الأحزاب السياسية.. ما بين الخاص والعام!

 

كتب/ عبد الله عبد الرحيم

بدأت هذه الأيام بعض الأحزاب تغرد خارج سرب الحكومة الانتقالية رغم أنها عضو أصيل فيها بصورة أشاعت أن القوى السياسية الحزبية نادراً ما تتشابك مصالحها مع المصلحة القومية للبلاد لتبدو وكأنها تتحدث بأكثر من لسان في كثير من الأحيان. ولذلك فإن ما تشهده الساحة السياسية اليوم من إرهاصات شبيهة، إنما هي بعض مما تعيشه الأوساط المثقفة من خيبة أمل في مقدرة هذه الأحزاب على النهوض بمجتمعاتها السوية بصورة اختلط فيها الخاص والعام.

وابتدرت بعض القوى السياسية مواقف أكثر حدة في مواجهة سياسات متفق عليها بين الجهاز التنفيذي مجلس الوزراء والجهاز التشريفي في مجلس السيادة، بيد أن قوى سياسية أشارت للأمر وكأنه وليد شرعي لجهة ما ليست لها علاقة بالمكون الوطني كشأن التقارب مع إسرائيل مؤخراً والذي تبناه مجلس الورزاء وعبر عنه المجلس السيادي كجهاز تشريفي، بيد أن بعض القوى السياسية والتي على علم بالموقف دخلت في مواقف مستنكرة للحدث ونافية علمها بما يجري في صورة غلبت فيها موقفها الأيدولوجي على الوطني والقومي. فمتى يتوحد اللسان والخطاب السياسي وراء الهدف الوطني؟.

بعض المواقف

فبعد إعلان مجلس شركاء الحكم، خرجت بعض الأحزاب ببيانات وتصريحات صحفية أشارت فيها إلى أن ما يجري لا يمثلها ولا يمثل قناعتها بالرغم من ـشارة البعض إلى أن التكوين جاء مضمناً تمثيل قيادات من عضويتها، وبالتالي فإن التشكيل والترشيح قد يكون تم بمشاورتها وفقاً لحديث رئيس السيادي الفريق أول البرهان، ولكن ربما لبعض المواقف السياسية للحزب جعلته أن يكون في موقف الحياد. وهذه الصورة أيضاً في عملية التطبيع مع إسرائيل ورغم إخبارها (الأحزاب السياسية ) بالخطوة وفقاً لتأكيدات البرهان الرسمية وأخذ موافقتها، إلا أنها خرجت بمواقف مناهضة للخطوة، ونفت علمها تماماً بما يجري كحزب البعث والأمة وغيرهما من القوى السياسية الممثلة في الحاضنة السياسية لقوى الحرية والتغيير. أيضاً بيان الحزب الجمهوري وإعلانه بأن عناصره داخل الحاضنة السياسية لا يمثلون الحزب.

ويدمغ محللون سياسيون هذه المواقف بالافتقار للثقة واللعب بعصا المشاكسة بدلاً من التفاهم والشجاعة في ممارسة النقد الذاتي بصورة ديمقراطية أكثر مقبولية من اللعب بالمواقف.

محور الوطن

بينما يرى محللون سياسيون أن السياسة القائمة على أسس التعددية الحزبية تعني المنافسة، ولكنها على نفس القدر من الأهمية، أنها تتعلق أيضاً بالبحث عن توفير الحلول المشتركة لصالح الدولة ومواطنيها. ويعتبر الحوار الفعال والشامل بين الأحزاب السياسية بمثابة عنصر أساس من عناصر السياسة الديمقراطية. كما أن الصراعات والنزاعات بين الأحزاب والعلاقات الاستقطابية بين الأحزاب السياسية، قد تعمل على إعاقة وسد الطريق في وجه تنمية البلاد. وعلى  النقيض من ذلك، فإن توفير مستوى أساس من الثقة والتعاون بين الأحزاب السياسية، من شأنه تمهيد الطريق لتحقيق سبل السلام والاستقرار المنشود والنمو المستدام في البلاد.

ويؤكد د. أبوبكر آدم المحلل السياسي لـ(الصيحة)، أن هذا المفهوم قد لا ينطبق على مؤسساتنا الحزبية التي تنخر في جسد البلاد اليوم بتغليب أيدولوجياتها في الوقت الذي كان يجب فيه أن يكون الوطن والمواطن هو محور اهتمامها العام.

مسابقات مريرة

ولكن السياسي الهولندي بريختشي كيمب، يرى في كتابه “حوار الأحزاب والسياسة” ضرورة أن تلعب الأحزاب السياسية دوراً حاسماً في الديمقراطية التمثيلية الحديثة، كما أنها تعتبر الجهات المبادرة بالإصلاح، وتقوم بجمع المطالب من المجتمع وتحويلها إلى سياسات، كما تعمل على تجنيد أشخاص لتولي المناصب التنفيذية والتشريعية، وتتولى دور الرقابة على الحكومة. ويقول إن أمر السياسية لا مفر منه. وفي سياق أداء هذه الأدوار، فإن المنافسة بين الأحزاب وبينما قد تكون المسابقات على السلطة مريرة، فـإن عـمـلـيـة النقاش السياسي حول الإصلاح والتنمية قد تفضي أيضاً إلى حوار مثمر والوصول إلى اتفاق بين قادة الأحزاب وقواعدها الجماهيرية.

مبدأ الكيكة

ولكن مفكرين سياسيين وأيدولوجيين يرون أنه ومن وجهة نظر تاريخية، كانت العلاقة بين المجتمع المدني والأحزاب السياسية صعبة، لسيادة الحكم العسكري طوال سنوات الحكم في البلاد، وخلال ذلك الوقت كانت الأحزاب السياسية غير قادرة على بناء قدرات بشرية أو مؤسسية لها لذلك كثيراً ما تلجأ إلى مبدأ ما يعرف بـ”تقسيم الكيكة”.. وفي أزمان التعددية الحزبية، فإنه كثيراً ما جرى توجيه سهام النقد للأحزاب السياسية بأنها قد تطورت وأصبحت “آلات وبوق”، تستخدم ككروت ضغط فقط، وقلّ تركيزها على قضايا السياسة العامة بدلاً من أن تعمل على تطوير السياسات بالبلد.. وهذا الوضع هو ما أدى إلى خلق بعض التوتر وبعض الاستياء بين المجموعات الساسية فانعكس ذلك على القرارات المهمة التي تخرج كسيحة بفعل التعارض الكبير على الساحة السياسية بفعل الأيدولجيات الحزبية.

فهل آن الأوان لتغيير هذه الوجهة الحزبية ليكون أكثر تفهماً لخدمة الديمقراطية وبعيداً عن المكاسب والأيدولوجيات الخاصة، ويكون الوطن فيها هو الأول والأخير؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى