثُّر السودان بشكل مباشر بموجة اللاجئين الإثيوبيين الذين دخلوا أراضيه وقد فاق عددهم حتى الآن الخمسين ألفاً، وأضاف “مما لا شك فيه أن بحث هذه الملفات والوصول إلى تفاهمات بشأنها سيكون على رأس موضوعات الزيارة، يُعزِّز ذلك تكوين الوفد الذي رافق السيد رئيس الوزراء في هذه الزيارة”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى